الجميع سمع عن فيروس نقص المناعة المكتسب (HIV) أو الأيدز.

وفقاً لدراسات منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة المعني بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، فعدد المصابين بهذا الفيروس حول العالم يقدر بـ 34 مليون شخصاً حسب تقرير عام 2010.

وعلى الصعيد العالمي، فحوالي 6000 شخص يموتون يومياً عن طريق أمراض مرتبطة بفيروس نقص المناعة المكتسبة.

وبرغم ذلك، فقد تم التعرف على الفيروس منذ عقود قليلة فقط.

فكيف حدث هذا كله؟ متى بدأ فيروس الأيدز الأنتشار في البشر، مثيراً واحداً من أكثر الأوبئة تدميراً على مر التاريخ؟

في هذا المقال سوف نناقش عدة أراء حول النظريات الرئيسية المقترحة عن نشئة هذا الفيروس، لتوفير نظرة ثاقبة حول هذا الموضوع المعقد والشيق أيضاً.

ما هو فيروس نقص المناعة البشرية؟

فيروس نقص المناعة البشرية، أو (HIV)، هو العامل المسبب لمرض الإيدز (متلازمة نقص المناعة المكتسب).

هنالك نوعان من الفيروس؛ الأول هو (HIV-1) والثاني (HIV-2).

النوع الأول من الفيروس هو المهيمن على معظم حالات العدوي بالعالم، بينما ينتشر النوع الثاني في بلدان غرب أفريقيا، والبلدان المرتبطة بها جغرافياً كفرنسا والبرتغال.

الـ (HIV-2) ينقسم إلى 8 مجاميع، من الـ A حتى حرف الـ H، المجموعة A هي الأكثر إنتشارًا على مستوى العالم.

فقط A و B هما من انتقلا بين البشر بنجاح، الباقي يتمثل في حالات منفصلة.

(HIV-1) ينقسم إلى 4 مجموعات: M, N, O, P.

المجموعة M المسؤولة عن معظم حالات العدوى حول العالم ينقسم بدوره إلى 9 أنواع مختلفة تهيمن في دول مختلفة.

فيروس (HIV) ونظرية المؤامرة

يتداول البعض عدة أفكار “غريبة” حول نشأة الفيروس المسبب للإيدز، فالبعض يعتقد أن الحكومة كانت سبب في انتشاره والبعض الآخر يعتقد أنه انتشر بين البشر نتيجة تزاوج الإنسان مع القرود.
في الحقيقة، يوجد الكثير من نظريات المؤامرة حول فيروس الأيدز، فالبعض لا يعتقد بالأصل بأن الفيروس يسبب مرض الأيدز، وهناك من يعتقد أنه من صنع الإنسان، ولكن في الحقيقة؛ لا توجد أي أدلة تؤيد أيًا من هذا.

وفقاً لدراسة أجريت في عام 2005، استهدفت أمريكيين من أصل أفريقي، تقريباً 50% منهم يعتقد أن الفيروس مصنع معملياً بواسطة العلماء، و 25% يعتقد أن هذا قد تم تمويله بواسطة الحكومة، ونسبة لا بأس بها تعتقد أن الفيروس هو محاولة من الحكومة للحدد من زيادة أعداد المواطنين السود أو المثليين.

لا توجد أي أدلة على الإطلاق تدعم هذه الإدعاءات.

جدير بالذكر أن من ضمن الوثائق المبكرة التي تكلمت عن فيروس (HIV) قد صدرت في أواخر الـ 1950ات، إنه لأمر ساذج الاعتقاد بأن العلماء آنذاك قد امتلكوا تكنولوجيا لتصنيع فيروسات.

لقد تمكنّا فقط من معرفة تركيب الحمض النووي للخلايا الحيوية في عام 1953.

ومؤخراً فقط تمكنا من تخليق جينوم بكتيريا معملياً، فما بالك بتصنيع فيروس.

