ما هو علم الوراثة الدوائي؟


إن القول المأثور ” إذا كان الأمر يبدو جيدًا جدًا ليكون حقيقة، فهو على الأغلب كذلك ” ينطبق على كثير من الأشياء في الحياة.

كوني مدير قسم علم الوراثة الدوائي السريري في مستشفى الأطفال في بوسطن، فأنا أقضي وقتًا طويلًا في مناقشة ما لا يمكن لهذا العلم أن يخبرنا.

أنا متأكد من أنكم تتساءلون عن سبب استخدامي لهذا الأسلوب السلبي عوضًا عن الترويج لمعجزات الاختبارات الوراثية الدوائية، لأنه و بنهاية الأمر، هذا هو عملي .

حسنًا، و كما هي أشياء كثيرة، إنه أمر معقّد .

يمكن لعلم الوراثة الدوائي أن يوجه خياراتنا الدوائية :

علم الوراثة الدوائي هو دراسة قدرة التعبير الجيني على استقلاب أو هدم الأدوية.

إن مصطلح ” التعبير الجيني ” مهم، و ذلك لأننا نتحدث عن كمية تأثير جيناتك في استجابتك للأدوية. ومثل مخرج مسرحية أو فيلم، تقوم جيناتك بإعطاء التعليمات للأقسام الأخرى من جسمك.

واحدة من الأشياء التي تديرها جيناتك هي إنتاج الأنزيمات المطلوبة لهدم “استقلاب” الأدوية التي تتناولها. حيث أن هذه الأنزيمات تؤثر على فعالية الدواء عليك، وعلى إمكانية اختبارك لآثار جانبية سلبية.

إن مجموع جيناتك المميز يدعى النمط الوراثي، ويمكن لهذا النمط الوراثي أن يشير عما إذا كنت سوف تنتج أنزيمات أكثر أو أقل بكثير مقارنة ببقية الناس.

وهذه الأنزيمات تساعد على هدم الأدوية لمركبات يمكن طرحها بشكل أسهل من الجسم. و لكن، في بعض الحالات، يمكن لهذه المركبات أن تكون فعّالة، وبعضها ضارة قبل أن تُطرح. وهذا يفسر بشكل جزئي لماذا لا يعاني بعض الناس من آثار جانبية للأدوية، بينما آخرون يدخلون المستشفى مع آثار جانبية خطيرة من نفس الدواء عند نفس الجرعة.

يمكن للعديد من العوامل أن تؤثر على استقلاب الأدوية، مثل العمر، الجنس، الحمية الغذائية، إذا كنت مدخنًا أم لا، الحمل، المشاكل الطبية الأخرى، والأهم، الأدوية الأخرى التي تؤخذها ( وهذا يتضمن الأدوية دون وصفة طبية، والمركبات العشبية ). أنا استخدم غالبًا نموذج الفطيرة في شرح تأثير الجينات على استقلاب الأدوية. ففي بعض الحالات، تأخذ الجينات حجمًا كبيرًا جدًا من الفطيرة، حتى 90 % لبعض الأدوية، و في حالات أخرى، فإن جيناتك تأخذ قسمًا صغيرًا من الفطيرة والعوامل الأخرى تأخذ القسم الأكبر.

استعمال علم الوراثة الدوائي بشكل حكيم هو المفتاح للاستفادة منه:

إن المفتاح في تطبيق علم الوراثة الدوائي هو معرفة متى يجب إجراء الاختبارات وكيفية استخدام النتائج. حيث يوجد العديد من الحالات التي أصبح فيها الاختبار الوراثي قبل أخذ الدواء إجراءً قياسيًا للرعاية الصحيّة اليوم. وذلك عند وجود علاقة تداخلية واضحة بين الدواء والجينات، وبمعرفة النمط الوراثي قبل بدء العلاج يمكن تلافي الآثار الجانبية الخطيرة. و كمثال لهذه الأدوية، تلك المستخدمة في علاج داء الأمعاء الإلتهابي (Inflammatory Bowel Disease)

و التي إذا تم استقلابها بشكل بطيء، يمكن أن تؤدي لضعف مناعي شديد وأخماج مهددة للحياة. وفي الحالات الأخرى، فإن معرفة أن المريض لن يستجيب لعلاج ما يمكن أن يوفر وقتًا ثمينًا ويحفظ نوعية الحياة، مثل أدوية بعض التكيسات الليفية والأدوية السرطانية. وكما هو الحال دوما، فإن الهدف هو مماثلة الجرعة الصحيحة مع المريض الصحيح وذلك لتحقيق أكبر منفعة مع أقل الأضرار الجانبية.

إن علم الوراثة الدوائي يمكن أن يقدم المعلومات، ويساعد مقدمي الرعاية الصحية والمرضى على اتخاذ قرارات أكثر أمانًا عند اختيار الأدوية. ولكن، تشجيع الاختبارات الوراثية الدوائية مع تطبيقها على حالات مرضية واحدة فقط، أو ممارسة اختبارات مشكوك بها يمكن أن يسبب أضرارًا أكثر من النفع. إن معظم الجينات تؤثر على كيفية استقلاب الجسم للأدوية، و ليس فقط صنفًا واحدًا من الأدوية، حيث يمكن أن تؤثر في عدة أصناف أيضًا، وبدرجات مختلفة.

و بالتركيز على حالة واحدة فقط مثل ” اضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط “، وتجاهل تأثير النمط الوراثي المحتمل على أصناف أخرى من الأدوية، مثل أدوية أمراض القلب، يمكن أن يؤدي إلى أذية المريض. وبالإضافة فإن المبالغة في إظهار تأثير النمط الوراثي على قدرة المرضى في استقلاب الأدوية يمكن أيضًا أن يؤدي إلى قلق شديد.

حيث أن المرضى شعروا بالخوف من استعمال أي دواء، وحتى عندما عرفوا أن حالتهم لن تتحسن على الأرجح دون علاج. ولهذا، فنحن نستغرق وقتا طويلا في كل زيارة لمناقشة ما لا يمكن لعلم الوراثة الدوائي أن يخبرنا. وبعدها نتكلم عمّا إذا كان هنالك معنى لإجراء الاختبارات. و بالنسبة للمرضى الذين لديهم تاريخ طويل من الآثار الجانبية الخطيرة للعديد من الأدوية، أو فشل في الاستجابة للأدوية، يمكن للاختبارات أن تساعد على شرح الأسباب التي أدت لحصول ذلك في الماضي، اضافة لتوجيه القرارات المستقبلية.

و في واحدة من الحالات الفريدة، كانت المريضة ممتنة بشدة للنتائج التي فسرت سبب إصابتها بالأرق الموهن عند استخدامها للفلوكسيتين. وقالت لنا أن مقدمي الرعاية الصحية السابقين قالو لها أن الأسباب كانت ” كلها في عقلها ” بينما كانت الأسباب حقا هي عدم قدرتها على استقلاب الدواء في الجرعات النظامية.

و بالنسبة لآخرين، ساعدت نتائج التنبؤ على تجنب التفاعلات المهددة للحياة للأدوية المضادة للصرع، وعلى تصميم أسلوب مناسب أكثر من أجل التحكم بالنوبات الصرعية.

و في حين أن علم الوراثة الدوائي كان موجودا منذ مئات السنين، مازلنا في بداية الطريق وأمامنا الكثير في فهم المعلومات واستخدامها لتحسين الحياة عند المرضى.

كان هنالك انفجار معرفي في العشر سنوات السابقة ونحن مازلنا نتعلم أشياء جديدة كل يوم. إنه وقت مثير لدراسة علم الوراثة الدوائي.


المترجم : عماد دهان
تدقيق: جدل القاسم

المصدر