انظر من حولك, لعلك ترى العديد من الأشياء والمنتجات تحيط بك, ولكن السؤال هنا: من أين أتت كل هذه الأشياء؟ من صنعها؟ ولماذا؟ الإجابة ببساطة هي: الأسواق.

إذا الأسواق كتعريف هي أي مكان يلتقي فيه المشترون والبائعون لتبادل البضائع والخدمات, المفتاح للأسواق هو مفهوم التبادل الطوعي, ألا وهو أن المشترين والبائعين قرروا التبادل بإرادتهم, لنفترض أنك ذهبت لسوق مزارع وقررت أن تشتري صندوقا من الفراولة بقيمة 3$, أنت بذلك تقر بأن قيمة صندوق الفراولة هذا بالنسبة لك تفوق قيمة الثلاث دولارات التي قدمتها للبائع كثمن له, البائع من جهة أخرى يثمن الثلاث دولارات أكثر من صندوق الفراولة.

إذا نستطيع أن نقول أن كليكما راضيان عن هذا التبادل، فهذا ببساطة ما يدعى بمفهوم التبادل الطوعي, إن هذه العملية يتكرر حدوثها في سوق العمل أيضاً.

لنفترض أنك بدل أن تشتري الفراولة من المزارع، اشتريتها من محل تجاري في المدينة, المحاسب الذي يعمل في هذا المحل اختار طوعيًا أن يعمل فيه, فهو يثمن الراتب الذي يتقاضاه أكثر من جلوسه في المنزل ومشاهدته التلفاز, وفي نفس الوقت، يثمن مالك المحل التجاري عمل الموظف أكثر من الراتب الذي يقدمه له.

وهكذا تتكرر العملية ونحن نصعد سلسلة الإنتاج، من السائق الذي أوصل الفراولة، إلى المزارع الذي زرعها، إلى الآلات الزراعية التي اشتراها المزارع, النقطة هنا أن الأسواق تتواجد في كل مكان, وهي تعتمد بشكل أساسي على التبادل الطوعي.

معظم الناس يسلمون جدلا بجزء مهم من هذه العملية هنا، وهو مقدار كفاءة هذه النظام, تبين لنا بأن الأسواق المتنافسة جيدة جدا في عملية تخصيص وتوزيع مواردنا المحدودة نحو الاستخدام الأكثر كفاءة لها, دعونا نناقش حالتين هنا:

لنفترض بأن المزارعين قد أنتجوا الكثير من الفراولة، بهذا سيتناقص السعر في الوقت الذي يحاول فيه البائعون أن يبيعوا الفراولة التي أنتجوها, الأسعار المنخفضة تعني ربحا أقل لمزارعي الفراولة، مما يجعل المزارعين يمتلكون حافزا لإنتاج شيء آخر كالخس أو البطيخ.

أما إذا لم ينتج المزارع كمية كافية من الفراولة، سيتنافس المشترون على المنتج، مما يجعل الأسعار ترتفع، والمزارعون بهذا لن يمتلكوا الحافز لإنتاج المزيد، الأمر الذي سيقود الأسعار إلى الانخفاض, يبدو الأمر كأنه سحر, ولكن لا!

يدعوا الاقتصاديون المعلومات التي يولدها السوق لتوجيه عملية توزيع الموارد بإشارات السعر, تحفز الأسواق أيضا عملية إنتاج بضائع ذات جودة عالية, إذا كانت الفراولة بنية وفاسدة فلن يرغب احد بشرائها, إذا, النتيجة النهائية للتبادل الطوعي هي بأن البائعين لن يستطيعوا تحسين أحوالهم من دون إنتاج بضائع تحسن من أحوال المشترين.

تخيل الأعمال، ولا سيما المؤسسات الكبيرة، على أنها منشآت طماعة من دون قلب، تعمل على استغلال المستهلكين، ولكن إذا أزلنا الستار عما يجري في الأسواق، ومنحنا المشترين حرية الإختيار، لن تتمكن الأعمال بهذا أن تحصل على فائدة من الناس.

من الواضح أن الخداع والطمع يحدثان في الحياة الواقعية، وأن هنالك مواقف حيث المستهلك لا يمتلك أي خيار، ولكن في معظم الاحيان، إذا لم تعجبك سياسات ومواقف شركة ما, ببساطة لا تتسوق منها.

بعد كل هذا, في السوق الحر, كل دولار يتم إنفاقه يشير إلى المنتجين ما يجب إنتاجه وكيف يجب إنتاجه.

إذا نحن أكدنا هنا بأن الأسعار والأرباح هي التي تحدد توجه استغلال الموارد, لكن من أين تأتي الأسعار؟ من يقوم بتحديدها؟ ببساطة هي عملية العرض والطلب.

