كارل فريدريك غاوس (1777 – 1855)


كان كارل فريدريك غاوس (Carl Friedrich Gauss) أحد آخر من أحاطوا بالمعرفة الشاملة لعلوم الرياضيات. ويمكن القول بأنه كان من أعظم علماء الرياضيات الذين شهدهم العالم، تلك المكانة التي احتلها أيضًا علماء آخرون مثل أرخميدس واسحاق نيوتن وليونارد اولر.

ومن أعماله البارزة التي نشرت هي التحقيقات الحسابية (Disquisitiones Arithmeticae) التي كتبها وهو لم يتجاوز 11 من عمره، والتي تركزت أهميتها لنظرية الأرقام في ربطها لأهمية عناصر اقليدس بالهندسة.

وبالإضافة إلى الرياضيات، كان لدى غاوس إسهامات بارزة في العلوم المرتبطة بالفيزياء والرياضيات مثل علوم الفلك والبصريات والكهربائية والمغنطة والإحصاء بالإضافة إلى علوم المسح البياني.

البدايات:

ولد جوهان كارل فريدريتش غاوس في الثلاثين من أبريل من عام 1777 في مدينة برونزويك الألمانية، لوالدان هما دوروثيا بينز وجيبهارد ديترتش غاوس. رغم أمية والدته وعدم تلقيها لأي تعليم وعملها كعاملة في منزل قبل زواجها، إلا أنها كانت تتمع بذكاء لافت.

كان والده يجاهد لتأمين العيش بشتى السبل متنقلًا بين عدة وظائف، فعمل مساعدًا لبائع وجزار وبستاني وأمين مخزن لإحدى شركات التأمين، كانت قلة الدخل تمثل المعاناة الدائمة لهم. وبالإضافة إلى كارل، كان هناك لديه أخ غير الشقيق من زواج سابق لأبيه. ومنذ نعومة أظفاره، أظهر كارل موهبة اسثنائية في حسابات الأرقام حتى قبل أن يبدأ بالتهجئة.

التعليم:

في عام 1782 وما أن بلغ السابعة من عمره، حتى بدأ كارل دراسته الابتدائية في مدرسة القديسة كاثرين الحكومية. بقي كارل في حياته فيما بعد يقص تلك المواقف الطريفة التي تخللت فترة دراسته تلك، حيث كان دائمًا ما يحيّر معلمه بسرعة حساباته، متجاوزًا قدرة معلمه نفسه، وكان لمعلمه “باتنر” الفضل في طلب منهج حسابي متقدم من أجله، والذي سرعان ما قام كارل ذو الثمان سنوات بحل كل مسائله الرياضية.

ورغم انتماء كارل إلى أسرة ريفية بسيطة، إلا أن ذلك لم يمنع معلمه من أن يراه بعين البصيرة، كبروفيسور في جامعة كبرى مستقبلًا، إذا ما أتيحت له الفرصة.

ومن أجل ذلك، قام بدعوة والد كارل إلى المدرسة لمناقشة مستقبل ابنه. كان لوالد كارل أفق ضيق فلم يقتنع بما قال له باتنر، وكان أقصى ما يحلم لابنه هو أن يصبح عاملًا ذات يوم ويساعده في إعالة العائلة، لكن طمأنه باتنر بأن قدرات ابنه الاستثنائية لن تجد أي صعوبة في إيجاد من يتكفل بمصاريف مواصلة دراسته، عندها وافق الأب معفيًا الابن من وظيفته في غزل الكتان.

توسعة الآفاق:

بدأ كارل بتلقي دورسه الخصوصية لدى المعلم مارتن بارتلز، والذي كان يكبره بثمانية أعوام وذو تعليم جيد ورياضي موهوب، سرعان ما تأثر بارتلز بتلميذه ليكرّس كل مهنته للرياضيات، ليصبح بروفيسورًا في نهاية الأمر، ولتتوطد صداقتهما مدى الحياة. وفي إنجاز لافت للنظر، تمكن كارل من اشتقاق النظرية الثنائية في الرياضيات بمفرده وهو لم يتجاوز العاشرة من العمر.

