علماء شركة IBM يقومون بمحاكاة الأداء الوظيفي للعصبونات البيولوجية


ملاحظة: هناك هوامش في نهاية المقال.

ابتكر علماء شركة IBM عصبونات تنقل الإشارة عشوائيًا لتخزين ومعالجة البيانات، وذلك باستخدام مواد تغير الحالة (وهي مواد درجة انصهارها عالية، تذوب وتتجمد بدرجة حرارة معينة، وهي قادرة على تخزين وإطلاق كميات كبيرة من الطاقة). ويمثل ذلك الإنجاز خطوة كبيرة للأمام على طريق تطوير تقنيات (نيرومورفيك-Neuromorphic) القائمة على علم الأعصاب والتي توصف بأنها عالية الكفاءة باستهلاك الطاقة ومتكاملة وفائقة الكثافة، وذلك لتطبيقات الحوسبة الإدراكية.

وقد ألهمت الطريقة التي يعمل بها الدماغ البشري العلماءَ لعقودٍ عدة، فتناولوا تلك الطريقة بشكلٍ نظري قائلين بأنه يمكن للقدرات الحاسوبية متعددة الجوانب والمكونة من محتوى عصبونات ضخم أن تحاكيها. ومع ذلك، لايزال تنفيذ عصبوناتٍ اصطناعية تتميز بالكثافة والقدرة كتلك الموجودة في الدماغ البشري تحديًا كبيرًا حتى الآن.

وقال زميل شركة IBM (إيفانجليوس إليفثيريو-Evangelos Eleftheriou): «لقد قمنا ببحثٍ على مواد (تغيّر الحالة- Phase-change) من أجل تطبيقات الذاكرة لأكثر من عقد، وقد كان التقدم الذي أحرزناه في الأربعة وعشرين شهرًا الماضية رائعًا».
ويضيف: «قد اكتشفنا في تلك الفترة تقنيات ذاكرة جديدة وقمنا بنشرها، من بينها الذاكرة المُسقَطة والتي خزنت 3 بت للخلية الواحدة في ذاكرة (تغيّر الحالة-Phase-change) للمرة الأولى، وتستعرض الآن القدرات الجبارة للعصبونات الاصطناعية التي تعتمد على تغيّر الحالة، والتي يمكنها تنفيذ أساسيات حاسوبية متنوعة مثل تحري ترابط البيانات، والتعلم غير المُراقَب بسرعاتٍ عالية مُستهلكة قدرًا قليلًا جدًا من الطاقة».

تتألف العصبونات الاصطناعية (التي قام بتصميمها العلماء العاملين لدى شركة IBM في زيورخ) من مواد تغيُّر حالة، ومن بينها مادة تيلوريد أنتيمونات الجرمانيوم، والتي تعرض حالتين مستقرتين، حالة غير متبلورة (أي أنها بلا بنية محددة الشكل)، وأخرى بلورية (لها بنية محددة الشكل). تُعد تلك المواد أساس الأقراص القابلة لإعادة الكتابة وأقراص (البلو راي-Blue Ray) أو أقراص الأشعة الزرقاء. ومع ذلك لا تخزن العصبونات الاصطناعية المعلومات الرقمية؛ فهي تناظرية، تمامًا مثل التشابكات العصبية والعصبونات الموجودة في دماغنا البيولوجي.

في العرض التوضيحي المنشور، طبق العلماء نبضات كهربائية على العصبونات الاصطناعية، مما أدى إلى تبلور تصاعدي لمادة تغيُّر الحالة، وتسبب ذلك بتفعيله في النهاية. وتُعرف تلك الخاصية في علم الأعصاب بخاصية (كامِل، وأطلق) العصبونات البيولوجية. وهذا هو الأساس للحوسبة المعتمدة على الأحداث (حركات الفأرة، وضربات المفاتيح…) ومشابه مبدئيًا للطريقة التي يطلق بها دماغنا استجابة عندما نلمس شيئًا ما ساخنًا.

وباستثمار تلك الخاصية، يمكن استخدام حتى العصبون المفرد لكشف نماذج وارتباطات سريان المعلومات في الزمن الحقيقي للبيانات المعتمدة على الأحداث. على سبيل المثال، نجد في إنترنت الأشياء أن المُستشعرات يُمكنها أن تجمع وتحلل رزم من بيانات الطقس مجمّعَة لتنبؤاتٍ أسرع. ويُمكن استخدام العصبونات الاصطناعية لكشف الأنماط في المعاملات المالية للعثور على التناقضات أو استخدام بيانات من وسائل التواصل الاجتماعي لاكتشاف اتجاهاتٍ ثقافية جديدة في الوقت الحالي. كذلك يُمكن استخدام محتوى ضخم من العصبونات فائقة السرعة ومنخفضة الطاقة وعلى مستوى النانومتر في المُعالجات المُكمِّلة للمعالجات الرئيسية والتي تعمل بتقنية النيورومورفيك وتتشارك بالموقع مع ذاكرة ووحدات معالجة.

