كيف تشكّل كوكب الزهرة؟


تحيط الكواكب بالنجوم في المجرَّة، لكن يبقى موضوع كيفية تشكُّلها محل نقاش. رغم وفرة العوالم في مجموعتنا الشمسيَّة، إلا أن العلماء لا يعلمون كيفية تشكل الكواكب يقينًا. حاليًّا، نجد نظريتين رئيسيتين تحاولان تفسير ذلك.

النظرية الأولى والأكثر قبولًا هي نظرية «تنامي النواة» – Core Accretion، وتعمل هذه النظرية بشكلٍ جيد لتفسير تكوُّن الكواكب الصخرية مثل الزهرة، لكنها تواجه بعض المشاكل مع الكواكب العملاقة. أمَّا النظرية الثانية فهي عملية «عدم استقرار القرص» – Disk Instability Method، وبإمكانها تفسير تكُّون الكواكب الغازية العملاقة بشكلٍ أفضل.

ويدأب العلماء على دراسة الكواكب خارج و داخل المجموعة الشمسيَّة، في مجهود يطمح إلى فهم أفضل لمدى دقة هاتين النظريتين.

نموذج تنامي النواة:

قبل حوالي 4.6 مليار سنة، كان النظام الشمسي عبارة عن سحابة من الغبار والغاز تُعرف بالسديم الشمسي – solar nebula. ثم تسببت الجاذبية في انهيار المادة على نفسها مع بدء دورانها، مُشكّلةً الشمس في مركز السديم.

مع ظهور الشمس، بدأت المواد المتبقيَّة بالتجمع. حيث التصقت الجسيمات الصغيرة ببعضها مكونةً جسيمات أكبر، بفعل قوة الجاذبية. طردت الرياح الشمسية العناصر الأخف بعيدًا، مثل الهيدروجين و الهيليوم، تاركةً المواد الثقيلة و الصخريَّة فحسب، لتشكل فيما بعد العوالم الصخرية الأصغر مثل كوكب الزهرة. لكن في مناطق أبعد، كان للرياح الشمسية تأثير أقل على الجسيمات الأخف، مما سمح لها بالاندماج وتكوين الكواكب الغازية العملاقة. وبنفس هذه الطريقة تتكون المذنبات والكويكبات والكواكب والأقمار.

 

 

مثل الأرض، تشكَّلت النواة الصخرية للزهرة أولًا، ثم تجمعت المواد الأخف حولها لتكون القشرة والوشاح. مثل الكواكب الأخرى، على الأرجح قامت الزهرة بتجميع أكثر القطع السديميَّة لتكوين غلافها الجوي. في بداية حياة الزهرة، من الممكن أنه قد كان لها غلاف جوي شبيه بغلاف الأرض حاليًا. وقد أظهرت الدراسات أنَّه إن كانت المياه قد تبخرت على كوكب الزهرة اليافع قبل مليارات السنوات، فإن ذلك قد أدي إلي زيادة تأثير الصوبة الزجاجية – greenhouse effect، مما سمح بحدوث ظاهرة احتباس حراري مستمرة رفعت من درجة حرارة الكوكب بنسبة كبيرة. اليوم، ونظرًا لوجود زيادة كمية في ثاني أكسيد الكربون وآثار للنيتروجين في غلافها الجوي، فإن حرارة سطح الزهرة كافية لإذابة الرصاص.

يبدو أن عمليات ملاحظة الكواكب خارج المجموعة الشمسيَّة تؤيد سيطرة نموذج تنامي النواة على عملية التكوين. فالنجوم التي تحتوي على «معادن» أكثر (مصطلح يستعمله العلماء للإشارة إلى العناصر غير الهيدروجين والهيليوم) في نواتها، لها كواكب عملاقة أكثر مقارنة بالنجوم الأخرى الفقيرة للمعادن.

وحسب ناسا، يقترح تنامي النواة أنَّ العوالم الصخرية الصغيرة أكثر شيوعًا من عمالقة الغاز.

اكتشاف كوكب عملاق بنواة ضخمة سنة 2005 يدور حول النجم «HD 149026» الشبيه بالشمس، هو أحد الأمثلة من خارج المجموعة الشمسيَّة، والتي ساعدت في دعم فكرة تنامي النواة.

 

 

في هذا الشأن يقول «جريج هنري» – (Greg Henry) عالم الفلك من جامعة تينيسي: «هذا تأكيد لنظرية تنامي النواة في تشكل الكواكب ودليلٌ على إمكانية وجود هذا النوع من الكواكب بوفرة».

في 2017، تنوي الوكالة الأوروبية للفضاء إطلاق القمر الصناعي الخاص بالكواكب خارج المجموعة الشمسية (CHEOPS)، وهو الذي سيقوم بدراسة الكواكب خارج المجموعة الشمسية من مختلف الأحجام، من الأراضي الفائقة (super-Earths) إلى نبتون. قد تساعد دراسة تلك العوالم البعيدة في تحديد كيفيَّة نشأة الكواكب في المجموعة الشمسية.