وصل صيت عبقرية كارل إلى سمع دوق مدينة برونزويك والذي وافق بكرم على تمويل دراسته. وعند بلوغه عامه الحادي عشر في عام 1788، بدأ كارل تعليمه في مدرسة مارتينو كاثرينيم للقواعد، حيث تفوّق في الرياضيات واللغات اليونانية واللاتينية القديمة، بالإضافة إلى اللغات الحديثة.

الكلية:

في عام 1792 بلغ 15 من عمره ومدعومًا من الدوق، التحق كارل بكلية كارولين وأكمل دراسته في الرياضيات عندما بلغ 18 من عمره. تعمّق كارل وبصورة استثنائية في الرياضيات، وكان شغوفًا بالتطوّر الذي أحدثه اسحاق نيوتن ولوينارد يولر وجوزيف لويس لاغرانج، وكان بطله هو ارخميدس.

دراسات الدكتوراه:

أنهى غاوس دراسة الدكتوراه في ثلاث سنوات من جامعة جوتنجن التي بدأها في اكتوبر عام 1795. كان حينها متقدمًا على معظم أقرانه في مدى وعمق الخبرة في مجاله، وكانت مكتبة جوتنجن بما تحويه من مجموعات قيمة هي موطنه المثالي.

انغمس غاوس في الرياضيات الحديثة، وقام أيضًا بحضور محاضرات في اللسانيات والفيزياء والفلك، وكانت أكثر الكتب التي يستعيرها من المكتبة هي في العلوم الإنسانية. وبالرغم من علمه التام بقدراته الاستثنائية، كان يظهر لطلابه إنسانًا متواضعًا وعاديًا.

كارل فريدريتش غاوس في الرياضيات والعلوم:

في أثناء دراسته في جوتنجن، تدفقت مبادئه الجديدة التي غيرت علم الرياضيات للأبد.

بناء المضلع السباعي عشر (Heptadecagon)

بعد 6 شهور فقط من دراسته، قام غاوس بحل معضلة رياضية أحرجت وحيّرت علماء الرياضيات لألفي عام، وهي بناء الشكل المضلع السباعي عشر (Heptadecagon) وذالك عن طريق رسم الحواف المستقيمة والفرجار فحسب.

وكان قدماء اليونان قد وضّحوا بأن الأشكال الثلاثية والخماسية حتى ذات الخمسة عشر ضلعًا بالإمكان رسمها من خلال بناء الحواف المستقيمة والفرجار، ولكنهم عجزوا عن اكتشاف أشكال ذات أضلاع أكثر.

وفي الحقيقة، فإن غاوس ذهب إلى أبعد من الشكل السباعي عشر، فلقد ابتكر معادلة تمكّنه من بناء أي شكل متعدد الأضلاع باستخدام الحواف المستقيمة والفرجار، متجاوزًا العدد 17 إلى 51 و 85 و 255 و 257 حتى 4,294,967,295 ضلعًا.

أبرز مذكرة في الرياضيات:

بعد اكتشافه طريقة بناء الشكل السباعي عشر، أدرك غاوس أنه حجز مكانه في التاريخ بجانب صفوة عظماء الرياضيات. وبدأ بعدها بتدوين اكتشافاته في مذكرة احتفظ بها، وهذه المذكرة التي احتوت على قائمة ب 146 اكتشاف له، فقدت بعد أكثر من أربعين عامًا من وفاته. وكان عام 1796 هو عام المعجزات فيها، حيث أدخل في قائمته تلك 49 اكتشافًا، بعضها ما هو قصير ويلفه الغموض.

وفي تدوينه الثامن عشر المؤرخ في 10 يوليو من نفس العام، حوى اكتشاف غاوس الذي ينص على أن كل عدد صحيح يمكن تكوينه من جمع أعداد مثلثية على أكثر تقدير. وقام في مدونته بتحية ارخميدس مدونًا الاتي:
Ε Υ Ρ Η Κ Α! num = Δ + Δ + Δ

وبما أنه اتقن اليونانية القديمة، قام غاوس بكتابة كلمة يوريكا اليونانية كما لو كان ارخميدس ليقولها. أصبح غاوس آخر من أحاطوا علمًا بكل جوانب الرياضيات، وفي يومنا هذا، وعلى الرغم أنه بإمكان أحد أن يكون موهوبًا في الرياضيات كغاوس، لكنه لن يتمكن من الإحاطة بكل جوانبها. لقد تمدد ذلك العلم إلى أبعاد كبيرة.

