هل توصل العلماء لمواد قابلة للبرمجة؟
أظهرت دراسةٌ جديدةٌ أن موادًّا «خلوية» مصنوعة من لدائن ذكية يمكن برمجتها لأغراض محددة: من خوذةٍ لامتصاصِ صدماتِ كرة القدم، إلى الزّراعة الطبّية الحيوية.
يقول بابلو زافاتيري، وهو أستاذ مشارك في كلية ايلز للهندسة المدنية بجامعة بوردو: «نحن بصدد عرض فئة جديدة من المواد القابلة للبرمجة، والتي يمكن تعديل خصائصها الميكانيكية الفعالة بعد التصنيع وبدون أي معالجة إضافية»، ثم يضيف: «الفكرة تكمن في إمكانية إنتاج كتلة من المواد الأساسية، والتي لها العديد من الاستخدامات المحتملة لأنه يمكنك تغييرها لاحقا لتلائم تطبيقًا معيّنًا أو آخر.»
تعاونت جامعة بوردو مع شركة جنرال موتورز لتطوير المواد المصنعة من هندسة «خلايا وحيدة» للّدائن الذّكية التي يمكن تغييرها عن طريق التسخين أو عن طريق وسائل أخرى. ووردت تفاصيل الأبحاث في ورقتين علميتين في ديسمبر كانون الأول بالمجلة الدّولية للمواد الصلبة والهياكل International Journal of Solids and Structures.
في الدّراسة الجديدة، أظهر الباحثون أنه يمكن خلق مواد خلوية قابلة للبرمجة عن طريق إدخال عيوب مُتعمّدة في الخلايا الوحيدة. تمت دراسة نوعين من قرص العسل قابلة للبرمجة (وهو مجموعة خلايا مجوفة على هيئة منشور سداسي المقطع): الأول يحتوي على خلايا سداسيّة والثاني يتكون من خلايا في نمط نجمة خاتم سليمان.
في تصريح للدكتور الباحث ديفيد ريستريبو يقول: «في هذه الحالة تعتبر هاته العيوب شيئًا جيّدًا لأنها توفر لنا التغييرات المرغوبة في هيكل الخلية المادي»، ثم يضيف: «هذه التقنية غير بديهية تمامًا، لأن العادة هي محاولة تجنّب العيوب. إذا كان لديك سداسي أضلاع، فسترغب بأن تكون الخلايا سداسية. نريد أن ننظر إلى الأمر بطريقة أخرى. نقول؛ إذا شوّهت سداسيّ الأضلاع، فإن هذا سيسمح لك بضبط خصائص المواد، لذلك فإن هذه العيوب هي في الواقع أمرٌ جيّد.»
كُتِبت الورقة العلمية من طرف ريستريبو Restrepo، والباحث نيليش مانكام Nilesh D. Mankame، اعتمادًا على مواد ذكيّة ومجموعة هياكل في مركز جنرال موتورز العالمي للبحث العلمي، وزافاتيري.
يقول مانكام: «هناك أوجه تشابه بين القدرة على تعديل الخصائص الفعالة للمواد الخلوية من خلال التحكم في العيوب التي تُختارُ بعناية، لعملية الكشف عن المنشطات التي تقع في صلب أشباه الموصلات منخفضة التكلفة، والتي أُدخلت في الإلكترونيات وثورة الحوسبة في العقود الخمسة الماضية.»
يمكن استخدام هذا النهج لامتصاص الضوضاء بتقنية «المواد فوق الصوتية» (وهي مواد صُنعت لتحصل على خصائص لا توجد في المواد الطّبيعية) التي يمكن ضبطها بعد التصنيع لاستيعاب تردّدات محددة. وإلى غيرها من الابتكارات المحتملة على المدى الطويل، وتشمل سُطوح التّخفي التي لا تعكس موجات الرادار من أجل التّطبيقات العسكرية، والخوذات التي تمتص الطاقة والسائدة في كرة القدم، والمواد الرغوية لمقاعد السيارات التي يمكن تعديلها لأشخاص معينين بناء على وزنهم، والزراعة الطبية التي بالإمكان تعديلها لتتناسب وصلابة العظام والأنسجة الأخرى. ويضيف زافاتيري أن المواد قد تكون قابلة لإعادة البرمجة، ويعني هذا كذلك أنه يمكن تطويرها لتتناسب مع المتطلبات لمتغيرة.
يضيف زافاتيري: «بالطبع، جدوى هذه الأنواع من التطبيقات قد يتطلب إجراء بحوث إضافية، على سبيل المثال، نحن لم نصل إلى ذلك التقدم بعد، ولكن افترض أن لديك غرفة وتريد حمايتها من الضوضاء. قد تضع هذه المادة الخارقة في الجدران بحيث تمتص تردّدات معينة. ولكن بعد ذلك أردت تعديله لإلغاء ترددات أعلى، لذلك فقد تكون قادرًا على ضبطها كما تشاء. يبدو هذا مثل الخيال العلميّ، ولكن الأمر سيكون في متناول اليد.»
وتعتمد خصائص المواد على شكل الخلايا الوحيدة وماكياج وسماكة الجدران التي تفصل كل خلية. وأظهرت النتائج أن ضغط المواد بنسبة 5 في المئة يؤدي إلى زيادة 55 في المئة في الصلابة، وهذا يعني أن تكييفها لمجموعة واسعة من التطبيقات قد يصبح ممكنًا.
وأضاف ريستريبو: «هذا أمر مثير للإعجاب جدًا لأنه عادة يتوجب علينا صنع مواد جديدة مع ما لا يقل على ضِعف سماكة الجدران للحصول على مواد بصلابة زائدة بنحو 50 في المئة.»
تشير النتائج أيضًا إلى أن المواد تعمل بشكل جيّد إذا كانت تحتوي على عيوب تصنيع مشتركة، ممّا يشير إلى أن الأمر يمكن أن يكون عمليًّا للصناعة.
واستخدم الباحثون أيضًا المحاكاة لدراسة المواد، والتي تأخذ عناقيد عالية الطاقة (في الحوسبة يعرف نظام العناقيد على أنه وصل عدة معالجات وخوادم مع بعضها لإنجاز تحميل معقد من الشبكة) لنمذجة ما يصل الى 10000 خلية، وكل يسير في ثلاثة اتجاهات لمحاكاة الانحناء والتمدّد والضغط.
وأضاف زافاتيري: «المحاكاة قيّمة للغاية لأنها تعفينا من أداء عدة تجارب.. بدلا من القيام بثلاث آلاف تجربة، يمكننا أن نقوم بثلاث آلاف محاكاة، والتي هي أكثر فعالية من حيث التكلفة.»
ترجمة: أمين المهدي الصفحي
تدقيق: إسماعيل الحسناوي
المصدر الأول,المصدر الثاني,المصدر الثالث,المصدر الرابع