نموذج عدم استقرار القرص :

رغم تماشي نموذج تنامي النواة بشكل جيّد مع الكواكب الصخرية، إلا أنه يتطلب أن تكون عمالقة الغاز قد تطورت بشكل أسرع من أجل احتواء الكتلة الهائلة من الغازات الخفيفة التي تحتوي عليها. لكن المحاكاة لم تتمكن من الوصول إلى ذلك التشكل السريع. حسب النماذج، تتطلب العملية بضع ملايين من السنين، أطول من فترة تواجد الغازات الخفيفة في النظام الشمسي حديث النشأة. بالإضافة لذلك، تواجه نظرية تنامي النواة مشكلة النزوح، إذ تميل الكواكب الصغيرة إلى التداعي نحو الشمس في مسار حلزوني خلال فترة قصيرة.

وفقًا للنظرية الجديدة نسبيًّا، وهي عدم إستقرار القرص، تجمعت كتل الغبار و الغاز معًا باكرًا في حياة المجموعة الشمسية. مع مرور الزمن، تكثفت تلك الكتل بشكل بطيء لتكوين عمالقة الغاز. بإمكان هذه الكواكب أن تتكون بشكل أسرع من نظيراتها في نظرية تنامي النواة، أحيانًا في فترات يصل قِصرها إلى ألف سنة، مما يسمح لها بالاحتفاظ بالغازات الخفيفة سريعة التلاشي. كما أنها تصل بسرعة إلى الكتلة التي تسمح لها بالحصول على مدارات مستقرة، منقذةً إياها من النزوح نحو الشمس والانهيار.

 

 

ووفقًا لعالم الفلك المختص بالكواكب خارج المجموعة الشمسية «بول ويلسون» (Paul Wilson)، إذا ما كانت عملية عدم استقرار القرص هي العملية الأكثر شيوعًا في تشكل الكواكب، فإن عليها إنتاج عدد أوسع من العوالم على نطاقات كبيرة. عمالقة الغاز الأربعة الموجودة في مدارات بعيدة حول النجم «HD 9799» تمنح دليلًا قابلًا للملاحظة لنموذج عدم استقرار القرص. على سبيل المثال، فإن الكوكب «Fomalhaut b» بمساره ذي الألفي سنة حول نجمه، قد يكون مثالًا لكوكب تشكل بطريقة عدم استقرار القرص، إلا أنه من الممكن أيضًا أن يكون قد طرد بعيدًا جرَّاء تفاعلاته مع جيرانه.

تراكم الحصى:

أكبر تحد لنموذج تنامي النواة هو الزمن، أي بناء عمالقة الغاز بالسرعة الكافية للاحتفاظ بالمكونات الأخف لغلافها الجوي. أظهرت دراسة جديدة أنَّه من الممكن أن تندمج جسيمات بحجم الحصاة مع بعضها لبناء كواكب عملاقة أسرع بألف مرَّة مقارنة بالدراسات السابقة.

قال القائم على الدراسة «هارولد ليفيسون» (Harold Levison) : «هذا هو النموذج الأول الذي نعرفه الذي فيه تبدأ بشكلٍ بسيط للسديم الشمسي تتكون منه الكواكب، وصولًا إلى نظام الكواكب العملاقة الذي نراه».

 

 

في سنة 2012، تقدم الباحثان «ميشيل لامبرخت» (Michiel Lambrechts) و «آندرس جوهانسن» (Anders Johansen) من جماعة لَند في السويد، باقتراح أنَّ الحصى الصغيرة التي أُهملت عادةً، تحمل في الحقيقة سر التشكل السريع للكواكب العملاقة.

يقول «ليفيسون» حول ذلك: «لقد أظهرا أنَّ الحصى المتروكة من عملية التشكل، والتي كان يعتقد سابقًا أنَّها غير مهمة، باستطاعتها أن تكون حلًّا ضخمًا لإشكالية تكون الكواكب».

قام «ليفيسون» وفريقه بالتكملة على ذلك البحث من أجل نمذجة كيفية تشكيل الحصى الصغيرة للكواكب التي نراها اليوم في المجرة بشكلٍ أدق. في حين أظهرت المحاكاة السابقة أنَّ الجسميات كبيرة الحجم و المتوسطة قامت باستهلاك الحصى الصغيرة بمعدل ثابت نسبيًا، تقترح محاكاة ليفيسون قيام الأجسام الكبيرة بانتزاع الحصى من الأجسام متوسطة الحجم من أجل النمو بشكلٍ أكبر.

تقول «كاثرين كريتكي» (Katherine Kretke) المشاركة في البحث: «تقوم الأجسام الكبيرة الآن بتشتيت الأصغر منها أكثر مما تقوم هذه الأخيرة بتشتيت الكبيرة في المقابل، لذلك انتهى المطاف بالأجسام الصغيرة أن تتبعثر خارج قرص الحصى. كأن الشخص الأكبر يتسلط على الشخص الأصغر منه للحصول على كل الحصى لنفسه؛ وبالتالي تواصل تلك الجسيمات الأكبر النمو مكونةً أنوية الكواكب العملاقة».

يواصل العلماء حاليًّا دراسة الكواكب داخل المجموعة الشمسية، كما هو الحال مع التي هي خارج مجموعتنا، وسيستمر ذلك بمساعدتهم على فهم كيفية تشكل كوكب الزهرة وأشقائها بشكل أفضل.


إعداد : وليد سايس
تدقيق: أحمد اليماني

المصدر