هل سيتمكن الميتفورمين (علاج مرض السكري المعروف) من هزيمة الألزهايمر؟


إن أغلب مرضى السكري / النوع الثاني ( type 2 diabetes mellitus ) العشرين مليون المشخّصين في الولايات المتحدة يستخدمون علاج الميتفورمين
( metformin ) لغرض السيطرة على نسبة السكّر في دمهم وهذا نابع من كون العلاج آمن للغاية، إذ يستخدمه الملايين من مرضى السكري ولا يشتكون سوى من القليل من الأعراض الجانبية التي لا تتعدى تهيج المعدة والأمعاء، إضافة إلى كونه رخيص الثمن حيث لا تتجاوز قيمة العلاج الكافي لمدة شهر مثلا سوى بضعة دولارات.

هذا العلاج الرخيص الثمن والآمن أيضا، يخضع الآن لعدة دراسات تشير إلى إمكانية قدرته على حماية الدماغ من أمراض الشيخوخة حتى عند استخدامه من قبل أولئك الذين لا يعانون من السكّري.

إن مرض السكري وكما هو معروف يشكّل عامل خطر للإصابة بأمراض الانتكاسات العصبية neurodegenerative diseases .

ولكن استخدام الميتفورمين لعلاج السكري وجد بأنه يساعد على انخفاض كبير بمعدل ظهور تلك الأمراض، ففي أكثر الدراسات شمولا حول تأثّر الإدراك المعرفي بمادة الميتفورمين تابعت ( كيان شي ) وزملاؤها في جامعة ( تيولان ) ستة آلاف مصاب بالسكّري ليتوصلوا إلى حقيقة أن المريض كلما استخدم الميتفورمين لفترة أطول كلما انخفضت احتمالية إصابته بكل من مرض الزهايمر ومرض باركنسون إضافة إلى الأنواع الأخرى من الخرف والاعتلال الإدراكي.

وتماشيا مع بعض الدراسات السابقة الأقل شمولاً والتي تبحث تأثير الاستخدام الطويل للميتفورمين فإن المرضى في هذه الدراسة الجديدة والذين استخدموا الميتفورمين لفترة أكثر من الأربعة سنوات لوحظ بأن خطر إصابتهم بأمراض الانتكاسات العصبية قد انخفض إلى الربع مقارنة بمرضى السكّري الآخرين الذي يعالجون بالأنسولين فقط أو الأنسولين وعلاجات أخرى غير الميتفورمين .

وبهذا فإن استخدام الميتفورمين يلغي تقريبا نسبة الخطر التي يشكلها مرض السكّري للإصابة بإمراض الانتكاسات العصبية جاعلا من احتمالية إصابة مرضى السكري بتلك الأمراض مساويا لاحتمالية إصابة أي شخص آخر بها من غير مرضى السكّري علماً بأن كل هذه النتائج كانت قد قُدمت في تموز الماضي في جلسات الملتقى العلمي الخاصة بمنظمة داء السكري الأمريكية .

تقول ( سوزان كرافت ): لقد وجَدنا عند مرضى الزهايمر بعض المقاومة لعمل الأنسولين في خلايا أدمغتهم حتى في حالة عدم إصابتهم بمرض السكّري / النوع الثاني, النوع الذي يحدث بسبب مقاومة عمل الأنسولين على المستوى الخلوي، مما دعا البعض إلى إطلاق تسمية مرض السكري/ النوع الثالث على مرض الزهايمر.

وتضيف كرافت: إن للإنسولين وظائف متعددة في الدماغ فهو يساهم في تكوين الذاكرة ويساعد في تنظيف المشابك العصبية neural synapses من بقايا البروتينات بما فيها عقيدات تاو ( tau tangles ) وصفائح الأملويد (amyloid plaques) من هذه البقايا التي تتراكم في المشابك العصبية عند مرضى الزهايمر وبهذا يتضّح دور الميتفورمين الذي يقوم بدوره بتقليل مقاومة عمل الإنسولين في خلايا الدماغ مما يساعد في تكوين الذاكرة وتنظيف المشابك العصبية من بقايا البروتين الضّارة.

إضافة إلى ما تقدّم فإن الدراسات التي أجريت على الحيوانات تشير إلى أن عمل الميتفورمين هذا قد يكون نابعا من التأثير على الخلايا الجذعية العصبية neural stem cell حيث أظهر بحث لكل من عالمي الأعصاب ( جن وانغ ) و (فريدا ميلر) في مستشفى تورنتو للأطفال المرضى أن إعطاء مادة الميتفورمين للفئران المصابة بالسكري يحسّن من ذاكرتها الأمر النابع من زيادة عدد الخلايا الجذعية العصبية في أدمغتها والتي تتطور إلى خلايا عصبية في الحصين hippocampus، مركز الذاكرة في الدماغ.

إن التجارب السريرية على الإنسان كانت قد أظهرت أملاً هي الأخرى في علاج المصابين حديثاً بمرض الزهايمر، حيث أظهر    ( ستيف إي. آرنولد ) عالم الأعصاب في مستشفى ماساتشوستس بأن المرضى المصابين حديثاً بالزهايمر يظهرون تحسناً طفيفاً ومهما في نفس الوقت في ذاكرتهم ووظائفهم الإدراكية بعد استخدامهم لعلاج الميتفورمين لمدة ثمانية أسابيع بالمقارنة مع استخدام علاج كاذب placebo على مجموعة أخرى من المرضى، كما وأظهرت الفحوصات التصويرية تحسناً أيضا في أيض الخلايا العصبية عند المجموعة الأولى.

ومثل هكذا تأثير بسيط قد يكون مطلوباً بالنسبة لمرضى الزهايمر إذ إن علاجات هذا المرض، حتى المتطورة منها، ما زالت ذات تأثير متواضع ولفترة محدودة فقط, الأمر الذي يشكل دافعا لإيجاد علاجات أخرى حسب ما تقوله كرافت.

يأمل آرنولد بالبدء بتجارب أخرى أكبر من المؤمل أن تقيّم فعالة الميتفورمين في محاربة الزهايمر بشكل أفضل ولكن مسألة التمويل المالي هي التي تشكل عائقا، باعتبار الميتفورمين علاجا عاماً، لا يحمل أسماً تجارياً خاصاً بشركة ما، إضافة إلى كونه رخيص الثمن الأمر وهذا لا يشكّل دافعا ربحيًا مهما لشركات الأدوية لاختبار هكذا علاج.

ويعقّب آرنولد : ” إن الأمر بسيط جداً, نحن نملك علاجاً لا يخضع لأية شركة ورخيص الثمن أيضا ويعتقد بأن له تأثيراً على اعتلال الإدراك لدى المرضى المسنين، كما ونملك اسباباً علمية كافية لإقناعنا بالنظر في الأمر, كل ما نحتاجه الآن هو دراسة للموضوع بطريقة تعطينا إجابة واضحة في كون مادة الميتفورمين قد تساعد بالفعل في هذا الموضوع ” .

كرافت و آرنولد يبحثون أيضا في الدلالات البايلوجية لمرضى الزهايمر، وفي إشارات بايلوجية معينة يمكن قياسها للتنبؤ بإمكانية حدوث المرض، وبهذا سيكون من الممكن معرفة الأشخاص المعرضين للإصابة بأحد أمراض الانتكاسات العصبية مما يتيح لهم استخدام الميتفورمين أو أي علاج آخر يقلل من مقاومة عمل الإنسولين على المستوى الخلوي وبالتالي تجنب المرض.


ترجمة : علاء سالم
تدقيق : حسين احمد

المصدر