لقد نظم علماء شركة IBM مئاتٍ من العصبونات الاصطناعية في قطاعات لتمثيل إشارات سريعة ومعقدة، علاوة على ذلك، قد أدت العصبونات الاصطناعية إلى دعم ملياراتٍ من دورات التفعيل المتبدلة، الأمر الذي يتيح عدّة سنين من العمل على تردد تحديث يبلغ 100 هرتز. الطاقة اللازمة لتحديث كل عصبون هي أقل من 5 بيكوجول، ومتوسط الطاقة أقل من 120 ميكروواط.

قال (توماس توما-(Tomas Tuma المؤلف المشارك في الورقة البحثية: «قد تَكُون عصبونات تغيُّر الحالة العشوائية مدموجة مع عناصر حاسوبية بمقياس النانو مثل التشابكات العصبونية الاصطناعية مفتاحَ تمكينٍ لخلق جيل جديد من أنظمة حوسبة نيرومورفيك ذات كثافة فائقة».


الهوامش:

IBM: هي شركة عالمية متعددة الجنسيات تعمل في مجال تصنيع وتطوير الحواسيب والبرمجيات. وهي تعني ( حاسبات آلية عالمية- International Business Machines).

Phase-change materials: وهي مواد ذات حرارة انصهار عالية، تذوب وتتجمد عند درجة حرارة معينة، وقادرة على تخزين وتحرير قدر هائل من الطاقة. ويتم امتصاص الطاقة أو تحريرها عندما تتغير المادة من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة، والعكس صحيح، لذلك تم تصنيفها كوحدات تخزين حرارة كامنة.

:Unsupervised learningمبدأ التعلم غير المراقب هو مبدأ في مجال التعلم الآلي و الذكاء الاصطناعي و الشبكات العصبونية الاصطناعية يقول بأن الخوارزمية تتعلم أنماط البيانات بدون أن تكون هذه البيانات معنونة.

)قرص شعاعي أو قرص الأشعة الزرقاء Blu-ray Disc- ): وهو قرص بصري لتخزين البيانات مصمم ليحل محل معيار قرص DVD. تستعمل هذه الأقراص تقنية الليزر الأزرق الذي يعمل على 405 نانومتر لعملية الكتابة والقراءة والذي يُعتبر أدق من ليزر الأشعة تحت الحمراء المستعمل في الأقراص المضغوطة والليزر الأحمر المستعمل بأقراصDVD ، فتمكننا الأقراص من تخزين قدرٍ أكبر من المعلومات في الوجه الواحد.

) تناظري Analog-): وهو مصطلح يوصّف الظواهر، الأجهزة الإلكترونية، المركّبات الإلكترونية وأجهزة القياس التي تُمثَّل بالتغير في قيمة فيزيائية (كالتوتر الكهربائي) إذًا المصطلح أتى من حقيقة أن قياس قيمة طبيعية (أو عنصر من إشارة كهربائية أو إلكترونية) يتغير بشكل متناظر مع المصدر. مثل الترمومتر الذي يؤشر للحرارة بمساعدة ارتفاع الزئبق أو الكحول الملوّن على سلم متدرّج، فهو نظام تناظري.

Coprocessor : هو معالج حاسوب يُستخدم لتكملة وظائف المُعالج الرئيسي.

(إنترنت الأشياء Internet of Things-) : مصطلح برز حديثًا، يُقصد به الجيل الجديد من الإنترنت (الشبكة) الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها (عبر بروتوكول الإنترنت). وتشمل هذه الأجهزة الأدوات والمستشعرات والحساسات وأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة وغيرها. ويتخطى هذا التعريف المفهوم التقليدي وهو تواصل الأشخاص مع الحواسيب والهواتف الذكية عبر شبكة عالمية واحدة ومن خلال بروتوكول الإنترنت التقليدي المعروف. وما يميز إنترنت الأشياء أنه يتيح للإنسان التحرر من المكان، أي أن الشخص يستطيع التحكم في الأدوات من دون الحاجة إلى التواجد في مكان محدّد للتعامل مع جهاز معين.


ترجمة: نهى سليمان
تدقيق: سارة عمّار
المصدر