نظرية الأعداد:

عندما كان غاوس طالبًا، قام بالعديد من الاكتشافات الهامة في نظرية الأعداد والتي كانت مجاله المفضل، ولاحقًا ذكر غاوس: «الرياضيات هي ملكة العلوم، ونظرية الأعداد هي ملكة الرياضيات».

التحقيقات الحسابية: واصل دوق برونزويك تمويله لأعمال غاوس، الأمر الذي أعطاه الحرية للخوض في أي مجال قد يثير اهتمامه. في العام 1801، قام بنشر واحد من أهم الأعمال في تاريخ الرياضيات وهو لم يتجاوز 24 من عمره، وهي التحقيقات الحسابية. واختار أن يكتبها بلغة لاتينية بحتة في ثلاث سنوات، وفيه قام بتسجيل البراهين الشكلية لأولى اكتشافاته.

وحدت التحقيقات الحسابية اكتشافات جوهرية مهمة، مثل قانون التبادل التربيعي، ومعادلاته في حساب الوحدات الحديثة وفي التطابق الرياضي الذي دعم نهجه في نظرية الأرقام. قال معجبو غاوس بأن أعماله في نظرية الأرقام توازي ما عمله اقليدس في الهندسة.

وتستطيع أن تتخيل البهجة التي اعترت غاوس وهو يقرأ رسالة جوزيف لويس لاغرانج العظيم والذي درس كتبه بعمق إليه قائلًا: «لقد ارتقى بك كتابك إلى مصاف الرياضيين العظماء، لقد احتوى آخر أقسامه على أجمل الاكتشافات التحليلية منذ وقت طويل».

اكتشاف الكوكب القزم سيريس:

في يناير من عام 1801، اكتشف الفلكي جوزيبي بيزي الايطالي جرمًا سماويًا جديدًا، ولم يعلم عن اكتشافه ذلك إلا كونه جرم باهت، يبدو كنجم ولكنه لا يحقق خصائص النجوم. في الليالي اللاحقة شاهده وهو يتحرك ببطء أمام خلفية من النجوم. جوزيبي بيزي كان الشخص الوحيد الذي لاحظ سيريس، ولكنه سرعان ما فقد أثره فيما بعد ليجده غاوس مرة أخرى مستخدمًا طرقه الرياضية الخاصة، محددًا موقعه.

وبدأ بيزي يعتقد أنه اكتشف مذنبًا، ولكن في الرابع عشر من يناير وقع في حيرة من أمر ذلك الجرم والذي بدا وكأنه مذنب؛ إلّا أن حركته كانت بطئية جدًا. استمرت ملاحظة بيزي للجرم ستة أسابيع، تحرّك خلالها ثلاث درجات في السماء، بعدها أقعد المرض جوزيبي لفترة، ما أن تعافى منها حتى فقد أثر ذلك الجرم، وعندما خيّم عليه القلق كفلكي، كان عليه طلب مساعدة رياضية، ولم يكن هناك من أحد قادر على نجدته مثل غاوس الذي كان في 24 من عمره حينها.

ابتكر غاوس طريقة جديدة تمكّنه من حساب المدارات في أقل زمن من الرصد الفلكي، ولم ينجح غاوس في إيجاد الجرم المفقود فحسب ، بل حدّد أيضًا أن له مدارًا دائريًا مثل الكواكب، وحدّد أيضًا بعده عن الشمس.

ذلك الجرم والذي أطلق عليه اسم “سيريس”، اتضح فيما بعد بأنه ينتمي إلى فصيلة جديدة من الأجرام سميت “بالكويكبات”، أو ما يطلق عليها حاليًا “الكواكب القزمة”.

الشهرة والتواضع واستمراره في السبل العلمية:

ومع عثور غاوس على سيرس، بدأت مسيرة جديدة من شهرته. نستطيع أن نكيل المديح لغاوس لإعادة اكتشافه وبعثه لنظرية نيوتن في الجاذبية ولكتاب المبادئ لنيوتن، حيث كان غاوس يؤمن دومًا بأن نيوتن هو أعظم علماء الرياضيات على الإطلاق.
لكن غاوس ذهب إلى أبعد مما حققه نيوتن، ففي خلال برنامجه المضني لإعادة اكتشاف الكويكب سيريس قام باستخدام إحدى أهم وأقوى طريقتين رياضيتين لديه، طريقة المربعات الصغرى وتحويل فورييه السريع. ولأكثر من قرنين من الزمان ظلت هذه الطرق إحدى أهم أدوات العلم الأساسية.

