لماذا لا يُقبِل الناس على الانتخابات؟
(دراسة حالة الولايات المتحدة الأمريكية)


معدل إقبال الأمريكيين على الانتخابات هو قليل بالمقارنة مع الدول المتطورة الأخرى، وهنا سنتعرف على بعض أسباب ذلك.

في الثامن من شهر نوفمبر/تشرين الثاني سيتوجه الملايين من الناس نحو صناديق الاقتراع من أجل تقرير هويَّة الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكيَّة، هيلاري كلينتون أم دونالد ترامب. إلا أنه من ناحية أخرى، سيبقى الملايين من الأشخاص الذين هم مؤهلون للانتخاب في منازلهم.

يُعد معدل الإقبال على الانتخابات في أمريكا ضعيفًا للغاية مقارنة بالديمقراطيَّات الحديثة الأخرى. في الانتخابات الرئاسيَّة لسنة 2012، شارك 53.6% فقط من الأمريكيين في عمليَّة الانتخاب. وهذا يضع الولايات المتحدة خلف دول كثيرة مثل تركيا (نسبة المشاركة بلغت 84.3% في انتخابات عام 2015) وبلجيكا (نسبة مشاركة بلغت 87.2% سنة 2014)، حيث يُعتبر الانتخاب أمرًا إجباريًّا. لكن تقف الولايات المتحدة كذلك خلف دولٍ تعتبر فيها الانتخابات أمرًا تطوعيًّا، مثل السويد (نسبة مشاركة بلغت 82.6% في عام 2014) وفرنسا (بلغت النسبة 71.6% في عام 2012) بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى. في الحقيقة، تقبع أمريكا في المرتبة الواحدة والثلاثين من بين خمس وثلاثين دولة متطورة في نسبة المشاركة في الانتخابات، وذلك بالعودة إلى أرقام نشرها مركز بيو Pew  للأبحاث والدراسات.

ومن المفاجئ أن لا يكون الشعب الأمريكي متحمسًا للانتخابات رغم اهتمامه الشديد بالسياسة. في هذا الشأن يقول (ميرت مورال-Mert Moral) من جامعة نيويورك : «إذا نظرت إلى بيانات الاستطلاع ستجد الأمريكيين في نفس درجة الاهتمام مع الشعوب الأخرى إن لم يكونوا أكثر اهتمامًا منهم». ويضيف: «إنهم يملكون الكثير من الملصقات ذات الشعارات، ويتحدثون عن السياسة. كما إنهم مهتمون بالسياسات المحلية».

لماذا لا ينتخب الناس؟ فيما يلي سنستعرض أربعة أسباب مدروسة بشكل محكم حول عزوف بعض الناس عن التوجه نحو صناديق الاقتراع في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، ويتبع ذلك أربع خطط من أجل دفع الناس نحو الانتخاب.

1 – تسجيل الناخبين يتطلب جهدًا :

في العديد من الدول، يتم تسجيل الناس كناخبين بشكل آلي. لكن ذلك لا ينطبق على أمريكا. يقول (باري بوردن-Barry Burden) عالم السياسة من جامعة ويسكونسين-ماديسون : «نظام الولايات المتحدة الأمريكية يضع عبئًا على الناخبين». وفي تقرير سابق من سنة 2012، أشارت دراسة إلى أن واحدًا وخمسين مليون شخص في الولايات المتحدة لم يتقدموا للتسجيل في الانتخابات. التسجيل السهل في الانتخابات قد يخفّض من ذلك العدد، وذلك من أجل رفع عدد المشاركين في الانتخابات. وفي دراسة أخرى تعود إلى سنة 2013، أشار بوردن وزملائه إلى أن السماح للناخبين بالتسجيل في يوم الانتخاب في عامي 2004 و2008 كان قد رفع نسبة المشاركة.

2 – نقص التعليم الجامعي ــ وكل ما يأتي معه :

حسب بوردن فإن المشير الأكبر لإقبال الناس على الانتخابات من عدمه هو مستوى التعليم، حيث يكون لذلك تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على عملية التصويت، وفي هذا السياق يقول: «يتجه الناس نحو الانتخاب إذا ما توفرت لديهم معلومات حول المترشحين وعمليَّة الانتخاب، فالأشخاص الذين لديهم دخل عالٍ ومستوى تعليمي كبير يجدون أنفسهم يعملون ويعيشون في مجموعات من آخرين يقومون بالانتخاب. أمَّا أولئك الذين لا يتمتعون بمزايا أكبر فسيكون توجههم للانتخاب ضئيلًا».

3 – إن وجود حزبين فقط غير كافٍ :

في نظام الثنائيَّة الحزبيَّة، قد لا يجد الناس طرفًا يعكس وجهات نظرهم. وإذا حصل ذلك، يقول مورال أنَّهم قد يفضلون البقاء في البيت. ويوضح قائلًا: «ليس بإمكان مترشح من حزب ثالثٍ أن يفوز في الانتخابات هنا. وهذا ما يجعل الناس إما ينتخبون مرشحين من الأحزاب الكبرى فقط، أو يمتنعون عن التصويت بشكل كامل».

4 – بعض الأشخاص لا يهتمون فحسب :

هناك فئة من الناس لا تهتم بالسياسة فحسب. الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليَّة الانتخابية هم أشخاص في جماعات اجتماعيَّة لا تعتبر السياسة أمرًا مهمًا. وحسب عالم الاقتصاد من جامعة ليستر بإنجلترا (إيال وينتر-Eyal Winter): «الانتخاب أمرٌ ليس له أي معنى». ويفسر ذلك بأنه من النادر أن يغير صوت واحد مسار نتائج الانتخابات. ففي معظم الأحيان تصويتك الشخصي لن يقوم بإحداث أي فرق. فلماذا تكلف نفسك العناء؟

كما أن إجراء العديد من الانتخابات يُتعب الناخبين. يقول بوردن : «من الأشياء التي تجعل أمريكا غريبة هو وجود العديد من الانتخابات. نحن نطلب من الناخبين اتخاذ العديد من القرارات». قد يكون الخروج لعمليَّات الاقتراع أمرًا متعبًا، والاستعلام حول كل قضيَّة يأخذ وقتًا. يضيف بوردن : «نملك نظامًا معقدًّا وأظن أنَّه يسبب التعب».

ما هي الأشياء التي تجعل الأشخاص يتوجهون نحو صناديق الاقتراع؟

مهما كان الحزب المعني، فرجال السياسة والعديد من المواطنين يريدون أن تكون نسبة الإقبال لجهتهم كبيرة. فمستعملي الفيسبوك يتضرَّعون لأصدقائهم في الموقع. أمَّا السياسيون فيقومون باستئجار هواتف البنوك من أجل الإتصال بآلاف الأشخاص في مختلف الولايات. وبالنسبة للمشاهير فهم يتوسَّلون على اليوتيوب من أجل ذلك. لكننا نلاحظ بروز أربعة وسائل رئيسيَّة:

1 – التثقيف المبكّر والدائم، وجعل عمليَّة الانتخاب إجباريَّة :

كما يقول عالم السياسة من جامعة كولومبيا (دونالد جرين-Donald Green) إنَّ الرسائل التي يتلقاها الناس في حياتهم المبكرَّة تلعب دورًا قويًّا في إمكانية توجههم نحو التصويت من عدمه. إنَّها تساعد الآباء والمعلمين في إعلام الأطفال أشياء مثل: «الانتخاب أمر مهم، فهو ما يجعلك شخصًا راشدًا ذا تأثير مهم وفعال». إن مثل هذه الرسائل قد تمرَّر عبر حصص التربية المدنيَّة أو التعليم الحكومي.

يساهم المزيد من التعليم والثقافة في رفع إقبال الناخبين على التصويت. لكن ليس من السهل أن نرسل الجميع إلى مقاعد الدراسة من أجل رفع نسبة الإقبال، هناك شيءٌ آخر قد يرفع منها، وهو جعل عمليَّة الانتخاب إلزاميَّة. حيث أظهرت دراسة لعالمة السياسة (آينا جاليجو-Aina Gallego) من جامعة برشلونة لسنة 2010 أنَّ الانتخابات الإلزاميَّة تقلص من التفاوت بين درجة التعليم ونسبة الإقبال، وذلك ببساطة لأن الجميع ملزم بالقيام بذلك. علمًا أن الدراسة جمعت بيانات من ثمانٍ وعشرين دولة متطورة.

لسوء الحظ، يمكن دفع الناخبين نحو صناديق الاقتراع، لكن لا يمكنك أن تجعلهم يملكون رأيًا معيَّنا حول المترشحين. قام مورال بفحص ثمانية عشر نظامٍ حزبي في أوروبا ليخرج بنتيجة أنَّ التصويت الإجباري يسير جنبًا إلى جنب مع ارتفاع عدد أوراق الاقتراع غير الصالحة والفاسدة، حيث يقوم البعض بتخريب الأوراق ووضع أوراق بيضاء أو كتابة «ميكي ماوس» كاسم متشرح.

كما يقول مورال فإنه قد يترتب على عدم التصويت دفع غرامة، لكن الحصول على المعلومات المتعلقة بتلك القضيَّة هو أمر مكلف أيضًا. ويضيف قائلًا أنَّ النتيجة هي الحصول على أشخاص غير مثقفين سياسيًّا، يخرجون للتصويت، لا يعلمون لمن يصوتون ويقومون بإفساد أوراق اقتراعهم.

2 – ضغط الأقران من أجل دفع الناس إلى الانتخاب :

في دراسة لسنة 2008، قام جرين وزملائه بتطبيق ضغط اجتماعي صغير على الناخبين. حيث قام الفريق بإرسال مجموعة من الرسائل إلى مئة وثمانين ألف شخص في ميشيجان (حيث كانت سجلات التصويت متاحة للعامَّة) وذلك قبل الانتخابات الولائيَّة للحزب الجمهوري في أغسطس/آب 2006.

