بينَّت الدِّراساتُ العلميِّةُ لسنواتٍ عديدةٍ أنَّ الذَّكاء ثابتٌ وموروثٌ لا يمكن تعزيزهُ أو تنميتهُ بإرادتنا، لكنَّ بعضَ الدِّراساتِ الحديثةِ حول هذا الموضوع وضَّحت أنَّ هناك جزءٌ من الذَّكاء يُعرفُ بالذَّكاءِ السَّائلِ أو المنطقِ السَّائل «fluid intelligence» حيث نستخدمُ التَّفكيرَ المنطقيَّ والنَّماذج في حل المشكلاتِ الجديدةِ بمعزلٍ عن المعرفةِ المكتسبةِ، يُمكن تنميتهُ وتطويرهُ عن طريق تدريبات الذَّاكرة.

ولاستغلال هذه الدِّراسات ظهرت تطبيقاتٌ و ألعابٌ تدَّعي قدرتها على تدريب الدِّماغ وزيادة مستوى الذَّكاء لدى مستخدميها وحتى مساعدة البعضِ منهم في التَّغلبِ على بعضِ المشاكلِ العقليَّةِ كاضطرابِ نقصِ الانتباه النَّاتج عن فرطِ الحركة «ADHD»، ومثال هذه التَّطبيقات Lumosity وNeuroNation وغيرها الكثير.

هذه الادعاءات التي وُصِفت بالمُبالغِ فيها، تم نَقدُها من قِبَل العلماء والإعلام وحتى الجِّهات التَّنظيميَّة، ففي بدايةِ العامِ الحاليِّ وافقت الشَّركةُ المُنتجةُ لبرنامج تدريب الدِّماغ Lumosity على دفعِ ما مقدارهُ 2 مليون دولار كغرامةٍ ماليةٍ عُقبَ شكاوى عن الإعلاناتِ الكاذبةِ التي روَّجتها الشَّركة.

حيث أوضَحت لجنة التِّجارةِ الاتحادية «FTC» أنَّ الأخيرة استغلَّت مخاوفَ بعض مستخدمي تطبيقاتِها من التَّدهورِ المعرفيِّ المرتبط بالعمر باقتراحها أنَّ تطبيقاتَها وألعابها تحمي من ضعفِ الذَّاكرةِ والخرف وحتى مرض الزهايمر.

ويبقى السُّؤال لماذا ظهرت بعض النتائجِ الإيجابيَّةِ في الأفرادِ الذينَ استخدموا هذه التَّطبيقات؟

قام مجموعةٌ من الباحثين من جامعةِ «George Mason» بتجربةٍ للإجابةِ على هذا التساؤل وكانت النَّتيجة أنَّ باستطاعتِهم تحقيقُ ما تدَّعيهِ برامجُ تدريبِ الدِّماغِ المدفوعة باستخدام حيلةٍ بسيطةٍ.

التًّجربةُ التي أُجريت باستخدام منشورين بمحتوى إعلاميّ مختلف لجذبِ المُشاركين، مع التَّأكيدِ على أنَّ كلا الإعلانين يتعلقان بنفس الدِّراسة ونفس الانشطةِ إضافةً إلى التَّصميم نَفسه.

حيث نُشرَ في الإعلان الأول طلبٌ للمشاركةِ في دراسةٍ حولَ تدريبِ الدِّماغ والتَّعزيز المعرفيِّ مع الاستشهاد بدراساتٍ سابقةٍ تدعي قدرتهم على زيادةِ الذَّكاء السَّائل، أما الإعلان الثَّاني فقد نُشرَ فيه عرضٌ لتقديمِ قروضٍ مقابلَ المشاركةِ في الدِّراسةِ.

وبقبولِ 50 متطوعًا، أُطلقَ على 25 منهم لقب مجموعة التَّأثيرِ الوهميِّ لانضمامهم بعد مشاهدةِ الإعلان الأول وأطلق على الـ 25 المتبقِّين بالمجموعةِ المرجعيَّةِ لإنضمامهم عُقبَ مشاهدةِ الثَّاني.

ثم أٌجريت اختباراتٌ معياريةٌ لقياسِ نسبةِ الذَّكاء السَّائل لدى جميع المتطوعين ليُطلب منهم بعدها تجربة لعبةٍ من ألعابِ تدريبِ الدماغ مدةَ ساعةٍ كاملةٍ، وأخيرًا أُعيد إجراء الاختبار الأول لملاحظة أيَّ تغيراتٍ جديدةٍ.

وبالنظر إلى النَّتائجِ الأخيرةِ، حققت مجموعةُ التأثيرِ الوهميِّ نتائجَ أفضل من نظيرتها حيث ارتفعت نتائج اختبار مقياس الذَّكاء لديها بما مقداره 5-10 درجاتٍ مقارنةً بنتائج الاختبار قبل تجربة ألعاب تدريب الدماغ، في حين أن المجموعة الأخرى لم يُسجَّل لديها أيُّ تغيراتٍ تُذكَر.

ولكن ما سبب هذا الاختلاف؟

يَعود ذلكَ إلى محتوى الإعلان نَفسه، فكما ذُكِر سابقًا أشار الإعلان الأوَّل للدراساتِ التي توضِحُ فائدةَ ألعاب و برامج تدريب الدِّماغ بعكس الإعلان الثَّاني، ولذلك فإنَّ المتطوعين الذين شاركوا في الدِّراسة عُقب مشاهدةِ الإعلانِ الأول كانت لديهم توقعاتٌ بزيادةِ نسبةِ ذكائِهم استنادًا إلى ما تمَّ ذكره.

فإذا عَرف المشاركُ النَّتائج الإيجابيَّة و المرغوبة من الدراسةِ فإنَّ التَّأثير الوهميَّ بفاعليتها قد ينشأ لديه، وهنا يبرزُ دور أسلوبِ التَّوظيف في التَّأثير على زيادةِ نسبة ذكاء المتطوعين لا دور ألعاب تدريب الدِّماغ حيث أنَّها لا تقومُ بأي تغيراتٍ تُذكَر .

ومما يجدرُ الإشارةُ إليه حولَ هذا الموضوع، فإنَّ ألعابَ الفيديو «Video games» تختلفُ عن الألعابِ المُشار إليها هنا، فقد ثبت بأنَّها تعودُ بالنَّفع علينا بتدريبِ أجزاءٍ معينةٍ من الدِّماغ وبالتّالي إمكانيَّة استخدامِها كأداةٍ تعليميَّةٍ فعَالةٍ عكس الألعاب المخصصة لتدريبِ الدِّماغ فقد يحتاجُ صانعوها لخفضِ وتيرةِ ادعاءاتهم طالما لم يُقدموا أيَّة إثباتاتٍ علميِّةٍ عكسَ ما قِيل عن برامجِهم وألعابِهم.