تتبع أصل فيروس (HIV)

يوجد كمّ هائل من الأدلة التي تقول أن فيروس (HIV) نشأ نتيجة انتقال ما-بين-الأنواع لفيروسات قريبة من بعضها البعض موجودة طبيعيا العديد من الرئيسييات المضيفة في أفريقيا.

بالنظر لجينوم هذه الفيروسات، والتي تعرف معا بمرض نقص المناعة القردية SIV، ومقارنتهم بالأنواع المختلفة للـ HIV نجد أن الفيروس المسبب للـ (SIV) هو الأقرب للفيروس المسبب للإيدز، وعلاوة على ذلك؛ هناك تماثل في التوزيع الجوغرافي بين كلٍ من فيروس (SIV) في مختلف الكائنات المضيفة وبين فيروس (HIV).

(HIV-1) و (HIV-2) لهما أصلين مختلفين إذْ أنهما نشآ من أحداث إنتقال مستقلة.

لقد وُجدت أنواع الـ (SIV) القريبة من بعضها البعض في قرود بغرب أفريقيا تُدعى “منجبي أسخم” في منطقة هي الوحيدة التي يستطوطنها الـ HIV-2.

بهذا استنتج العلماء أن فيروس HIV-2 أصوله من قردة منجبي أسخم المصابة.

أما قصة (HIV-1) فهو معقدة أكثر، ولكن كل مجموعة مختلفة (M, N, O, P) نشأت من حدث انتقال واحد.

الـ M والـ N يرجع للشيمبانزيهات المصابة بالـ SIV، ولكن أقرب الأنواع للـ O والـ P فترجع للغوريلا.

متى بدأ أنتشار فيروس الأيدز في العامة؟

بالنظر للتسلسل الجينومي لمختلف أنواع فيروسات الأيدز، استطاع العلماء معايرة ساعة جزيئية اعتماداً على معدل تغير التسلسل الجيني أو الطفرات.

استطاع العلماء باستخدام هذه الأداة استنتاج معدل التطور وبالتالي تحديد وقت تواجد الأسلاف الأكثر شيوعاً للفيروس.

باستخدام هذه التقنية، استطاع الباحثون تقدير أن النوع M للفيروس (HIV-1) نشأ عام 1908 والمجموعة O عام 1920.

والأنواع A وB للفيروس (HIV-2) ظهرا تقريباً بين عامي 1940 و1945، بالترتيب.

نحن نعرف الآن متي ظهر، ولكن كيف ظهر؟

توجد عدة نظريات حول كيفية انتشار الفيروس بين الناس.

فكرة أن الأنسان تزاوج مع القردة العليا ومن هنا انتقلت الإصابة له هي قصة منتشرة بين بعض الناس، ولكنها لم تؤخذ على محمل الجد من المختصين.

التفسير الأبسط للمسألة هو أن الإصابة حدثت عن طريق إتصال مباشر بين عينات دم أو سوائل مصابة من هذه الرئيسيات ومن ثم تكيفت مع المضيف الجديد، وهذه التفسير مقبول إلي حد كبير.
فقردة منجبي أسخم تُربي كحيونات أليفة أو تُستخدم كمصدر للحوم عند بعض قبائل غرب أفريقيا.

نظرية أخري عن سبب العدوي وهي إصابة الإنسان عن طريق لقاحات شلل الأطفال الملوثة بالفيروس، حيث يتطلب اللقاح أنسجة حية ليتم إنتاجه.

الفكرة تقول إنه تم حقن بعض قرود الشامبنزي المصابة بالفيروس وعند أستخرج اللقاح أصبح ملوث بالفيروس.

ولكن هذه الفكرة رُفضت، حيث أن التسلسل التطوري للفيروس لم يأتي من قردة الشمبانزي وحدها, إلي جانب أن الفم البشري يُعتبر حاجز قوي أمام الأصابة بالفيروس.