بمجرَّد طلب المشاركة في الانتخابات من المواطنين ارتفعت نسبة الإقبال إلى 1.8% نقطة. في حين أن طلب المشاركة من الناخبين مع التنويه أنَّهم قيد دراسة- وأنَّ أصواتهم هي في صالح سجلات متاحة للعامة- قد رفع نسبة المشاركة بـ 2.5% نقطة. لكن عندما تمَّ إظهار السلوك الانتخابي السابق للناخبين وسلوك الأشخاص من أهل بيتهم، ارتفع معدل الإقبال بنسبة 4.9% نقطة مقارنةً بالأشخاص الذين لم يتلقوا الرسالة. ولو عُرض على الناخبين سجلات تصويت جيرانهم أيضًا لكانت النسبة قد ارتفعت إلى 8.1% نقطة.

وبالرغم من أنه باستطاعة العار أن يجلب مزيدًا من الأصوات، لكن يحذر جرين من إمكانيَّة تسبب ذلك في أمور سلبيَّة، حيث يقول : «أظن أن ذلك ينتج ردود أفعال عنيفة». في دراستهم، لاحظ جرين وزملائه أنَّ الأشخاص الذين يتلقون أكثر الرسائل قوَّة وشدة يقومون بالاتصال على الرقم المتواجد في الرسالة ويطلبون أن يُترَكوا وشأنهم.

أمَّا ضغط الأقران الإيجابي قد يكون فعَّالا دون الحاجة لجرعة كبيرة من «العار»، حسب جرين. اجعل الناس يَعِدونك بالحضور، واجعلهم يتذكرون أهميَّة عمليَّة التصويت في السجلات العامة. يقول جرين : «ربمَّا أكثر الأشياء فعاليَّة هو صديق مقرَّب أو زميل في العمل يقول: لنذهب إلى التصويت معًا!».

3 – القليل من المنافسة الصحيَّة لا يضرُّ أبدًا :

لم تأتِ تسمية الانتخابات بـ(السباقات) عن عبث، ففي بحث نُشر سنة 2006 يدرس سباقات الانتخابات الحاكميَّة في أمريكا بين عامي 1990 و2005، قام وينتر وزميله (استيبان كلو-Esteban Klor) من الجامعة العبريَّة في القدس بالنظر في الاختلافات بين من يتقدَّم في النتائج قبل الانتخابات من خلال الاستطلاعات وبين نتائج تلك السباقات بعد الانتخابات. واكتشفوا أنَّه إذا كانت الأرقام متقاربة بين المتنافسين، ترتفع نسبة المشاركة، خصوصًا في الجهة التي لها نتائج أكبر. يقول وينتر : «إنَّه من الألطف أن تساند فريقك عندما تتوقع الفوز». إن السباقات المتقاربة التي يقضم فيها المتنافسون والناخبون أظافرهم من شدة القلق تجعل الناس يتوجهون إلى الصناديق بأعداد كبيرة.

لكن دون شك، إذا أردت منافسة صحيَّة، فيجب عليك أن تحصل على مترشحين محبوبين. عند الحديث عن الانتخابات الرئاسيَّة القادمة، يقول بوردن أنَّه من غير المفاجىء أن تكون نسبة الإقبال أضعف من المعتاد، نقتبس من كلامه : «نحن نعلم من الاستطلاعات أنَّ لهذين المترشحين أضعف نسبة تأييد في تاريخ الانتخابات». نسبة التأييد الضعيفة هذه قد تُبقي الناس في بيوتهم يوم الانتخابات.

4 – اللمسة الشخصيَّة هي الأفضل :

يقول جرين وزميله (آلان جيربر-Alan Gerber) اللذان طرحا كتاباً بعنوان (أخرج الصوت : كيفيَّة رفع نسبة المشاركة في الانتخابات) أن المئات من الدراسات اللاحزبيَّة، والثنائيَّة الحزبيَّة والحزبيَّة قد أجريت من أجل معرفة كيفيَّة الفوز في حملة انتخابيَّة والتأثير على الناس، إنَّ أكثر الرسائل فعاليَّة هي التي تُجرَى وجهًا لوجه وفردًا لفرد.
بالنسبة للسياسيين، ذلك يعني الخروج والبحث عن الأصوات في الشوارع. لكن قد يريد أحدهم أن يأخذ شقيقه أو صديقته أو زوجته إلى الانتخابات. في تلك الحالة يقول جرين : «أكثر الرسائل فعاليَّة هي أن تقوم بالتعبير عن اهتماماتك الخاصة بالانتخابات، ورغبتك الخاصة في الانتخاب ورغبتك الخاصة في رؤيتهم يصوّتون». أي أن ترسلهم إلى الانتخابات بالطريقة التي تريد أن تراها منهم، ولكن بأي طريقة؟ تلك مسألة مختلفة!

إعداد : وليد سايس
تدقيق: سارة عمّار

المصدر