البروفيسور الذي اجتنب التدريس:

توفي دوق برونزويك في عام 1806، وانتهى بدوره دعمه المالي لغاوس. في العام التالي قبل غاوس كرسي كلية الفلك في جوتنجن والذي شغله لبقية حياته. أخذ غاوس وظيفته الجديدة بجدية وأخذ يراقب سماء الليل عبر التلسكوب بانتظام، وفي حقيقة الأمر أنه استمتع جدًا بهذا العمل، وقام بعدة تحسينات عملية في آلات الرصد وأشرف على بناء موقع جديد للرصد.

وكان أحد أسباب قبوله بالوظيفة، أنها تشتمل على أقل زمن لواجب التدريس، وقد عبر عن عدم ارتياحه لمهنة التدريس لأحد أصدقائه في إحدى رسائله قائلًا: «لدي نفور حقيقي لمهنة التدريس، إن الوظيفة الدائمة لبروفيسور الرياضيات هي في أن يعلم أبجديات علمه فقط، إن استمرار البروفيسور في هذه المهنة غير المشكور عليها هو استنزاف لوقته الثمين».

ولم يكن الطلاب في جونتجن الأمر الوحيد الذي جعل غاوس يتجنب التدريس، بل أن أهم أعماله مثل التحقيقات الحسابية لم يكن بالإمكان فهمها ومتابعتها إلّا من أفضل الرياضيين، وكتب قائلًا وملمحًا لمصدر أفكاره: «عندما ينتهي المعماري من بناء جميل فإنه يقوم بإزالة السقالات».

الطلاب النجباء:

في سنواته اللاحقة، بدأ غاوس بالاستمتاع بمهنة تدريس الطلاب، ليس لأن نظرته قد تغيرت نحو الأمر، وإنما لتحسن مستوى الطلاب. ولم تكن الأبجديات فقط هي ما يدرّسها. كان وجوده في جوتنجن مثل المغناطيس الذي يجذب صفوة الطلبة للدراسة فيها، من أمثال بيرنهارد ريمان وريتشارد ديديكايند. حينها أصبحت جوتنجن مركزًا للرياضيات، ليس في ألمانيا فحسب وإنما في العالم أجمع. قال ريتشارد ديديكايند عام 1901: «يبدو لنا أن غاوس بدأ يُظهر ابتهاجًا بالتدريس حاليًا، رغم عدم اكتراثه بالأمر مسبقًا».

علم الفلك والرياضيات والفيزياء:

كان منهج غاوس في إصدار المقالات العملية يوصف بأنه قليل الإنتاج ولكنه ناضج. كان غاوس يحب الكمال، وكان ينشر فقط تلك الأعمال التي يؤمن بأنها خالية تمامًا من الأخطاء. ولهذا كان هناك العديد من الاكتشافات العلمية التي بقيت دون نشر حتى بعد وفاته. وفي أعوامه الأولى كبروفيسور، قام بنشر مقالات تتضمن المتواليات والتكامل والإحصاء.

كما بدأ بجدية تامة بالعمل على نظرية الاحتمالات وحل المعادلات التفاضلية الجزئية، تلك المعادلات التي حملت تطبيقات مهمة في الفيزياء كالمغنطة والجاذبية.

في عام 1809 قام بنشر مجلدين مهمين عن عمله في حركة الأجسام الثقيلة تحت اسم “نظرية الحركة للأجسام السماوية”.

اختراع مرقاب الشمس:

اخترع غاوس جهاز مراقبة الشمس (Heliotrope) في عام 1821، وأصبح مشاركًا في مسح الأرض وصنع الخرائط، ورأى أهمية تسجيل المسافات البعيدة بين موقعين بدقة عالية. كان جهاز مراقبة الشمس عبارة عن مرأة تقوم بعكس أشعة الشمس لمسافات بعيدة جدًا. وكانت سلبيته هي في محدودية استخدامه في أوقات سطوع الشمس فقط.

