لماذا لا توجد أدوية منع حمل ذكرية؟


تحفل دراسات منع الإخصاب الذكريَّة بالإخفاقات، لكن هناك بضعة حلول واعدة تلوح بالأفق.

لعقود حظيت النساء بالكثير من الوسائل لمنع الحمل. نجد منها اليوم: الحبوب، اللواصق، الإسفنجة المانعة للحمل، الواقي الأنثوي، حقنة (ديبو-بروفيرا- Depo-Provera)، الحلقة المهبليَّة، أجهزة منع الحمل الرحميَّة واللوالب.

ويُعاني البحث والتطوير في مجال بحوث منع الإخصاب الذكري من البطء وتراكم الإخفاقات والمحاولات الغير كاملة. ويكشف الباحثون في المجال عن تحديين أساسيين يقفان أمام إيصال هكذا منتجات إلى الأسواق، الأول بيولوجي، ويكمن في صعوبة الحدِّ من إنتاج ملايين الحيوانات المنويَّة يوميًا عند الرجال، مقارنةً بمنع إنتاج بويضة واحدة كل شهر عند النساء. أمَّا الثاني فيتعلَّق بشُح التمويل المتوفر للتجارب السريريَّة الخاصة بهذه العقاقير.

وقد نُشِرت حديثًا في تشرين الأول/أكتوبر دراسة مدعومة من قِبل منظمة الصحة العالميَّة «WHO»، تُظهر نجاح حقنة هرمونيَّة ذكريَّة بمنع الحمل عند الشريكة. لكن أُوقِفت التجارب بناءً على توصيات فريق المراقبة الخارجيَّة بعدما لاحظ انتحار أحد المشاركين وآثارًا جانبيَّة خطيرة عند آخرين من ضمنها الاكتئاب.

ويرى (دوغلاس كلوفارد- Douglas Colvard)، أحد المشاركين في البحث ونائب مدير معهد البحوث العلميَّة الغير ربحية «Conrad»، أنَّ النتائج كانت غير مُشجعة، ويُضيف كلوفارد: «لن يصل العقار الهرموني– وهو مزيج من البروجيستوجين والتستسترون- لمرحلة الاختبارات السريريَّة بسبب عدم وجود أي تمويل لمنظمة الصحة العالميَّة والـ Conrad ليتمكنوا من اختبار أي تركيبة أخرى».

كما وتُعدُّ موانع الإخصاب الهرمونيَّة الذكريَّة، التي تهدف للحد من تشكُّل الحيوانات المنويَّة من أكثر أشكال عقاقير منع الإخصاب الذكريَّة التي دُرِست وتمَّ التحقق منها على مدى العقود الأربعة الماضية. وقد أظهرت إحدى الاختبارات على 1045 رجل صيني باستخدام حقنة هرمونيَّة مختلفة لمنع الإخصاب، قدرتها على إيقاف وإعادة إنتاج الحيوانات المنويَّة. لكن الشركة المُصنِّعة للدواء لم تُتابع القيام بأي اختبارات أو الحصول على الموافقات القانونيَّة اللازمة.

ويقول (آرون هاملن- Aaron Hamlin) المدير التنفيذي لمبادرة منع الإخصاب الذكري، وهي مجموعة تأييد في واشنطن العاصمة: «تُعزَّى المشاركة المحدودة لشركات الصناعات الدوائيَّة إلى خيبات الأمل السابقة نتيجة فشل منتجاتهم في هذا المجال، والتي ركَّزت على تجارب العقاقير الهرمونيَّة». فعلى سبيل المثال، تعاونت شركتا الصناعات الدوائيَّة «Schering» الألمانيَّة و«Organon» الهولنديَّة لتطوير حبوب منع الخصوبة الذكريَّة، لكن توقفوا عن محاولتهم بعد عدة سنوات فقط.

أمَّا (غوندا غيورغ- Gunda Georg)، الأستاذة ورئيسة قسم الكيمياء الطبيَّة في جامعة مينيسوتا، بأنَّها «ليست متفائلة مطلقًا» بأنَّ موانع الخصوبة الهرمونيَّة الذكريَّة ستجد طريقها للأسواق، وذلك نظرًا لكثرة المحاولات الفاشلة والآثار الجانبيَّة المُحتملة. وبدلًا عنها، يدرس مختبر غيورغ خيارًا غير هرموني، فهناك عقار قيد الاختبار يُدعى (غامندازول- gamendazole) يهدف لإعاقة تطور الحيوانات المنويَّة، حيث يُعاد امتصاص أجزاء الحيوانات المنويَّة الغير مُكتملة إلى داخل الخصية -وهو العضو المُنتج للحيوانات المنويَّة– فلا تصل أبدًا للسائل المنوي.

وقد أثبت التركيب فعاليته الكبيرة على الفئران وإمكانية عكس تأثيره. وتُخطِّط غيورغ للقيام بالمزيد من الدراسات على القرود أملًا بإيصال الدواء لمرحلة تجربته سريريًا على البشر.

وهناك طريقة منع إخصاب غير هرمونيَّة أخرى هي بعقار الـ (فازالجيل- Vasalgel)، المُطوَّر في مؤسسة «Parsemus»، والذي من المتوقع اختباره على البشر بحلول عام 2017، وهو عبارة عن هلام بوليميري يُحقن في القناة الدافقة- القناة التي تنقل الحيوانات المنويَّة إلى القضيب. ويُشابه فازاجيل الـ «RISUG» (عاكس مانع الحيوانات المنويَّة تحت المراقبة)، وهي طريقة تُدرَس في الهند في مرحلتها الثالثة من الاختبارات السريريَّة. كما ويُذكر أنَّ الدراسة تُعاني من الحصول على العدد الكافي من المشاركين.

وأشارت (إيلين ليسنر- Elaine Lissner) مؤسِسة ومديرة مؤسَسة «Parsemus»، إلى فعاليَّة فازاجيل بإيقاف إنتاج الحيوانات المنويَّة عند الأرانب والقردة والرباح (أو البابون، وهو قرد إفريقي) والكلاب. لكن الباحثين لم يستطيعوا عكس التأثير عند الحيوانات الأكبر لهذا تعتقد لينسر بالحاجة للقيام بالمزيد من الدراسات.

ويَجهد الباحثون لإيجاد حبوب غير هرمونيَّة أيضًا. حيث يدرس فريق في (كلية كينغز بلندن- Kings College London) الـ (فينوكسي بنزامن- phenoxybenzamine) والذي يُستخدم حاليًا كعقار لخفض ضغط الدم، كطريقة غير هرمونيَّة لمنع الإخصاب الذكري. ويُسمَّى أيضًا بـ «الحبوب ذات السجل النظيف»، حيث يتصف بكونه سريع التأثير ويُخطَّط لاستخدامه للوصول للنشوة الجنسيَّة بدون سائل منوي، لكن حتى الآن لم يُجرَّب إلَّا على الحيوانات.

ويختبر العلماء في إندونيسيا سريريًا، وعلى مئات الرجال، حبوبًا مُستخرجة من نبتة تُدعى (جينداروسا- gendarussa)، يُعتقد بقدرتها على إفساد الأنزيمات في رأس الحيوان المنوي مما يُضعِف قدرته على اختراق البويضة. وتخضع هذه الحبوب حاليًا للمرحلة الثالثة من الاختبارات السريريَّة، لكن المحققين في إدارة الغذاء والدواء الأمريكيَّة سيحتاجون لتكرار التجارب السريريَّة لمنحهم الموافقة عليها في أمريكا.

وقد اكتشف (جيمس برادنر- James Bradner)، من مدرسة الطب في هارفرد وعضو معهد دراسات السرطان، مُركَّبًا يُدعى «JQ1» يعمل كمانع لإنتاج الحيوانات المنويَّة وحركتها. فبعد حقن الفئران بهذا المُركَّب توقف إنتاج الحيوانات المنويَّة بشكل جذري، ومع توقف الحقن عاد تِعداد الحيوانات المنويَّة إلى وضعها الطبيعي. ويعتقد برادنر وفريقه بإمكانيَّة الوصول إلى نسخة من الحبوب تستطيع الوصول للنتائج المرجوة عند البشر، فالتمويل الكافي هو ما تحتاجه هذه العقاقير لتصل في نهاية المطاف لنفس النتائج.

وتقول ليسر أنَّه من السهل الحصول على منحة بقيمة 100000 دولار من المعهد الوطني للصحة لكن يختلف الوضع بالنسبة للحصول على ملايين الدولارات للقيام بالاختبارات السريريَّة في مرحلة لاحقة. وقد أنفق المعهد (المعهد الوطني للصحة) في هذا المجال 424 مليون دولار سنة 2015، لكن ذهب أغلبه لبحوث الخصوبة ومنع الحمل عند النساء.

وفي نفس الوقت، واجهت دراسة كلوفارد المنشورة في تشرين الأول/أكتوبر حول فشل حقن الهرمون الذكري انتقادات عنيفة نتيجة انهاء التجارب السريريَّة. ويختم بالقول: «تدل الإجابات على الحاجة لمزيد من التمويل لدعم الجهود في مجال منع الخصوبة الذكريَّة.


إعداد: اوراس الجاني
تدقيق: هبة فارس
المصدر