القانون الثالث للديناميكا الحرارية


يهتم القانون الثالث للديناميكا الحرارية فقط بسلوك الأنظمة التي تقترب درجة حرارتها من الصفر المطلق. تستخدم معظم حسابات علم الديناميكا الحرارية الإنتروبيةَ فقط، وهي مقدارٌ فيزيائيٌ لوغاريتميٌ يعبر عن كميةِ الطاقة الحرارية التي لا تقوم بعمل. لذلك فإن نقطة الصفر على مقياس الإنتروبية ليست مهمةً غالبًا. إلا أننا سنناقش القانون الثالث لأغراضٍ تكميليةٍ، وهي توصيف شرط الصفر إنتروبيًا.

ينص القانون الثالث على: «تساوي إنتروبية البلورة النقية الصفر عندما تساوي درجة حرارة البلورة الصفر المطلق (0 كلفن)». وفقًا لجامعة برودو، يجب أن تكون البلورة نقيةً خاليةً من الشوائب وإلا سيكون هناك اضطراب متأصل. كما لا بد أن تكون البلورة عند درجة حرارة الصفر كلفن وإلا سيكون هناك طاقةٌ حراريةٌ في البلورة، مما يؤدي إلى اضطراب فيها.

تعرض سيبال ميترا Siabal Mitra أستاذة جامعية في الفيزياء في جامعة ميسوري Missouri State University نتيجةً أخرى للقانون: «تنص إحدى نسخ القانون الثالث لديناميكا الحرارية على أنَّنا نحتاج عددً لا متناهيًا من الخطوات للوصول الى حالة الصفر المطلق، مما يعني أنّ الوصول إلى هذه الحالة مستحيل. يُعدُّ الوصول لدرجة حرارة الصفر المطلق خرقًا للقانون الثاني للديناميكا الحرارية؛ إذا كان لديك حوضٌ درجة حرارته صفرٌ مطلقٌ فإنّك تستطيع أن تصنع آلة تعمل بكفاءةٍ مطلقة».

نظريًا، يمكنك إنتاج بلورةٍ مثاليةٍ؛ وفيها تكون كل الفراغات البلورية مشغولةً بذراتٍ متماثلةٍ. ولكن يعتقد أنَّه من المستحيل الوصول لدرجة حرارة الصفر المطلق (على الرغم من أنَّ العلماء اقتربوا منها كثيرًا). وبالتالي فإنَّ كل مادةُ تحتوي على الأقل على بعض الإنتروبية بسبب امتلاكها بعض الطاقة الحرارية.

تاريخ القانون الثالث:

صاغَ عالم الكيمياء والفيزياء الالماني فالتر نيرنست Walther Nernst القانون الثالث للديناميكا الحرارية للمرة الأولى:
«يستحيل لأي إجراء أن يؤدي إلى الوصول إلى isotherm-أيزوثرم T=0 بعددٍ منتهٍ من الخطوات». والأيزوثرم هو خط يعبر عن ثبات درجات الحرارة في الجداول او الرسوم البيانية.

بشكلٍ أساسيٍ، هذا يعني أنَّ الوصول لدرجة حرارة الصفر المطلق غير ممكن بطريقةٍ مشابهةٍ لعدم إمكانية الوصول لسرعة الضوء. إذ تنص النظريات وتظهر التجارب أنّه مهما كان الجسم يتحرك بسرعة فمن الممكن زيادة سرعته، و لكن من المستحيل أن يبلغ سرعة الضوء. وعلى غرار ذلك، مهما كان الجسم باردًا يمكننا أن نزيد برودته ولكن من المستحيل الوصول لدرجة حرارة الصفر المطلق.

في كتابها «قصة الفيزياء The Story of Physics»، كتبت آن روني Anne Rooney: «يتطلب القانون الثالث للديناميكا الحرارية مفهوم وجود درجة حرارة دنيا لا يمكن تخطيها، وهي ما نعرفه باسم الصفر المطلق». ويعتقد أنَّ أول من قام بحساب درجة حرارة الصفر المطلق الصفر بدقة معقولة هو يوهان هاينريش لامبرت Johann Heinrich Lambertفي عام 1779م.