الجدال مع الأغبياء هو مضيعة للوقت:

في سنوات شبابه، أدرك غاوس أنه لا يمكنه الاستمرار في غمر عقله بالأفكار الرياضية، ولذلك كان يفضل عدم نشر بعض الأعمال التي يعتقد أنها سابقة لزمنه، مثل الهندسة اللااقليدسية. وذكر غاوس حينها أنه لا يريد أن يهدر وقته الثمين في جدال عقيم مع أناس لا يمكنهم فهم عمله بشكل تام.

الكهربائية والمغنطة:

في عام 1831، قام غاوس بتطبيق نظرية الاحتمالات الرياضية في الواقع. وساعد غاوس عالم الرياضيات البالغ من العمر 54 عامًا الفيزيائي ويلهام ويبر البالغ من العمر 27 عامًا في الحصول على مقعد في الفيزياء في جامعة جوتنجن. وعملا معًا بعد ذلك في علوم الكهرباء والمغنطة.

المجال المغناطيسي والنظام الدولي للوحدات:

في عام 1832 وبمساعدة من ويبر، قام غاوس بتجارب مكّنته من تحديد المجال المغناطيسي للأرض، مستخدمًا وحدات الملميتير والجرام والثواني. بمعنى آخر قام غاوس بإظهار أن المجال المغناطيسي للأرض يمكن تحديده باستخدام أبعاد ميكانيكية صرفة، وهي الكتلة والطول والزمن. العمل الذي أعطى الدافع الأقوى لاستخدام النظام الدولي للوحدات.

التيليغراف:
قام غاوس وويبر باختراع أول نظام تيليغراف في العالم في عام 1833، كما ابتكرا أيضًا شيفرة تقوم على الأبجدية الثنائية، تمكّنا من خلالها من التواصل بين مبنى الفيزياء الذي يعمل فيه ويبر والمرصد الذي يعمل فيه غاوس، ويبعدان عن بعضهما بمسافة تقدر بميل ونص (كيلومترين ونصف). في عام 1835 تم تثبيت أول خطوط للتيليغراف بالقرب من سكة الحديد الألمانية.

قانون كرتشوف للدائرة الكهربائية:

وفي عام 1833 أيضًا، اكتشف الاثنان كيفية توزيع الجهد والتيار في فروع الدوائر الكهربائية: الجهد يخضع لقانون حفظ الطاقة والتيار يخضع لقانون حفظ الشحنة. أعاد جوستاف كيرتشوف اكتشاف تلك القوانين في عام 1845 التي تحمل اسمه.

قانونا غاوس في المجال المغناطيسي والكهربائي:

استخدم غاوس ترسانته الرياضية المعرفية الهائلة لتحليل سلوك المجال المغناطيسي والكهربائي، وباستخدام نظرية الانحراف والتي ابتكرها بمعزل عن جوزيف لويس لاجرنج، قام بصياغة قانونا غاوس في عام 1835.

• قانون غاوس للكهربائية، والذي نسب فيه التيار الكهربائي إلى توزيع الشحنات الكهربائية التي تسببه.
• وقانون غاوس للمغنطة، والذي نفى فيه وجود أحادية الأقطاب.
كتب هذان القانونان بصيغتهما الرياضية، ويحويان معادلاتان من أربع معادلات تستخدم في جمع المجال المغناطيسي والكهربائي في مجال كهرومغناطيسي واحد. هذا الدمج في المجالين تم إنجازه على يد جيمس كلارك ماكسويل في عام 1864. قال جيمس كلارك ماكسويل، في رسالة عن الكهربائية والمغنطة نشرها عام 1873: «قام غاوس بإعادة بناء علم المغنطة بناءً على طرق الملاحظة والأدوات المستخدمة، بالإضافة إلى حساب النتائج».
.

