في بحث جديد قام به علماء ألمان اكتشفوا فيه أن أدمغتنا تحصل على السكر من خلال مجرى الدم، وبهذا فهم قد عملوا على دحض الافتراض السائد في أن هذه العملية هي أمر عشوائي بحت.

تأثير السكر على الدماغ وامتصاصه من الخلايا الدبقية

وبشكل مدهش، وجد العلماء أن المسؤول عن امتصاص كل تلك الكمية من السكر ليست الخلايا العصبية وحدها وإنما بالإضافة إلى خلايا الدبق العصبي أيضًا!

الخلايا الدبقية هي: خلايا متفرعة كبيرة نسبيًا تتواجد في النسيج الضام للجهاز العصبي وتعتبر من أنواع الخلايا الدماغية، وتشكل ما يقارب 90% من مجموع خلايا الدماغ، وهي غير قادرة على تشكيل أو نقل السيالات العصبية.
البحث لا يتعامل فقط مع الفكرة السائدة حول كيفية تعاطي الدماغ مع السكر، بل أنه يظهر أيضًا الدور الفعال للخلايا الأخرى غير العصبية وقدرتها على التحكم بسلوكنا.

تعتبر الخلايا النجمية شكلًا متخصصًا للخلايا الدبقية ويفوق عددها عدد الخلايا العصبية بأكثر من خمسة أضعاف!
وقد ساد الاعتقاد لفترة طويلة بأن وظيفة تلك الخلايا تكاد تقتصر على كونها مجرد “خلايا داعمة” تساعد في الحفاظ على الحاجز الدماغي الدموي، وصيانته باستمرار، وحمل المواد المغذية إلى الأنسجة العصبية، وكونها تلعب دورًا هامًا في ترميم وملء فراغات النسيج العصبي في الدماغ والنخاع الشوكي الناتجة عن التهدم الطبيعي للأنسجة العصبية.
ولكننا الآن نملك أدلة على كونها تلعب دورًا فيما يخص سلوك التغذية لدينا، إذ وجد الباحثون بأن قدرتها على الشعور والتعاطي بنشاط مع السكر يعمل على تنظيم أنواع الإشارات المرتبطة بالشهية التي يرسلها الدماغ إلى باقي أجزاء الجسم، ولكننا هنا لا نتحدث عن كميات ضئيلة من السكر، حيث أن الدماغ يستهلك كمية من السكر أكثر من أي جهاز آخر في الجسم!

يوضح المسؤول عن الدراسة Matthias Tschöp”” من الجامعة التقنية في ميونخ:
“لقد أظهرت نتائجنا ولأول مرة أن عمليات الأيض (استقلاب الغذاء) والعمليات السلوكية لا تنظم فقط عن طريق الخلايا العصبية وحدها، بل أن أنواعًا أخرى من الخلايا في الدماغ مثل الخلايا النجمية تلعب دورًا حاسمًا حيال الأمر”
ويضيف: “يمثل هذا نقلة نوعية يمكن أن تساعد في فهم التساؤل حول سبب صعوبة إيجاد أدوية فعالة بشكلٍ كافٍ لمعالجة أمراض السمنة والسكري علينا”
قرر Tschöp وفريقه دراسة كيفية تعاطي الدماغ مع السكر، وكيف يقرر الدماغ الكمية الواجب أخذها، حيث أن الأمر يتعلق بشكل مباشر بإحساسنا بالجوع.
إن الفهم الأفضل لكيفية شعورنا بالجوع يمكنه إحداث تغيير فاعل في مجتمعنا الحديث، إذ أوضحت التقديرات التي ظهرت مؤخراً بأن عدد الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة حول العالم يتعدى عدد الأشخاص الذين يعانون من نقصان الوزن.

تقول عالمة الأعصاب وأحد أعضاء الفريق العلمي كريستينا غارسيا-كاسيريس:
“نحن نظن أن عملية مهمة كتزويد الدماغ بحاجته من السكر من غير المرجح أن تكون عشوائية بشكل كامل”
وتضيف: “لقد كنا نظن في السابق أن الخلايا العصبية على ما يبدو لا تتحكم في هذه العملية، وبالتالي كنا نعتقد أنها تتم بشكل عشوائي، ولكننا الآن نعتقد بأن خلايا الدبق النجمية والتي كنا نظن ولفترة طويلة أنها فقط مجرد “خلايا داعمة” لديها دور آخر يتعلق بعملية نقل السكر إلى الدماغ”.
استخدم الفريق تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) لمراقبة كيف تتصرف مستقبلات الأنسولين الموجودة على سطح الخلايا النجمية في الدماغ.

الأنسولين: هو هرمون يفرزه البنكرياس للسماح بالجسم بتخزين واستهلاك السكر (بشكل غلوكوز) من الكربوهيدرات المستمدة من الأطعمة التي نتناولها.
ووجد الباحثون أنه في حال حدوث فقدان لهذه المستقبلات في بعض الخلايا النجمية، فإن ذلك سيحد من نشاط الخلايا العصبية المسؤولة عن ضبط امتصاص المواد الغذائية والتي تدعى proopiomelanocortin.
ليس ذلك فحسب، ولكنهم وجدوا أيضًا أن الفقدان المستمر في تعداد مستقبلات الأنسولين في خلايا الدبق النجمية يجعلها أقل فعالية بأداء عملها في نقل الغلوكوز إلى الدماغ، خاصة في منطقة ما تحت المهاد (الهيبوثالاموس) التي ترسل الإشارات التي تُظهر فيما إن كُنت في حالة من الجوع أو الشبع.
لذلك فإن الخلايا الدبقية -وليست العصبية-تعتبر البوابة التي تتحكم بكمية السكر التي يمتصها الدماغ، إذ أصبحنا نعلم الآن التأثير القوي للسكر على هذا النوع من الخلايا، حيث أنها تعمل على ضبط ارتشاف السكر وليس فقط امتصاصه بشكل عشوائي، كما يفتح لنا الفهم الأفضل لطريقة عمل هذه الخلايا آفاقًا جديدة لكيفية تعاملنا مع السمنة في المستقبل.

وقد أشار الفريق أيضًا إلى الحاجة لمزيد من البحث لضبط النموذج القديم الذي يفترض بأن الخلايا العصبية وحدها تعمل على تنظيم عملية امتصاص الغذاء واستقلابه، كما يشيرون إلى أنه ربما يكون للخلايا المناعية دورًا في ذلك أيضًا.
تقول غارسيا-كاسيريس : “هنالك الكثير من العمل أمامنا ولكن على الأقل لدينا فكرة أفضل لننظر من خلالها”.


ترجمة: علي شعبان
تدقيق: يسر شيشكلي
المصدر