إذ اعتمد في حساباته على العلاقة الخطية بين ضغط الغاز ودرجة حرارته. عندما يسخن غاز ما داخل وعاء مغلق فإن ضغطه يزداد، وذلك لأنَّ درجة حرارة الغاز هي مقياسٍ لمتوسط سرعه جزيئاته.

وعندما نرفع درجة حرارة الغاز تزداد سرعة حركة جزيئاته، وبالتالي يزداد الضغط الذي تمارسه هذه الجزيئات عند اصطدامها بجدارن الوعاء. لذا كان من المنطقي أن يفترض العالم لامبارت أنه إن كان من الممكن إيصال درجة حرارة الغاز للصفر مطلق، فإنه من الممكن إيقاف جزيئاته عن الحركة تمامًا وعندها لا تمارس هذه الجزيئات أي ضغطٍ على جدران الوعاء.

إذا رسمنا خطًا بيانيًا يبين العلافة بين ضغط الغاز ودرجة حرارته فإن النقاط تشكل خطًا مستقيمًا مائلًا نحو الأمام، مما يشير إلى وجود علاقة خطية بين ضغط الغاز ودرجة حرارته. وبكل بساطة نمدد الخط نحو الوراء حتى يتقاطع مع المحور الإحداثي الممثل لدرجة الحرارة (حيث يكون الضغط صفرًا) ونقرأ درجة الحرارة في تلك النقطة، درجة الحرارة هذه هي درجة الصفر المطلق.

وهذا هو ما فعله لامبارت بالضبط، فباستخدام هذه التقنية وجد لامبارت أنَّ درجة الصفر المطلق -270 درجة مئوية، وهي قيمة قريبة على بشكل لافتٍ للنظر من القيمة معترف بها في العصر الحديث وهي -273.15 درجة مئوية.

مقياس درجة حرارة كلفن:

وليام طومسون، المعروف باسم لورد كلفن، هو الشخص الاكثر ارتباطًا بمفهوم الصفر المطلق. فواحدة قياس درجة الحرارة الكلفن (K)، التي سميت باسمه، هي أكثر وحدات قياس درجة الحرارة استخدامًا من قبل العلماء في كل أنحاء العالم. يساوي حجم تدريجات درجة الحرارة في مقياس الكلفن حجم مثيلاتها في المقياس المئوي. ولكن ما يميز مقياس كلفن أنّه يبدء من الصفر المطلق وليس من درجة حرارة تجمد الماء، ولذلك يمكن استخدامها مباشرةً في الحسابات الرياضية.

استخدامات القانون الثالث:

بما أنَّه لا يمكن الوصول لدرجة الصفر المطلق فيزيائيا، أُعيدت صياغة القانون الثالث ليناسب العالم الحقيقي: «تقترب إنتروبية البلورة النقية من الصفر عند اقتراب درجة حرارتها من درجة حرارة الصفر المطلق». نستطيع أن نسنتبط من البيانات التجريبية أنَّ إنتروبية البلورة النقية تصل للصفر عندما تصل تبلغ درجة حرارتها الصفر المطلق، ولكن لا يمكننا أن نتأكد من هذا تجريبيًا.
أقل درجة حرارة تمكن العلماء من الوصول إليها هي 100pK والبيكو كلفن يساوي (pK =, 10−12 K).

على الرغم من أن درجة الصفر المطلق غير موجودة في الطبيعة ولا يمكن الوصول إليها في المختبرات فأن مفهوم الصفر المطلق ضروريٌ للحسابات التي تتضمن درجات الحرارة والإنتروبية. فالعديد من نُظم القياس تقتضي الربط بنقطة بدايةٍ ما.

فعندما نحسب مسافةً، نسأل أنفسنا مسافةً من ماذا. وعندما نحسب زمنًا، علينا أن نسأل أنفسنا، زمنًا منذ متى؟ وهكذا فإن تحديد نقطة الصفر على مقياس درجة الحرارة يعطي معنىً للقيم الموجبة على هذا المقياس.
.
للوهلة الأولى، يبدو القانون الثالث بسيطًا وواضحًا نوعًا ما. إلا أنّه يمثل الفقرة الأخيرة في القصة الطويلة المترابطة التي تصف الحرارة والطاقة الحرارية بشكلٍ كاملٍ..


ترجمة: هنا الحربي
التدقيق: سامي الهلالي
المصدر