نتظر فهناك الكثير:

يلزمنا كتاب كامل لتوثيق كل اسهامات غاوس في علوم الرياضيات والفيزياء، فهناك الكثير مما ينسب إلى غاوس من إنجازات تفوق ما تم ذكره آنفًا، على سبيل المثال:
• مكّنته قدرته الحسابية الهائلة من إيجاد أنماط في الأعداد بسهولة أكبر من باقي الرياضيين، مكنته من اكتشاف نظرية الأعداد الأولية وهو لايزال في طور المراهقة، وكما كانت عادته لم يقم بنشر هذا الاكتشاف.
• منحنى التوزيع الطبيعي أو منحنى الجرس، والذي سمي التوزيع الغاوسي نسبة إليه.
• وعلى الرغم من أنه لم يكن أول من استخدم الأعداد المركبة؛ إلّا أنه هو من سمّى الأرقام التخيلية، وقام أيضًا بتسمية وتحديد الأعداد المركبة، وقام بتثبيت نظام الترميز الحديث، وقام بتطبيق استخدام الأعداد المركبة لحل المعضلات الرياضية في العلوم.
• قام غاوس أيضًا بفتح مجال الهندسة التفاضلية، ونشر رسالة عنها قام فيها بربط علاقة السطوح المنحنية بالمسافات والزوايا.
• أصبح كساحر في مجال المال بعد أن قبل وظيفة عمومية لإدراة صندوق جوتنجن للأرامل، وبسبب عبقريته المالية أصبح ثريًا، وترك أملاكًا تساوي مائتي ضعف دخله السنوي، ولتقدير ذلك مع القيمة المالية في عصرنا هذا يمكن القول بأن خمسين ألف دولار في ذلك الوقت تساوي ما مقداره عشرة ملايين على وجه التقريب.

تفاصيل حياته الشخصية ووفاته:

نمط الحياة:
وُصف غاوس بالإنسان ذو الفطرة الطيبة، وعاش حياة بسيطة رغم الثروة التي جمعها. كان يكره السفر، وبعد عمله في كلية الفلك غادر جوتنجن مرة واحدة فقط خلال 48 عامًا، وذلك لحضور مؤتمر في برلين.

كان محبا للأدب وجمع الحقائق، وكان إدمانه الوحيد هو جمع الكتب، حيث جمع في مكتبته الشخصية ما يقارب من ستة آلاف كتاب، مكتوبة بلغات أتقنها مثل الانجليزية والفرنسية واليونانية والهولندية واللاتينية والروسية، بالإضافة إلى لغته الأم الألمانية.

العائلة:

تزوج غاوس مرتين. في أكتوبر من عام 1805 عندما بلغ الثامنة والعشرون، تزوج من جوانا اوستهوف، أنجبا ثلاثة أطفال: جوزيف والذي أصبح ضابطًا في الجيش، و ويلهيلما التي تزوجت رجلًا أكاديميًا، ولويس الذي توفى قبل أن يتجاوز الخمسة أشهر من عمره. ومما يدعو للأسف أن جوانا توفيت في أكتوبر من عام 1809 بعد شهر من ولادة ابنهما لويس.

في أكتوبر من عام 1810 تزوج غاوس من أقرب صديقات جوانا وهي ويلهيلما. أنجبا ثلاثة أطفال: يوجين وويلهام اللذان أصبحا رجلا أعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، وثيريس والتي اعتنت بوالدها حتى وفاته وتزوجت بعد ذلك بأحد الفنانين.
النصب التذكاري والدماغ المخلل!

توفي كارل فريدريك غاوس بسلام أثناء نومه في جوتنجن في 23 من فبراير من عام 1855. كان حينها في 77 من عمره. ودُفن جثمانه بدون الدماغ في مقبرة البانيفريدهوف في جونتجن القريبة من الجامعة. تم حفظ الدماغ في قسم علم وظائف الأعضاء، ولايزال هناك حتى اليوم.

حتى سنواته الأخيرة، ظل غاوس فخورًا بإنجاز شبابه في اكتشاف الشكل المضلع السباعي عشر، حتى أنه طلب أن يحفر هذا الشكل على شاهد قبره، تمامًا كما لارخميدس ذلك النقش على شاهد قبره والذي يمثل كرة بداخل أسطوانة.

وللأسف لم تتحقق أمنيته، فقد ذكر النحات أنه من الصعوبة بمكان نحت مثل هذا الشكل دون أن يبدو كدائرة. ولكن، وفي مسقط رأسه في مدينة برونزويك، ينتصب شاهد تكريمًا لذكرى غاوس، وفيه تم نحت الشكل المضلع السباعي عشر.


ترجمة: صقر محمد عبدالرحمن أسعد
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر