هل الإصابة بالسرطان هو سوء حظ؟


يعتبر مرض السرطان بكل أنواعه من الأمراض الأكثر خطورة في عصرنا الحالي, وهو ناتج من الانقسامات الغير مسيطرعليها للخلايا وبالإضافة إلى ذلك تمتلك الخلايا السرطانية صفات أخرى تجعلها أكثر عرضة للانتشار في الجسم وأثناء انتقالها إلى أعضاء أخرى يتعامل الجهاز المناعي معها على أنها أجسام غريبة غير أنها تمتلك صفات تمكنها من الهروب من الإباده.

كل خلية سرطانية عند وصولها واستقرارها في نسيج معين تنشيء ورما جديدا ومستقلا.

لذلك عكف العلماء والباحثون على دراسة الأسباب وبيولوجية المرض.

ففي تقرير نشر في جريدة الديلي ميل صرح باحثون أن معظم الأورام السرطانية تنشأ نتيجة للأخطاء العشوائية في الشفرة الجينية أثناء عملية انقسام الخلايا.

الطفرة في الخلايا ممكن أن تنشأ من عدة عوامل مختلفة

ماورد أعلاه هو خلاصة مبسطة جدا لنتائج البحث الذي تضمن دور الطفرات العشوائية التي لعبت دورا في تكوين الورم السرطاني.

من الجدير ذكره أن السرطان ينشأ نتيجة لاشتراك عاملين هما العاملان البيئي والوراثي وهذان العاملان يشتركان في تكوين عدد من الأورام السرطانية باختلاف أنواعها كسرطان المثانة أو القولون أو البروستات.

هذه الدراسة ركزت على دراسة العامل الثالث وهي الطفرات العشوائية التي تحدث أثناء انقسام الخلايا المتكرر.

حلل الباحثون بيانات الأشخاص المصابين بالسرطان من بين 69 دولة حول العالم ليتمكنوا من تخمين نسب السرطان الحاصل بسبب الطفرات العشوائية.

كانت نتائج حوالي ثلث الحالات حول العالم ناشئة بسبب الطفرات العشوائية.

بيانات 32 نوع من السرطان في منظمة البحوث السرطانية البريطانية (Cancer Research UK), أشارت إلى أن النسبة ارتفعت إلى الثلثين لأسباب غير واضحة حاليا.

ولكن هناك اثنين من محددات أو معوقات البحث, واللذان ذكرهما الباحثون.

المحدد الأول,وهي أن هذه الأرقام هي تخمينية وربما تكون غير دقيقة.

وثانيا من الخطأ أن نعزي سبب السرطان إلى سبب واحد فقط. تشترك العوامل الثلاثة وهي البيئية والوراثية والطفرات العشوائية ( والتي يعتقد أنها تكون نتيجة الصدفة أوسوء حظ) لتؤدي أخيرا إلى الإصابة بنوع معين من السرطان.

من الجدير بالذكر أن هناك إجراءات وقائية يمكن اتباعها في أسلوب حياتنا اليومية قد تقينا أو تقلل احتمالية إصابتنا بالسرطان وهي تناول الأطعمة الصحية, الابتعاد عن التدخين, ممارسة التمارين بشكل منتظم, الحفاظ على الوزن ضمن المعدل الطبيعي, التحكم بكمية الكحول التي يتناولها الفرد لمستوى متوسط, التعرض المعقول لأشعة الشمس لاحتوائها على الأشعة الفوق البنفسجية المسرطنة.

من أين جاءت فكرة هذا البحث؟

الدراسة نُفذت من قبل ثلاثة باحثين من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز, كلية جونز هوبكنز بلومبرج للصحة العامة ومركز الأورام السرطانية جونز هوبكنز كيمل في الولايات المتحدة الامريكية.

تم تمويل مشروع البحث من قبل مؤسسة جون تمبلتون,فرجينيا و د.ك.ليدويك لتمويل أبحاث السرطان, ومركز سول كولدنمان لأبحاث سرطان البنكرياس.

قائد المشروع أو الدراسة عَمل ومازال يعمل مع شركات تجارية مهتمة بدراسة علاقة السرطان بالوراثة.

الدراسة نُشرت في المجلة العلمية peer-reviewed وهذه المجلة مفتوحة مجانا للقراء يمكن الاطلاع على البحث الاصلي من خلال الرابط أدناه:

science magazine

كلا الجريدتين the mail online وthe sun فشلت في توضيح نتائج الدراسة والتي توصلت إلى أنه لايوجد عامل أحادي لنشوء السرطان.

يشترك كل من التاريخ العائلي بالإصابة والعوامل البيئية بالإضافة للطفرات العشوائية التي عبرعنها أنها تحدث من سوء حظ المريض أثناء تكرار الانقسام للخلايا الجذعية كل هذه العوامل تساهم في ارتفاع إحتمالية الإصابة بالسرطان.

ضمن أي نوع من الأبحاث صُنفت هذه الدراسة؟

هذه الدراسة تضمنت تحليل للبيانات المسجلة عن حالات السرطان هدفها أن نفحص العلاقة بين عدد انقسامات الخلايا الجذعية ( في المرحلة المبكرة والتي تتطور فيما بعد إلى أنواع مختلفة من الخلايا) ومعدلات السرطان عالمياَ.

مفهوم أن السرطان هو ناتج عن عدد من الطفرات التي تتطور تدريجيا خلال حياة الانسان, وبالتالي تنتج عدد من الخلايا الغير طبيعية.

لكن سبب تطور هذه الطفرات غير معروف.

يعتقد أن قسما من الأورام تنشأ لأسباب وراثية أو لعوامل بيئية, لكن الباحثين اكتشفواعامل ثالث يشارك في نشوء الأورام الوراثية وهي الأخطاء العشوائية خلال التضاعف الطبيعي لل(DNA).

بسبب انقسام الخلايا, من المحتمل أن تحدث أخطاء عند تسلسل الجينات والتي تستنسخ داخل الخلايا, المقصود بتسلسل الجينات أن ال DNAيتكون من سلسلة من القواعد النايتروجينية وهي البيورينات (الكوانين والأدنين) والبايرميدنات (السايتوسين والثايمين).

وكل ثلاثة قواعد متتالية تشكل شفرة جينية التي تترجم إلى حامض أميني معين وعند حصول خلل في القواعد النايتروجينية للDNAسوف يؤدي إلى حدوث طفرة قد تؤثر على تسلسل البروتين المشفرالداخل في وظيفة الخلية.

دراسات سابقة اقترحت أن التغيرات بالأخطاء تؤدي إلى تكرارانقسام الخلايا الجذعية.

اعتبر الاباحثون, على العكس السرطانات التي تحدث لأسباب وراثية او بيئة, الأورام الناشئة عن أخطاء في انقسام الخلايا الجذعية يمكن أن ينتشر عبر الجماعات السكانية.

مالذي شمله البحث؟

حلل الباحثون بيانات 423 حالة سرطان في 69 دولة مسجلة في الوكالة العالمية لبحوث السرطان (IARC).

وقيل أن هذه الدراسة تغطي حوالي ثلثي سكان العالم, أو 4.8 بليون شخص.

درس الباحثون حوالي 17 نوع من السرطان والتي سجلت بيانات الخلاياه الجذعيه في الوكالة العالمية لبحوث السرطان IARC.
لقد حلل البحثون العلاقة بين عدد انقسامات الخلايا الجذعية في نسيج معين وخطورة إصابة العضو بالسرطان.

وخمن الباحثون أي جزء من السرطانات يعود إلى العوامل الوراثية, البيئية و الطفرات العشوائية.

ماهي نتائج الدراسة؟

في كل بيانات الدول المختلقة التي شُملت في الدراسةِ, وجدت علاقة مهمة بين عدد انقسامات الخلايا الجذعية في النسيج ومعدلات السرطان.

متوسط العلاقة شخصت من الولادة الى عمر 85 فما فوق كان 0.80 (95%مجال الثقة يتراوح من 0.67 الى 0.84), ويعرف مجال الثقة أنه مجال يحتوي على قيمة أحصائية يراد معرفتها لمجتمع إحصائي معين.

وهذه القيمة من الدراسة أشارت إلى وجود علاقة قوية بين العمر وعدد انقسامات الخلايا الجذعية في النسيج.

وبشكل عام هذه العلاقة ثابتة أو منسجمة في الدول التي شملتها الدراسة, بالرغم من ارتفاعها في أوربا وشمال أمريكا وبلدان المحيط مثل أستراليا ونيوزلندا ( العلاقة 0.81 الى 0.83) في حين آسيا وإفريقيا وبلدان امريكا اللاتينية ( 0.72 الى 0.73).

خمن الباحثون التاثير البيئي يمكن أن يختزل نظريا للصفر, حوالي 35% (95%مجال الثقة: 30-40%) من الطفرات تعود للطفرات العشوائية.

ثم درس الباحثون حوالي 32 نوع من السرطان سُجلت في بيانات CRUK وخمن الباحثون أن 29% من الطفرات المسببة للسرطان تعود للعوامل البيئية التي يتعرض لها الإنسان, في حين 5% عوامل وراثية و66% تعود للطفرات العشوائية.

ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسب تتغير حسب أنواع السرطانات.

الجدير بالذكر أن CRUK أشارت إلى إمكانية تجنب والوقاية من أمراض السرطان بحوالي 42%.

كيف فسر الباحثون نتائج هذه الدراسة؟

يعتقد الباحثون أن نتائج هذه الدراسة تتفق مع الدراسات السابقة التي أشارات إلى نسبة من السرطان تعود لعوامل بيئية.

حيث يؤكد العلماء على أهمية الاكتشاف المبكر والتدخل لتقليل خطر الموت بالسرطان لعدة أنواع منه والتي تنشأ بسبب الطفرات العشوائية التي لايمكننا تجنبها.

الاستنتاجات

إن تحليل البيانات العالمية للأشخاص المصابين والتي تضمنتها هذه الدراسة اقترحت وجود عامل ثالث يزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان إضافة للعوامل البيئية والوراثية الاوهو الطفرات الجينية التي تحدث عشوائيا أثناء انقسام الخلايا.

احتمالية حدوث طفرات عشوائية أثناء الانقسام المتكرر للخلايا هو أمر واضح ومقبول ولايعتبر نظرية ثورية، أي يقصد بها نظرية غيرت حقائق علمية ثابتة.

على الرغم من هذا حاول الباحثون أن يحسبوا نسبة مضبوطة إلى احتمالية الإصابة بالسرطان والذي نتج عن الطفرات العشوائية.

يعتبرهذا أكبر معوق أو محدد للدراسة لأن الحسابات كانت تخمينية فقط كما ذكر سابقا.

وهذا ماأشار إليه الباحثون بقولهم (المشاركة الحقيقية لعامل الطفرات العشوائية في إحتمالية الإصابة بالسرطان لايمكن تخمينها بشكل قطعي).

وخمن الباحثون أن الطفرات العشوائية يمكن أن تكون أعلى بقليل في ثلث حالات الاصابات حول العالم. ولم يتمكنوا منمعرفة لماذا في منظمة بحوث السرطان البريطانية (Cancer Research UK)قفزت النسبة الى الثلثين.

ولكن لانعرف إذا كانت هذه الصور دقيقة, وليس من الضروري أن نطبقها على أي نوع من السرطانات.

ومع ظهور عامل الطفرات العشوائية لايمكن أن نهمل أهمية العوامل الاخرى (أي الوراثية والبيئية) في تطور السرطان.

على الرغم من بيانات منظمة بحوث السرطان البريطانية (Cancer Research UK) أشارت إلى أن الثلثين من 23 سرطان يمكن تعزى إلى الطفرات العشوائية إلا أنها ظلت تخمن 42% من هذه الحالات ممكن الوقاية منها.

أشار مؤلف البحث إلى ( الوقاية الاولية هي أفضل طريقة لتقليل الموت بالسرطان.

إدراكنا الى دور الطفرات العشوائية لم يقلل من أهمية الوقاية الاولية والتي تتضمن اتباع سلوك حياة صحي).

يجب التاكد من تناول أطعمة صحية, وترك التدخين, إضافة لممارسة التمارين بشكل منتظم, والحفاظ على الوزن الطبيعي, السيطرة على تناول الكحول لمستويات متوسطة وتجنب التعرض المفرط للأشعة الفوق البنفسجية في ضوء الشمس قدر الإمكان.

مع هذه الأساليب الوقائية على الرغم من عدم قدرتنا على تجنب خطورة الإصابة بالسرطان نهائيا لكننا نوفر فرصة جيدة لأجسامنا لنقودها إلى المسار الصحيح.


الترجمة: ايات اللعيبي.
التدقيق: أسامة القزقي.
المصدر