كل ما تريد معرفته عن مرض السكري


إليك عزيزي القارئ في هذا المقال بعض ما تعرفه وما قد لا تعرفه عن مرض السكري.

في الحالة الطبيعية عند إنسانٍ غير مصاب بالسكري تقوم مجموعة من الخلايا موجودة في البنكرياس على شكل تجمّعات تدعى جزر لانغرهانس بإفراز هرمون من خلايا خاصة تدعى خلايا بيتا، هذا الهرمون هو الإنسولين، وهو الذي ينظّم نسبة الغلوكوز (سكر العنب) في الدم بشكل يبقيها عند زيادة الوارد من السكر ضمن الحدود الطبيعية.
إذًا فالسكري هو مرض استقلابي يتظاهر بشكل رئيسي بارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم نتيجة خلل يتعلق بالإنسولين مما يسبب مجموعة من الأعراض المرضية.

قد تكون مصابًا بالسكري دون علمك، حيث أنّ هنالك احتمالًا صغيرًا لإصابتك بداء السكري دون أعراضٍ أو علامات واضحة، فتبعًا لمركز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة، فإن ربع الأشخاص المصابين بالسكري ليسوا على علم بحالتهم، والسبب في ذلك هو أنّ الأعراض قد تكون خفيفة لدرجة أنّ المريض لا يلاحظها.

وللسكري ثلاثة أنواع الأول والثاني والسكري الحملي، وإليك بعض المعلومات عن كل نوع:

*النوع الأول: أو ما يُعرف بسكري جوفينيل Juvenile Diabetes أو السكري المعتمد على الإنسولين، يمكننا تصنيف هذا النوع تحت قائمة الأمراض المناعية الذاتية، حيث تهاجم خلايا الجسم المناعية خلايا بيتا في البنكرياس مسببةً موتها، بالتالي يتوقف إفراز الإنسولين أو يُفرز بكميةٍ غير كافيةٍ لحاجة الجسم، فيرتفع تركيز السكر في الدم ويحدث السكري.

إنّ 5% فقط من حالات السكري هي من النمط الأول، وعادةً يُشخّص المرض في عمر الطفولة.

في بحث أجري في مستشفى بوسطن بيّن السبب الجزيئي الذي يفسّر حدوث المرض، إذا أردت معرفة تفاصيل البحث يمكنك قراءة مقالنا التالي على الرابط هنا:

*النوع الثاني: وهو الأكثر شيوعًا، في هذا النوع لا يكون الخلل بإنتاج الإنسولين من قبل البنكرياس، بل بالاستجابة له من قبل خلايا الجسم، وهاذ يُعرف بمقاومة الإنسولين.
لم يعرف العلماء حتى الآن سببًا واضحًا يفسّر لمَ يطوّر بعض الأشخاص مقاومة للإنسولين، وغيرهم لا، قد يعتقد البعض أنّ السبب هو الخمول والسمنة، لكن هذا ليس صحيحًا، فما ذكرناه عبارة عن عوامل خطر ليس إلّا.

*النوع الثالث: أو ما يعرف بالسكري الحملي، يشبه هذا النوع النوع الثاني، حيث تكمن الآلية الإمراضية في فشل خلايا الجسم بالاستجابة للإنسولين، لكنّه يبدأ خلال الحمل وقد ينتهي بعده أو يستمر حتى بعد الولادة ليتحول إلى حالة مزمنة.

لنفهم أعراض مرض السكري هناك معلومة هامة يجب علينا معرفتها، ففي الحالات الطبيعية البول لا يحتوي على الغلوكوز، لكن عند مرضى السكري تطرح الكلية السكر مع البول مما يسبب زيادة في كمية البول، مفسّرة بذلك العَرَض الأهم للسكري وهو تعدد مرات الدخول إلى الحمام الناتج عن زيادة في كمية البول وبسبب فقدان الماء من الجسم بهذا الشكل يظهر عَرَض آخر مهم وهو العطش الشديد، وفقدان السكر مع البول سيسبّب الجوع والتعب الشديدين أيضًا.

عند مرضى السكري من النوع الأول يحدث أيضًا فقدان وزنٍ غير مبرر، وعند مرضى النوع الثاني يحدث خدرٌ في اليدين والقدمين.
الأعراض الأخرى الشائعة عند النوعين هي ضبابية الرؤية، وضعف الجهاز المناعي وبالتالي الإصابة بالإنتانات المتكررة.

مضاعفات السكري:

قد ينتهي المرض بتدمير أنسجة الجسم بما فيها أنسجة القلب والأوعية الدموية، وتبعًا للجمعية الأمريكية للسكري American Diabetes Association (ADA) فإنّ ثلثي مرضى السكري يموتون بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية.

من المضاعفات الهامة الأخرى هي التأثير السلبي للمرض على الرؤية، والذي قد يصل إلى حد العمى، لذلك يُنصح مرضى السكري بأن يقوموا بفحص دوري لعيونهم كي يمنعوا حدوث مشاكل هامة يمكن تلافيها بالتشخيص المبكر.

المضاعفات كثيرة في الواقع فهي تمتد على أجزاء الجسم بشكل واسع، ابتداءً من المشاكل الجلدية إلى تلف الشرايين (ولا سيّما شرايين الطرفين السفليين محفزة حدوث مرض هام لديهم وهو قرحة القدم السكرية).

أيضًا قد يحدث لديهم تلف في الأعصاب، أو ما يعرف طبيًا باعتلال الأعصاب السكري، مما يجعل من الصعب عند مرضى السكري ملاحظة الإصابات والبثور والتقرحات على أقدامهم مما سيؤدي إلى مضاعفات أخرى غالبًا تنتهي ببتر القدم المصابة، وهي حالات كثيرًا ما تُرى في المشافي، إذًا هناك نصيحة هامة نقدمها لمريض السكري هي الاعتناء وأخذ الحيطة والحذر بشأن أيّ قروح أو بثور تصيب القدم.

طرق تشخيص المرض:

هناك عدّة اختبارات يمكن إجراؤها للتشخيص، أحدها اختبار A1C للدم، والذي يقيس متوسط غلوكوز الدم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، نقوم عبر هذا الاختبار بقياس الغلوكوز المرتبط بالهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء.

بحسب الجمعية الأميركية للسكري ADA فإنّه في الحالة الطبيعية يجب أن يكون ال A1C حوالي 5,7%، وعندما تكون النتيجة بين 5,7 و 6,4% فإنّنا أمام حالة ماقبل السكري (أي خطر الإصابة عالٍ) وعندما تكون النتيجة تساوي أو أعلى من 6,5 نعتبر أنّ الشخص مصاب بالسكري.

هناك اختبار آخر هو قياس غلوكوز البلازما أثناء الصيام، حيث يُطلب من المريض عدم تناول أي شيء لمدة 8 ساعات، ثم نجري الاختبار.
يعبّر هذا الاختبار عن قدرة الجسم على استقلاب الغلوكوز، عندما تكون كمية الغلوكوز أكثر من (mg/dl) 126 نشخّص إصابة سكري تبعًا لـ ADA.

هناك اختبار آخر هو اختبار تحمل الغلوكوز، يجرى غالبًا لتبيان وجود السكري الحملي، حيث يُطلب من الشخص أن يشرب مشروبًا عالي السكر، ثم نقوم بعد ساعتين بإجراء تحليل دم، في حال كان الغلوكوز أعلى من (mg/dl) 200 يكون تشخيصنا هو مرض سكري.

هل حقًا للكلاب دور في تشخيص السكري؟

نعم، قد يساعد بالنسبة لموضوع التنبّؤ بإصابتك بالسكري اقتناءك لكلب، قد تجد ذلك غريبًا، لكن إذا أردت أن تعرف أكثر عن الموضوع يمكنك قراءة مقال عن الموضوع على هذا الرابط هنا:

العلاج:

لا يوجد علاج شافٍ بشكل نهائي للمرض بعد، ويحتاج المرضى إلى مراقبة دائمة لمستويات السكر في دمهم.
في النوع الأول نقوم بإعطاء الإنسولين بشكل منتظم، عادة يعُطى تحت الجلد، إمّا عبر الحقن أو عبر مضخة الإنسولين، ويتم البحث الآن في طرق الإعطاء الأخرى.

في الحالات الحادة يمكن إعطاؤه وريديًا، وبشكل عام يوجد ثلاثة أنماط من الإنسولين، يتم تمييزها بواسطة معدّل استقلابها في الجسم، هم: إنسولين سريع المفعول، إنسولين متوسط المفعول، وإنسولين مديد المفعول.

كثيرًا ما يتوجّه العلماء الآن إلى استخدام خصائص الخلايا الجذعية في محاولة منهم لتطوير خلايا تنتج الإنسولين يمكن وضعها داخل الجسم بطريقة آمنة، وتستجيب لتغيّرات مستوى الغلوكوز بالدم، وبذلك يستغني المرضى بشكل كامل عن الأدوية، ولمعلوماتٍ أكثر عن هذه الأبحاث يمكنكم قراءة المقال التالي على هذا الرابط هنا:

أما في علاج النمط الثاني فيجب التركيز على زيادة النشاط الفيزيائي، وتغيير النظام الغذائي إلى نظام صحي بحيث نزيد الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة، ونقلل من الكربوهيدرات والحلوى.
في بعض الحالات يكفي للعلاج أن يقوم المريض بالمزيد من التمارين والانتقال إلى نظام غذائي صحي، وفي حالات أخرى قد نضطر لإعطاء حقن إنسولين أو أدوية كالميتفورمين.

هناك الكثير من الأبحاث التي لاتزال تُجرى بغية إيجاد علاجات أفضل وأقل تكلفة، فريق مشترك من الباحثين من جامعتي ألاباما وبيرمنغهام وجدوا أن هناك دواءً لخفض ضغط الدم جيدًا لتدبير أعراض السكري، ولمعلومات أكثر عن البحث يمكنك قراءة مقالنا على الرابط هنا:

وفي بحث آخر أجري حديثًا لوحظ وجود علاقة بين مرضي السكري وألزهايمر، حيث لوحظ أن الأدوية المستخدمة لعلاج السكري يمكن استخدامها لعلاج ألزهايمر، وأدوية ألزهايمر يمكن استخدامها لعلاج السكري، وذلك تبعًا لبحث أجري في جامعة أبيردين University of Aberdeen.

فقد بين البحث أن الأدوية التي تتحكم بمستويات الغلوكوز في الدم تقلل من أعراض وتطور مرض ألزهايمر، كما أنّ البروتين المتراكم في الدماغ في مرض ألزهايمر والذي يسبب الأعراض المعروفة، يسبب أيضًا تغيّرات في تحمّل الغلوكوز، مسببًا السكري في النهاية.

عوامل الوقاية والخطر:

بالنسبة للنمط الثاني هناك نوعين من العوامل، الأولى حيوية غير قابلة للتغيير كالتقدّم بالعمر، وكأن تكون أميركيًا من أصل إفريقي، أو أميركيًا من أصل آسيوي، أو من هنود أميركا، والعوامل الأخرى يمكن تعديلها لأنّها متعلّقة بنمط الحياة، كالسمنة والخمول.

للأسف، فالنساء اللواتي يتطور عندهنّ سكري حملي يكنّ معرّضات بنسبة أكبر إلى الإصابة لاحقًا بالسكري من النوع الثاني.
من عوامل الخطر الأخرى وجود ارتفاع في ضغط الدم، أو وجود اضطرابات في تراكيز الكوليسترول والشحوم الثلاثية.

إنّ تغيير نمط الحياة يمكن أن يقلل خطر الإصابة بالسكري، خاصة عند الأشخاص المؤهلين لذلك، وقد أظهرت الدراسات أن فقدان الوزن وممارسة التمارين الرياضية قد يمنع أو يؤخّر الإصابة عند أكثر الأشخاص عرضة لذلك.

في بحث آخر أجري في جامعة لندن بيّن أن إجراء تمارين رياضية بكمية أكبر بغض النظر عن نوع النظام الغذائي قد يكفي لتجنب الإصابة بالسكري عند نسبة كبيرة من الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة.

سكر الفركتوز ودوره في تطوير مقاومة للإنسولين، وبالتالي الإصابة بالسكري:

تحدث مقاومة هرمون الإنسولين من قبل خلايا الجسم في مرض السكري النوع الثاني والسكري الحملي، لكن خلافًا لما ستظنّه فالخلل هنا ليس داخل الخلايا بحد ذاتها، إنّما يتعلق الموضوع بآلية معيّنة تحدث داخل الكبد.

فقد وجد بحث أجري في المدرسة الطبية في جامعة ديوك في الولايات المتحدة أن زيادة نسبة السكر في الكبد لا سيما الفركتوز، سينشّط عاملًا جزيئيًا يعُرف بالبروتين الرابط لعامل الاستجابة للكربوهيدرات ChREBP.

يوجد هذا العامل عند البشر والفئران والعديد من الثديّات الأخرى داخل أعضاء ذات وظيفة استقلابية، وتتنشّط بعد تناول سكر الفركتوز الموجود في السكريات الطبيعية في الخضراوات والفواكه، والموجود بوفرة أيضًا داخل الأطعمة الصناعية والمشروبات الغازية.
يقوم الفركتوز بتحفيز الكبد على تصنيع الغلوكوز بشكل مستمر عبر تحفيزه لبروتين ChREBP وبالتالي سيرفع من مستويات السكر في الدم.

أجريت الدراسة على الفئران وأعيد التأكد منها مرة أخرى عبر إجرائها على عينات أكباد بشرية.

لعدة عقود ظنّ العلماء أنّ المشكلة هي بحساسية الكبد للإنسولين، لكن تبيّن أن المشكلة ليست هنا، فقد قام العلماء بتحفيز كل مستقبلات الإنسولين في الكبد، وبذلك لن يتم إنتاج سكر من الكبد بسبب هذا التفعيل، ولكن عندما تناول الفئران سكر الفركتوز تحفّز بروتين ChREBP وتم إنتاج الغلوكوز بالرغم من أن كل مستقبلات الإنسولين مفعّلة.

وقد وجدت دراسات سابقة أيضًا أن الأنظمة الغذائية عالية الفركتوز تسبب أمراضًا استقلابية متعددة عند البشر والحيوانات، بما فيها مقاومة الإنسولين وتراكم الشحوم في الكبد (المرضان مترافقان غالبًا)، مما سيؤدي إلى خلل في وظائف الكبد، مسببًا حدوث مقاومة للأنسولين.

إذًا، قلّل من تناول الأطعمة التي تحوي نسبة عالية من الفركتوز، بالطبع لا أقصد هنا أن تقلّل من تناول التفاح مثلًا لاحتوائه على الفركتوز، لأن الأغذية الطبيعية ذات نسبة معتدلة أو قليلة من الفركتوز، بل ابتعد عن الأطعمة المحلاة صناعيًا والمشروبات الغازية بشكل أساسي.


إعداد: ولاء سليمان
تدقيق: جعفر الجزيري

المصادر:
المصدر الاول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع
المصدر الخامس