في دراسة أجريت على الديدان؛ لاحظ العلماء وجود بروتينات تدمّر مساهمة الحيوانات المنويّة بالميتوكندريا الخاصّة به، وبهذا يكون العلماء قد عثروا أخيرًا على دليل يفسّر السبب الذي يجعل نوعًا معيًنا من الحمض النووي DNA ينتقل للأطفال من الأمّهات دون الآباء.

نُشرت نتائج الدراسة بتاريخ 23 يونيو/ حزيران في مجلة Science، وأوضحت أنّ عملية تدمير الحمض النووي DNA الخاصّ بالميتوكندريا في الحيوان المنوي تبدأ بعد وقت قصير من تلقيحه للبويضة، الأمر الذي يضطلع به بروتين يدعى CPS-6، ولمّا كانت عضيات الميتوكندريا الموجودة في جميع الخلايا الحقيقية مسؤولةً عن إنتاج الطاقة داخل الخلايا من خلال البروتينات التي يصنعها الحمض النووي DNA الخاص بهذه العضيّات؛ فإنّها لن تعود قادرةً على إنتاج الطاقة أو تأدية وظائفها عند تدمير حمضها النووي، وبيّن الباحثون أنّ بقاء الحمض النووي الخاص بميتوكندريا الأب قد يؤذي الأجنّة أثناء نموها.

لطالما كان السؤال عن سبب توريث الميتوكوندريا في العديد من الكائنات حصرًا من الأم؛ّ لغزًا أحاط به الكثير من الغموض في عالم البيولوجيا، يقول قائد البحث في جامعة colorado boulder واختصاصي علم الوراثة دينغ تشو.

قبل ملايين السنين كانت الميتوكندريا خلايا بسيطة ومستقلة بحد ذاتها، أما اليوم فتصنّع الطاقة للعديد من الخلايا الأكثر تعقيدًا، دون أن يمنع ذلك من احتفاظها بالتركيب الجيني الخاص بها، فحمض الميتوكوندريا النووي DNA أقصرَ وأبسط من الحمض النووي الموجود في نواة الخلية التي تحتويها.

استخدم الباحث تشو وزملاؤه مجهرًا إلكترونيًا لمشاهدة الكيفية التي يقوم بها الحيوان المنوي في دودة (الربداء الرشيقة- Caenorhabditis elegans) بتخصيب البويضة، وبينت الصور الملتقطة كيف تتمزّق ميتوكندريا الأب عبر الحيوان المنوي من الداخل حتى تتدمر كليًا.

لمعرفة الجين المسؤول عن حدوث ذلك؛ عطّل الباحثون عدة جينات ضمن حمض الميتوكوندريا النووي DNA لاستكشاف التغيّرات التي ستحدث عند غياب ذلك الجين، وتمكّنوا أخيرًا من تحديد الجين المطلوب، والذي وجدوا أنّه ينتج بروتيناً يُدعى CPS-6.

يُعنى بروتين CPS-6 في الأوضاع الطبيعية ببرمجة موت الخلايا وهي المهمة التي تساعد في الحفاظ على التوازن بين الخلايا النافقة وحديثة الولادة.

لكن فريق تشو وجد أنّ هذا البروتين وإلى جانب مهمته الرئيسة يؤدي دورًا آخر، فيتوجّه خلال عملية الإخصاب نحو الأجزاء الأكثر عمقًا في الميتوكندريا للوصول إلى الحمض النووي DNA الخاص بها وتقطيعه لعدة أجزاء.

وبما أنّ الحمض النووي DNA مسؤول عن إصدار أوامر وتوجيهات هامّة لبقاء الخلية، فإن تدميره يُفقد الميتوكندريا قدرتها على القيام بأبسط المهام مما يؤدي إلى موتها.

رغم هذا، لا يعمل بروتين CPS-6 منفرداً، فقد اكتشف بعض العلماء في دراسة سابقة عمليةً مختلفة تسمىّ Autophagy أو الالتهام الذّاتي، والتي تساعد بدورها في عملية تدمير ميتوكندريا الأب بعد الإخصاب، وهذا ما يحدث عند اضطلاع مركبات خاصّة موجودة في البويضة بسحب أجزاء من ميتوكندريا الأب وتدميرها، الأمر الذي يشبه فريقًا لجمع القمامة والتخلص منها.

تعمل الآليّتان معاً، فبدون بروتين CPS-6 الذي يحدّد ميتوكندريا الأب، لن تتمكّن عملية الالتهام الذاتي من تدميرها بالسرعة ذاتها.

بيّنت دارستنا ولأول مرة أن ميتوكندريا الأب تعمل في الواقع جنبًا إلى جنب مع آلية تدمير موجودة لدى الأم للحرص على التخلص منها بالكامل، يقول تشو.

عندما تتأخر عملية تدمير الميتوكندريا غالبًا ما نحصل على أجنّة ميتة.

لتفسير هذه النتائج يقترح العلماء أنّ ميتوكندريا الأب ربّما تتداخل وبشكلٍ ما مع عملية النمو الطبيعي للجنين، وهذا الأمر الذي لم يُعرف سببه بعد، ولا يزال العلماء غير متأكدين أيضًا من تفاصيل حدوثِ هذه العملية لدى البشر.

يمكنك أن تتخيل وجودَ آليات مشابةٍ لدى الإنسان لكن ليست هناك نماذج بعد، يقول عالم الأحياء في جامعة بيير وماري كوري في باريس فانسون غالي، تعقيباً على الدراسة التي لم يشترك بها.

يشبه بروتين CPS-6 بروتينًا آخر وُجد لدى البشر، ويقوم أيضاً بتنظيم موت الخلايا بنفس العملية التي تحدث لدى كلتا الفصيلتين، إلّا أنّ الأبحاث المتعلّقة بدراسة الذباب والفئران تُظهر أنّ الحيوانات المنوية تخسر الميتوكندريا الخاصة بها خلال مراحل تختلف من فصيل لآخر، مما يدعو العلماء لترجيح اختلاف الآلية التي يجري بها ذلك أيضًا.


  • ترجمة: بتول هيثم النويران.
  • تدقيق: ملك عفونة.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر