جميعنا يعرف ذلك الشخص الذي دائمًا ما يتأخر عن مواعيده، تتفقان على الحضور في مكان معين عند الساعة العاشرة، فتأتي في الموعد، أمّا هو فيأتيك عند الساعة العاشرة والنصف بعد أن يعتذر لك بعدة أعذار تُبرر تأخره.

لا تستعجل، فقد تكون أنت -عزيزي القارىء- الشخص المعني هنا، فبالرغم من كثرة الاحتياطات والتذكيرات بضرورة التجهز والاستعداد للموعد إلا أنك تخرج من المنزل في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون وصلت إلى وجهتك المقررة.

اطمئن، فحتى هذا السلوك لم يتجاهله العلماء، على العكس تمامًا فقد حاولوا معرفة سبب هذه المشكلة المميِزة للبعض .
في منشوره بمجلة «علم النفس اليوم» (Psychology Today) أشار المحاضر والكاتب في مجال سلوكيات الإنسان (ألفي كون – Alfie Kohn)، إلى أن القول بأن الأشخاص المتأخرين عن مواعيدهم هم أشخاص مستهترين وغير مُبالين هو قولٌ دقيقٌ، ولكنه لا يقدم سببًا وراء هذا التلكؤ.

إقترح كون أيضًا عدة أسباب تشرح سبب تأخر بعض الناس بشكل مستمر، منها مثلًا أن يكون هؤلاء الأشخاص يستمتعون بجذب الانتباه عند دخولهم، أو ربما أنهم ملتفين حول أنفسهم وفي حياتهم الخاصة -وهنا يجب عليهم الحرص على جعل الناس ينتظرونهم.

لكنه أضاف بأنَ ذلك لا ينطبق على الأشخاص الذين يتأخرون عن كل شيء بشكل مزعج، ومنهم أولئك الذين يتأخرون عن موعد الطائرة أو المناسبات التي يرغبون حضورها بشدة، على عكس بعض الأشحاص الذين يتفقدون ساعاتهم مرارًا، خاصةً في المواعيد النهائية والمهمة.

يرى كون أن البعض يفشل في فِعل هذه الأمور، ربما لإنشغالهم بشكل كبير فيما يقومون به لدرجة أنهم ينسون تفقّد الوقت حتى فوات الأوان.

قد نحتاج إلى إلقاء اللوم على طريقة إدارتنا للوقت!

في دراسة أجريت عام 2016 من قِبل عالما النفس في جامعة واشنطن (ايميلي والدن – Emily Waldun) و (مارك ماكدانييل – Mark McDaniel)، اللذان بحثا في هذه النظرية ووصفاها بالذاكرة المستقبلية المعتمدة على الوقت ” Time-BasedProspective Memory(TBPM)”.

ففي التجربة التي أُجريت، ألزم الباحثون عدة أشخاص بوقت محدد لأداء مهمة معينة، مع اعطائهم إمكانية التحقق من الوقت بالنظر إلى الساعة، كما صُمِمَت التجربة بطريقة تجعل المشتركين منشغلين بأداء المهمة -كالقيام بفك أحجية الصور المقطوعة- لدرجة تجعلهم مشغولين جدًا عن التحقق من الوقت.

عند النظر إلى نتائج التجربة السابقة، فقد كان من الواضح أنَ بعض المشتركين كانوا أكثر قدرة على تقدير الوقت بشكل أفضل من نظرائهم.

هذا مشابه تمامًا للحالة التالية: أمامك خمس دقائق قبل الحاجة إلى المغادرة للذهاب إلى العمل لكنك منهمكٌ بأداء نشاط معين كتصفح شبكة الانترنت مثلًا أو قراءة الأخبار، حين تنظر بعدها إلى ساعتك ظنا منك بأنك استغرقت خمس دقائق لأداء ذلك، تجد نفسك قد استغرقت عشرين دقيقة بدلًا من خمس!

توضح سوزان كراوس – Susan Krauss، الأستاذة في علم الدماغ والنفس في جامعة «Massachusetts Amherst» أن الأشخاص الجيدين في المهام المعتمدة على «الذاكرة المستقبلية المعتمدة على الوقت» هم أفضل في تنظيم سلوكهم المرتبط بالوقت، كما كتبت في منشور لها في مجلة «علم النفس اليوم» (Psychology Today) عن أهمية قدرة الشخص على قياس الوقت الذي قد يستغرقه القيام بشيءٍ ما.

ماذا لو كان الأمر متعلقًا بشخصيتك لا أكثر؟

تُعَقِب الأستاذة سوزان موضحةً أن علماء النفس التابعين لمدرسة فرويد يعتقدون أنَ التأخير المفرط يتلخص في الناس الذين يميلون إلى التدمير الذاتي «self-destructive tendencies»، مما يتركهم عالقين في دوامة من التأخير والمعاقبة كنتيجة لذلك.

أما الكاتب كون فإنه يُرجِع ذلك ببساطة إلى نقصٍ في الانضباط الذاتي للبعض، إذ يجد البعض صعوبة في سحب أنفسهم بعيدًا عن نشاط يستمتعون بأدائه، أو مهمة ما يجب عليهم تأديتها.

وفي اقتراح آخر، فإن فكرة الحضور المبكر قد تكون فكرة غير محببة لبعض الناس، ربما لأن البعض لا يشعر بالارتياح أو يشعر بالإحراج أثناء انتظار الطرف الأخر، أو أنهم يرون أن التسكع قبل وصول الشخص الذي ينتظرونه هو أمر غير فعال وغير مقبول.

لا يجب أن ننسى أيضًا أن الأمر يتعلق بالناحية الاجتماعية أحيانًا.

فعلى سبيل المثال، لا أحد يأتي في تمام الساعة السابعة مساءًا بالضبط لحضور حفلة عشاء ستبدأ في الساعة السابعة مساءًا!

هل للتفاؤل دور في ذلك ؟

هناك أيضًا طريقة أخرى للنظر في أمر تأخر البعض باستمرار، إذ قد يكون التفائل سببًا في ذلك.

تقترح صحيفة نيويورك تايمز «New York Times» في مقال لها أن مسبب التأخير المستمر لدى بعض الأشخاص هو التفائل.

على سبيل المثال، إعتقاد البعض أن الوصول إلى العمل – الذي عادةً ما يستغرق مدة 25 دقيقة – سيستغرق مدة 10 دقائق فقط إذا كانت جميع الظروف في صالح الشخص (مثال: لا يوجد ازدحام، لن تتعطل المركبة، الجو صافٍ وجيد، .. إلى آخره).

يدعو الكاتب الشهير تيم أوربان – Tim Urban هذا السلوك بـ «الجنون»، وهو مصيب في ذلك.

نختم القول بأنه بغض النظر عن السبب الذي قد يدفع البعض إلى التأخر بشكل دائم عن مواعيدهم، فإنهم يستطيعون إيقاف هذه العادة – إذا أرادو – عن طريق معرفة المسبب ووضع الحلول المناسبة له .


  • ترجمة: سيرين خضر
  • تدقيق: وائل مكرم
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر