المركبة الفضائية كاسيني تكتشف أخاديد مملوءة بالسائل على القمر تيتان


لقد اكتشفت المركبة الفضائية كاسيني التابعة لوكالة ناسا على قمر تيتان التابع لكوكب زحل أخاديد عميقة وحادة الجوانب، مملوءة بالهيدروكربونات السائلة. ويُعد هذا الاكتشاف أول دليل مباشر على وجود قنوات مملوءة بسائل على القمر تيتان، كما أنه يُعد الرصد الأول لأخاديد يصل عمقها لمئات المترات.

تصف ورقة بحثية جديدة نُشرت بمجلة Geophysical Research Letters كيف حلل العلماء بيانات أخذت عن قرب بواسطة سفينة الفضاء كاسيني في العام 2013، في أثناء الطيران المنخفض، ركز جهاز رادار كاسيني على القنوات المُتفرعة من البحر الشمالي الكبير Ligeia Mare.

تُظهر مُلاحظات الرصد أن القنوات ــ خاصة شبكة قنوات تُسمى Vid Flumina ـــ هي أخاديد ضيقة بوجه عام، باتساع أقل من نصف ميل (أقل قليلًا من كيلو متر)، ذات منحدرات حادة بأكثر من 40 درجة. كما أنها عميقة جدًا ـــ بعمق يصل قياسه من 790 إلى 1,870 قدم (240 إلى 570 متر) من القاع حتى السطح.

تظهر القنوات المتفرعة في صور جهاز الرادار معتمة، وتُشبه كثيرًا بحار تيتان الغنية بالميثان، مما نبّه العلماء إلى أن تلك القنوات قد تكون مملوءة بسائل أيضًا، لكن الكشف المباشر لم يتم حتى الآن، لم يكن واضحا من قبل ما إذا كانت تلك المادة المعتمة سائلاً أم مجرد رواسب مُشبعة والتي قد تكون مكونة من الثلج وليس من الصخر في ظل درجات حرارة تيتان شديدة البرودة.

كثيرًا ما يُستخدم جهاز رادار كاسيني باعتباره مُصورًا، يوفر نافذة للتدقيق وإمعان النظر عبر الضباب الكثيف المحيط بتيتان للكشف عن السطح الذي أدناه، كما استخدم الرادار كمقياس ارتفاع يرسل نبضات موجات راديو لسطح القمر لقياس ارتفاع النتوء أو البروز هناك.

قد جمع الباحثون بيانات مقياس الارتفاع مع صور الرادار السابقة للمنطقة ليحصلوا على اكتشافهم.

كان المفتاح لفهم طبيعة تلك القنوات هو طريقة إشارة رادار كاسيني المنعكسة من القيعان والأسطح؛ لقد رصد جهاز الرادار بريقاً مما يشير إلى وجود سطح أملس للغاية كالأسطح التي لوحظت من بحار تيتان الهيدروكربونية. كما أن التوقيت الفاصل بين أصداء الرادار، المرتدة من حواف وأرضيات الأخاديد، قدم قياساً مباشراً لأعماق القنوات والقيعان.

يشير وجود مثل تلك الأخاديد العميقة إلى أن العملية التي أوجدتهم ـــ بغض النظر عن كنهِهاـــ كانت عملية نشطة لفترة طويلة من الزمن، أو أن عملية التعرية كانت أسرع منها في المناطق الأخرى على سطح تيتان.
تتضمن السيناريوهات المُقترحة من الباحثين حدوث بروز أو نتوء بالتضاريس أو تغيرات في مستوى سطح البحر أو ربما الاثنين معًا.
قال فاليريو بوجيالي من جامعة روما، مساعد فريق رادار كاسيني، ومؤلف رئيسي في الدراسة: “من المحتمل أن هذا المزيج من القوى قد ساهم في تكوين الأخاديد العميقة، لكن في الوقت الحاضر ليس واضحًا إلى أي درجة قد ساهم كل منهم في عملية التكوين.الواضح أن أي وصف للتطور الجيولوجي لتيتان يجب أن يصحبه قدرة على شرح كيفية تكون تلك الأخاديد هناك”.

توجد أمثلة أرضية لهذه الأنواع من عمليات نحت الأخاديد على طول نهر كولورادو في أريزونا. والأخدود العظيم هو مثال على البروز المحرك للتعرية، حيث أدى الارتفاع المتزايد للتضاريس إلى انشقاق الأخدود بعمق سحيق داخل سطح الأرض على مدى عدة ملايين من السنين.

أما عن تكون أخدود بفعل التغيرات في مستوى منسوب المياه، فبحيرة باول مثال على ذلك، فعندما يهبط منسوب المياة في الخزان، يزداد معدل التعرية.

قال أليكس هايز مساعد فريق رادار كاسيني في جامعة كورنيل، وإثاكا ونيويورك، ومؤلف مشارك في الدراسة: “الأرض دافئة وصخرية، وبها أنهار مائية، بينما تيتان بارد جليدي، وبه أنهار الميثان. ورغم ذلك من الرائع والجدير بالملاحظة وجود معالم متشابهة في كلا العالمين”.

بينما أظهرت بيانات مقياس الارتفاع أن السائل في بعض الأخاديد حول Ligeia Mare في متوسط مستوى سطح البحر، وكذلك الأمر بالنسبة للسائل في البحر نفسه، وأعلى بعشرات إلى مئات الأقدام (عشرات الأمتار) في بعض الأخاديد الأخرى. فسر الباحثون أن الأخيرة هي روافد تصب في القنوات الرئيسية الأدنى.

خلال العمل المستقبلي، سوف تمتد الطرق المستخدمة في هذه الدراسة لتشمل كل القنوات الأخرى التي قد رصدها مقياس ارتفاع رادار كاسيني على تيتان.

يتوقع الباحثون أن عملهم المستمر سيمنحهم فهمًا شاملًا للقوى التي قد شكلت المنظر الطبيعي أو طبيعة تضاريس وسطح القمر تيتان.


ترجمة:  نهى سليمان
تدقيق: يسر شيشكلي
المصدر