الجهاز المناعي «وظائف ومكونات»


هل تساءلتم يومًا عن القاسم المشترك بين الحكَّة الجلديَّة والربو والتهاب الجروح والحمَّى وغيرها الكثير من الأعراض؟ في الحقيقة نعم هناك قاسم مشترك بين كل هذه الأعراض ألا وهو جهازنا المناعي الذي يُمثِّل الخطوط الدفاعيَّة في أجسادنا للتخلص من الأجسام والجزيئات الغريبة غير المُرحب بها والتي تُعرف بـ (المستضدات- Antigens)، نظرًا لتحفيزها الاستجابة المناعيَّة في الجسم، فبعضها غير مُضر كحبوب الطلع والبعض الآخر ضار كالسموم والفيروسات والبكتيريا والطفيليات، وتتمثل الاستجابة المناعيَّة لهذه المُستضدات بآليات دفاعيَّة مختلفة تمتلكها معظم الكائنات الحيَّة، قد تكون بسيطة وبدائيَّة كما في البكتيريا أو معقدة ومتعددة التراكيب كما هو الحال في الجهاز المناعي للحيوانات الفقريَّة.

فهناك ما يُقارب 1600 موروث (أو جين) لدى الإنسان يتحكَّم في عمليات تطور الجهاز المناعي منذ المراحل الجنينيَّة المبكرة حيث تنشأ الأعضاء المسؤولة عن توليد المكونات المناعيَّة فنولد غير مستعدين بشكل تام للدفاع عن أنفسنا، ثم مع احتكاكنا بالبيئة من حولنا نتعرض للكثير من العوامل التي تُحفِّز استجابتنا المناعيَّة ليُصبح جهازنا المناعي ناضجًا في مرحلة الشباب واكتمال النمو، ويضعُف مرة أخرى مع مرورنا بمرحلة الشيخوخة.

ويتكوَّن الجهاز المناعي من مجموعة من الأعضاء والخلايا والمواد الكيميائيَّة، تُشارك جميعها في الحفاظ على صحتنا وتخليصنا من المُمْرِضَات. وتنقسم هذه الأعضاء إلى نوعين يُعرفان بالأعضاء اللمفاويَّة الأوليَّة وتشمل نخاع العظم والغدة الزعتريَّة، فيما يُعرف النوع الثاني بالأعضاء اللمفاويَّة الثانويَّة وهي مجموعة من الأنسجة والأوعية اللمفاويَّة المُنتشرة في الجسم والتي تتمركز فيها المُستضدات لتتعرَّف عليها الخلايا المناعيَّة وتُهاجمها فيما بعد، كالعُــقــد اللمفاويَّة واللوزتين والطحال والأنسجة اللمفاويَّة الغشائيَّة «وهي أنسجة لمفاويَّة مُرتبطة بالأغشية المخاطيَّة المُبطِّنة للجهاز الهضمي والبولي والتناسلي وغيرها».

كما يمكن تقسيم الجهاز المناعي من الناحية التخصصيَّة إلى:

• (الجهاز المناعي الفطري أو الطبيعي- Innate immune system)، ويُمثِّل مجموعة الآليات الدفاعيَّة الأوليَّة غير المُتخصِّصة التي تتفاعل مع المُستضد مباشرةً أو بعد ساعات قليلة من دخوله للجسم، كالحواجز الفيزيائيَّة المُتمثلة بالخلايا الطلائيَّة في الجلد، والمواد الكيميائيَّة في الدم، والخلايا الدفاعيَّة كـ (الخلايا البلعميَّة- Phagocytic cells).

• (الجهاز المناعي المُكتَسب- Adaptive immune system)، والذي يُعتبر الخطوة الثانية بعد الاستجابة المناعيَّة الفطريَّة، ويتمثَّل بسلسلة معقدة من الخطوات الدفاعيَّة التي تستغرق وقتًا أطول في العادة، ويمتاز بتخصُّصه لمُستضد معين، ويُقدِّم دعمًا طويل الأمد ضد هذا المُستضد ضمن ما يُعرف بـ (الذاكرة المناعيَّة- Immunological memory). ويتكُّون بصورة عامة من نوعين من الخلايا اللمفاويَّة هما: الخلايا اللمفاويَّة «B»، والخلايا اللمفاويَّة «T».

أما الاستجابة المناعيَّة فتنقسم إلى: (الاستجابة المناعيَّة الخلطيَّة- Humoral Immune response)، والتي تعتمد على مجموعة من المركبات الكيميائيَّة الدفاعيَّة المتواجدة في مجرى الدم والمُستعدة للارتباط بالمُستضدات كـ (الأجسام المُضادة- Antibodies) و(مجموعة البروتينات المُتمِّمة- Complement proteins) والتي تلعب دورًا فعالًا في تدمير العوامل المرضيَّة، كما تُعتبر الحلقة الرابطة بين الجهاز المناعي الفطري والجهاز المناعي المُكتَسب. و(الاستجابة المناعيَّة الخلويَّة- Cellular Immune response)، والتي تُمثِّل مجموعة كبيرة من الخلايا المتخصِّصة لمحاربة الأجسام الدخيلة والتخلص منها.

وبهذا يمكننا ملاحظة أهميَّة الجهاز المناعي في حياتنا وعدم قدرتنا عن الاستغناء عنه، فهناك الكثير من الجراثيم التي ستغزو أجسامنا دون أن يردعها شيء، ولكن أحيانًا يحتاج بعض الأشخاص إلى كبح نشاط جهازهم المناعي وذلك لعدة أسباب بعضها يتعلق بعمليات زراعة الأعضاء، فيقوم الجسم بمهاجمة العضو المنقول حديثًا كجسم غريب، أو عدم مقدرة الجهاز المناعي على التفريق بين خلايا الجسم والأجسام الغريبة فيقوم بمهاجمتها فيما يُعرف بــ (أمراض المناعة الذاتيَّة- Autoimmune disorders)، والتي سنقوم بشرحها بشكل أوسع مستقبلًا في أعداد أخرى من سلسلة علم المناعة.


إعداد: مصطفى الشوك
تدقيق: هبة فارس
المصادر:
الأعضاء المكونة للجهاز المناعي
تطور الجهاز المناعي مع التقدم في العمر وعدد الجينات المسؤولة عن تطوره
الجهاز المناعي الفطري والمُكتَسب
الاستجابة المناعيَّة الخلطيَّة والخلويَّة
دور البروتينات المُتمِّمة