أتذكرون موجات الراديو التي رصدت مؤخرًا؟ إنها قادمة من الفضاء!


اليوم، و بعد ما يقارب عقد من الزمن، يحاول العلماء فك شيفرة بعض الإشارات الراديوية السريعة الأكثر غموضاً في الكون، والتي تستمر فقط لأجزاء من الثانية، وتضيء أكثر بمليار مرة من أي شيء رصدناه في مجرة درب التبانة، مسافرة من مسافات بعيدة و شاسعة جداً، وعلى الرغم من اكتشاف أكثر من 20 من هذه الموجات، ما يزال العلماء غير متأكدين من المصدر أو المسبب، ولكنهم أقرب بخطوة لاستبعاد أي مصدر على الأرض.

و هنالك العديد من الفرضيات التي يجب علينا استبعادها قبل أن نحدد مصدر هذه الموجات، و ربما الفرضية الأكثر غرابة هي تلك التي طرحها علماء جامعة هارفارد الشهر الماضي، والتي تقول بأن مصدر هذه الإشارات هي كائنات فضائية ذكية.

و حقيقة أننا نعرف الآن أن المصدر يختبئ أو يكمن في الفضاء السحيق هي مشكلة كبيرة، ولكن دعونا لا ننسى أنه في عام 1997 اعتقد بعض العلماء أنهم رصدوا نوعاً جديداً من الموجات، ليكتشفوا بعد 17 عاماً أنها كانت من فرن المايكرويف في منشأة أبحاثهم.

والسبب في صعوبة تحديد مصدر هذه الإشارات هو أنه دائماً ما يتم رصدهم عن طريق تلسكوبات لاسلكية ذات طبق واحد، والتي يمكنها رصد الكثير من الإشارات، ولكن من دون دقة في تحديد اتجاهها.

وقال أحد الباحثين في الدراسة الأخيرة (كريس فلين- Chris Flynn ) من جامعة (سوينبرن- Swinburne University of Technology in Australia.) للتكنولوجيا في أستراليا : تواجه التلسكوبات ذات الطبق الواحد صعوبة في تحديد ما إذا كانت الإشارات تأتي من خارج الغلاف الجوي للأرض.

وللتغلب على هذه المشكلة واستبعاد التداخل الأرضي كمصدر للموجات الراديوية مرة واحدة وإلى الأبد، استخدم الباحثون تلسكوب (مولونغلو- Molonglo) في إقليم العاصمة الأسترالية، الذي تبلغ مساحته حوالي 18000متر مربع 000194 قدم مربع.

ويعتبر مجال الرصد الضخم هذا مثالياً لالتقاط الإشارات، ولكن سابقاً في عام 2013، أدرك الفريق أيضاً أنه بسبب بنيته الضخمة، فإنه ليس بإمكانه كشف أي إشارات تأتي من داخل أجواء الأرض، لذلك قام الفريق بالبحث في بيانات التلسكوب مولونغلو لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم العثور على أي آثار للموجات الراديوية،

حيث أن التلسكوب ينتج أكثر من 1000 تيرابايت من البيانات كل يوم، وهذا أمر ليس من السهل تحقيقه، والفكرة كانت ببساطة: اذا التقط التلسكوب أية اشارة، فهي حتماً قادمة من الفضاء.

وفي نهاية المطاف، اكتشفت ثلاثة إشارات جديدة في بيانات التلسكوب، والتي تطابقت تماماً مع الإشارات التي تم التقاطها سابقاً، مما يشير إلى أنها لا يمكن أن تكون من قادمة من أي مكان على الأرض.

وكانت الاستنتاجات تدعم النتائج في وقت سابق من هذا العام، حيث تمكن الباحثون من تحديد مصدر هذه الإشارات على أنها مجرة قزمة تبعد حوالي 3 مليارات سنة ضوئية عن الأرض.

ولكن في الوقت الراهن، مصادر هذه الإشارات الثلاثة المكتشفة حديثاً تبقى غامضة نسبياً، باستثناء حقيقة أنها ليست من هذا العالم، حيث تشير البيانات إلى أنها قادمة من اتجاه المجموعات النجمية (بوبيس و هيدرا).

ويجري حالياً تحديث تلسكوب (مولونغلو) أملاً في قدرته على تقديم المزيد من الإيضاحات حول الإشارات في المستقبل، كأن يحدد الأصول المجرية بدقة أكبر.

يقول الباحث الرئيسي (مانيشا كالب- Manisha Caleb ): «إن معرفة المكان الذي تأتي منه الموجات هو المفتاح لفهم ما يسببها، فقد تم ربط موجة واحدة فقط بمجرة معينة، و نأمل أن يكون مولونغلو قادر على فعل ذلك للموجات الأخرى».

وقد تم قبول البحث للنشر في الطبعة القادمة من النشرات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية، و يمكن قراءته مجاناً على arxiv.org.


ترجمة : أسامة ونوس
تدقيق: أسمى شعبان

المصدر