هذه الفئران تتفوق في تشكيل الفريق الأمثل لسباحة النطاف


عند البشر تسبح كلُّ نطفةٍ لوحدها و مَنْ تصل أولاً تقوم بتلقيح البويضة، لكنّ الأمر ليس كذلك عند العديد من الحيوانات، فنطاف بعض الحيوانات تتجمع و تشكّل حُزماً متعاونة تَسبقُ كل النطاف التي تتحرك بمفردها.

فمثلاً الفأر الغزالي و اسمه العلمي Peromyscus maniculatus، تكون رؤوس نطاف هذا القارض الشائع في شمال أميركا أشبهَ بمجاذيف مسطّحة بدلاً من الشكل البيضوي المعتاد لرأس النطفة و لها ما يشبه كلّاباتٍ صغيرة. هذه الرؤوس يمكن لها أن تلتصق ببعضها مشكلةً تَجمّعٌ من النطاف يصل عددها حتى 35 نطفة. اعتقد العلماء أنّ هذا الأمر يساعد النطاف على السباحة بشكل أفضل من السباحة بشكل مفرد , لكن هذا لا يصح دائماً، أحياناً تسبح مجموعة النطاف بشكل أسرع و أحياناً أخرى بالكاد تتحرك من مكانها.

Sperm

وجدت “Heidi Fisher” من جامعة هارفرد تفسيراً لذلك بالتعاون مع “Luca Giomi” و “L Mahadevan” فقد اخترعت أنمذوجٌ رياضي يحاكي سباحة النطفة , بيّنت هذه المحاكاة أن مجموعة النطاف لا تسبح بشكل أسرع بل تسبح بشكل أكثر استقامة لأن كل نطفة تلغي بسباحتها الحركة المذبذبة للنطفة المجاورة لها و عليه فالمجموعة تسبح باستقامة أكثر مما يجعل وصول مجموعة مرتبطة من النطاف إلى البويضة أسرع من نطفة تسبح بمفردها. لكن عندما يصبح عدد النطاف كبيراً في المجموعة يبدأ أفراد المجموعة بالسباحة بعكس بعضهم مما يبطئ المجموعة.

إن العدد المثالي لمجموعة النطاف وفقاً لنتائج المحاكاة هو سبع نطاف , فمجموعةٌ من سبع نطاف مرتبطة تسبح بشكلٍ أسرع من مجموعة تحوي عدداً أكثر أو أقل من سبعة نطاف.

عند معاينة نطاف الفئران تحت المجهر، وجدت Fisher أن النطاف تسلك سلوكاً كما تنبأ المحاكي : مجموعات النطاف المحتوية على سبع نطاف هي الأسرع في بلوغ الهدف، و عند مقارنة معدل النطاف في المجموعة عند نوعين من الفئران (فئران غزالية و فئران الشاطئ) تبيّن أن المحاكاة أصابت في تخمينها العدد المثالي للنطاف في المجموعة فالمعدل هو من 6 إلى 7 نطاف في المجموعة. ويتراوح عدد النطاف في المجموعة عن الفئران الغزالية بين 5-7 نطف في حين أن العدد عند فئران الشاطئ بين 4-9 نطف في المجموعة و هو اختلافٌ مهمٌ لاحظته الباحثة و يتعلق باختلاف طبيعة السلوك الجنسي لكل من النوعين على الرغم من قرابتهما.

فالفئران الشاطئية وحيدة التزاوج أي الأنثى تجامع ذكراً واحداً في كل موسم تكاثري في حين أن الفئران الغزالية عديدة التزاوج حيث تجامع الأنثى عدة ذكور و غالباً تحمل نطافاً عائدة لعدة ذكور معاً و هذه النطاف عليها التنافس لتظفر بتلقيح البويضة. وهذا الأمر يضع نطاف الفئران الغزالية تحت ضغطٍ تطوري لإنتاج نطاف أفضل و هذا ما يفسر قدرة نطاف الفئران الغزالية على التجمع في مجموعة بعددٍ مثالي بشكل أفضل. إن نطاف الفئران الغزالية أفضل في الارتباط بنطاف أخرى من نفس النوع و من نفس الذكر حتى , بينما نطاف فئران الشاطئ أقل دقةً فهي ترتبط بأي نطفة مجاورة لها.

الخطوة القادمة في الدراسة هي معرفة كيف تحافظ الفئران على العدد المثالي في مجموعة نطاف بحسب قائد البحث Hopi Hoekstra كما و عليهم إيجاد كيفية ارتباط النطاف مع بعضها لأنه و خلافاً للتوقعات لم تلعب الكلّابات أي دور في الارتباط. ضغوطٌ تطوريةٌ مشابهةٌ غيّرت من شكل و سلوك نطاف أنواع أخرى أيضاً، ففي نمل الصحراء Cataglyphis savignyi تتزاوح الأنثى مع العديد من الذكور , تتجمع النطاف (من 50-100 نطفة) مما يزيد من سرعة سباحة النطاف.

و في الخنافس الغطّاسة تتجمع النطاف (يتراوح العدد من مئة إلى ألف نطفة!) مشكلةً ما يشبه بالقطار و تسبح معاً في دهاليز الجهاز التكاثري عند الأنثى – و كلما كانت الدهاليز أكثر تعقيداً كانت النطاف أكثر تعاوناً. و تتشكل قطارات مشابهة من النطاف عند فأر الخشب عديد التزاوج.

في كل الحيوانات المذكورة سابقاً، ترتبط النطاف بعد القذف، لكن في الأبوسوم تتشكّل النطاف الثنائية ( نطفتين مرتبطتين) في جسد الذكر و تبدأ النطفتان بالسباحة و الحركة بتنسيقٍ متزامن بشكل يشبه حركة قدمي الضفدع عند السباحة.

و تعد نطاف الأبوسوم المثال الأفضل على تعاون النطاف لأنه بدون تعاونِ كلّ نطفتين معاً لن يتحقق التلقيح و بالتالي التكاثر عند هذا الحيوان لأن نطفة الابوسوم وحدها تتحرك في دوائر دون أي جدوى.


اعداد: روان خاشوق


المصدر