لاحظ هنا مخطط العرض والطلب, على محور العينات لدينا السعر وعلى محور السينات لدينا الكمية, لنبدأ بالنظر إلى المشترين وكيف يستجيبون إلى التغير في السعر, إذا ارتفع سعر المنتج وليكن الفراولة، فتبعا لمستقيم الطلب سيشتري الناس فراولة أقل, أما إذا انخفض سعر الفراولة، فسيشتري الناس فراولة أكثر, يدعى هذا بقانون الطلب.

الآن دعونا نفكر بالبائعين كالمزارع في سوق المزارعين, إذا ارتفع السعر، فتبعا لمستقيم العرض, سيتمكن المزارع من صنع ربح أكبر, أي سيمتلك الحافز لإنتاج فراولة أكثر, أما إذا انخفض السعر, لن يريد المزارع إنتاج المزيد من الفراولة, يدعى هذا بقانون العرض.

الآن دعونا ننظر إلى كل من الطلب والعرض معاً, إذا كان السعر مرتفعاً, سيريد البائعون إنتاج المزيد من الفراولة، ولكن لن يرغب المشترون بشرائها, يدعى عدم التطابق هذا بالفائض.

أما إذا انخفض السعر، فسيرغب المشترون بشراء الكثير من الفراولة، ولكن لن يمتلك البائعون الحافز لإنتاح المزيد منها, يدعى عدم التطابق هذا بالنقص.

عمليا يتواجد هناك سعر واحد حيث الكمية التي يريد المشترون أن يشتروها توافق الكمية التي يريد البائعون أن يبيعوها, وهنا حيث يتساوى الطلب مع العرض, السعر حينها يدعى بسعر التوازن, والكمية تدعى بكمية التوازن, تستطيع أن تلاحظ هذه الظاهرة على الرسم من خلال نقطة التوازن.

طبعا يعتبر المخطط الذي ناقشناه مخططًا مثاليًا بعيدًا عن الواقع, فمن الممكن للعديد من العوامل الخارجبة أن تؤثر في الطلب أو العرض محدثةً تغيرات في المخطط، كتحرك مستقيم الطلب إلى اليمين أو اليسار وكذلك ينطبق على مستقيم العرض.

مثال على هذه العوامل مثلا: الطقس, فمثلا إذا كنا نريد إنتاج الفراولة في الشتاء، سيكون على المزارعين اتخاذ تدابير من أجل حماية الفراولة، مما يؤدي إلى نقصان كمية الفراولة المنتجة نسبة لكل سعر, مما يؤدي إلى حدوث انتقال في مستقيم العرض يغير من موضع نقطة التوازن التي تحدد السعر الذي يتغير نتيجة لذلك.

لاحظ هنا من خلال المخططات كيف يتغير موضع نقطة التوازن تبعا لتغيرات في كل من مستقيمي الطلب والعرض.

إذا نستطيع الآن أن نقول بأنك قد فهمت الطلب والعرض!! هنيئا لك, إنه يوم كبير في حياتك.

الآن من الواضح أن نظام السوق مع الطلب والعرض لنظام رائع وكفوء, لكن ليس في كل الأحيان, دعونا نأخذا على سبيل المثال سوق الأعضاء البشرية, يوجد نقص كبير في الأعضاء البشرية، حيث يموت آلاف الناس كل سنة منتظرين نقل أعضاء لهم, هل يجب أن يتواجد سوق حر من أجل الكلى؟ من الممكن لبعض أنصار السوق الحر أن يقولوا: نعم! إذا كان المتبرع يثمن لنفترض 10000 $ أكثر من كليته, فلماذا علينا أن نوقفه؟ الإجابة ببساطة هي الأخلاق.

هناك العديد من المشاكل التي قد تولد جراء تواجد سوق غير منظم للكلى, هل من الأخلاق أن نقبل لشخص فقير أن يموت لعدم قدرته على الدفع من أجل كلية وبالمقابل أن يعيش غني لقدرته على الشراء؟ الجواب بالتأكيد: كلا, إطلاقاً.

مشكلة أخرى هنا تتعلق بقانون العرض, عندما يكون هناك ارتفاع في سعر الكلى, سيتواجد حافز أكبر لدى الناس لبيع وسرقة الكلى, إذا من الواضح هنا تواجد الحاجة لتنظيم السوق.

ملاحظة أخيرة قبل أن نختم المقالة, معظم الاقتصاديين والسياسيين يميلون إلى تسمية العلاقة المتبادلة بين الطلب والعرض بالقوانين، ولكن في الحقيقة ليست عبارة عن قوانين مطلقة كقانون الجاذبية.

مجمل الإقتصاد يدور حول الناس واختياراتها, وعلى الرغم من أن الطلب والعرض من الممكن توقعهم كما ناقشنا سابقا، ولكن لا يجب ان ننسى أنهما يعتمدان على تصرفات الناس كبائعين ومشترين.

وهذا شيء يجب عليك أن تبقيه في ذهنك عندما تقرأ مقالاتنا عن الإقتصاد، أو حتى عندما تصغي إلى نقاش يدور حول مفاهيم إقتصادية والغوص بهذا الموضوع لن تكفيه مقالة وقد لا تكفيه مجلّدات.