صنع العلماء التاريخ، هذا الأسبوع، باكتشافهم موجات الجاذبية للمرة الثانية، وذلك بعد التقاطهم اهتزازات صغيرة جدًا ممتدة في الفضاء وهي ناتجة عن اصطدام ثقبين أسودين منذ حوالي 1.4 مليار سنة.
وكأن هذا الاكتشاف لم يكن رائعا بما فيه الكفاية، ليضيف الفيزيائيون أننا قد نكون اكتشفنا بالصدفة، وبالوقت نفسه، شيئًا مماثلًا في الأهمية: المادة المظلمة.
تُقدّر كمية المادة المظلمة في الكون بما يعادل تقريباً 26% من كتلة الكون المرئي وطاقته. ولكن بالرغم من أننا نستطيع قياس قوة الجاذبية الناشئة عنها، لكن يبدو أنه لا يصدر عنها أي إشعاع أو ضوء، ولذلك تسمى بالمادة المظلمة.
هل استطعنا إيجاد دليل عن المادة المظلمة للمرة الأولى؟
بعد تحليل إشارة موجات الجاذبية التي التقطها مرصد موجات الجاذبية باستخدام التداخل الليزري «ليجو- LIGO » في 28 ديسمبر 2015، والتي تم الإعلان عنها للعامة منذ فترة قريبة، وضع فريق من الباحثين الأمريكيين فرضية جديدة بأن الثقبين الأسودين المسببين لتلك الموجات في الحقيقة هما مادة مظلمة.
وقد كتب باحثون من جامعة جونز هوبكنز في مقال على موقع « Physical Review Letters » :«ندرس احتمال أن يكون الثقب الأسود الثنائي الذي رصده مرصد ليجو دليلًا مباشرًا عن ماهية المادة المظلمة».

قد تبدو هذه الفكرة غريبة، ولكنهم ليسوا أول من وضع هذه الفرضية. فقد نشر أحد علماء ناسا ورقة بحثية الشهر الماضي يفترض فيها أن الثقوب السوداء البدائية (الثقوب السوداء التي ظهرت خلال جزء من الثانية بعد ولادة الكون) قد تكون المادة المظلمة التي نستطيع أن نشعر بتأثيرها ولكن لا نراها في الكون المحيط بنا.
لكن لوضع كل ما سبق في سياقه التاريخي، كان العلماء يفترضون لعقود عديدة أن المادة السوداء يجب أن تكون نوعًا من الجسيمات عالية الكتلة أو الأكسيونات الغامضة والتي نستطيع أن نشعر بها لكن لا نراها وهي مخبأة في الكون. ولكن بالرغم من تحسن قدراتنا على رصد الأجسام الغريبة في الفترة الأخيرة، بعد تقدم مصادم الجسيمات الكبير «Large Hadron Collider»، إلا أن التجارب كلها لم تخرج بأي دليل عن وجود تلك الجسيمات التي يُفترض أنها تكوّن للمادة المظلمة.
بدأ بعض العلماء بالنظر، مرة أخرى، إلى التوزيع الغير منتظم للكتلة في الكون البدائي والذي كان يفترض أن سببه جزيئات المادة المظلمة، وبدأوا بالتفكير في احتمال أن يكون السبب في ذلك هو الثقوب السوداء البدائية.
يقول ألكساندر كاشلينسكي « Alexander Kashlinsky » قائد فريق الورقة البحثية المنشورة منذ شهر: «تقدم تلك الدراسات نتائج حساسة بشكل متزايد، مقللة الاحتمالات الممكنة التي يمكن أن تخبئ طبيعة جزيئات المادة المظلمة»، وأضاف: «الفشل في الوصول الى حقيقة تلك الجسيمات يجدد الاهتمام بدراسة فيما إذا كانت الثقوب السوداء البدائية تستطيع أن تحل محل المادة المظلمة».
حتى الآن يقترح البحث أن تلك الثقوب السوداء البدائية تستطيع أن تحل محل المادة المظلمة بكفاءة. ولكن ما الذي سيفعله ليجو بخصوص هذا الموضوع؟
حسناً، تُقاس كتلة الثقوب السوداء نسبة الى كتلة شمسنا، وبتحليل موجات الجاذبية التي تم قياسها، قدّر العلماء كتلتي الثقبين الأسودين المندمجين بـ 36 و29 كتلة شمسية. هذه الأرقام كبيرة، حتى إنها أكبر من أن تناسب فهمنا عن الثقوب السوداء النجمية التي تتكون بعد انهيار النجوم. ولكنها ليست كبيرة كفاية لتتناسب مع التنبؤات حول حجم الثقوب السوداء العملاقة الموجودة في مراكز المجرات.
لكن هذه الأرقام تتفق مع التنبؤات حول الثقوب السوداء البدائية، وهو ما دفع العلماء للتفكير حول احتمال أن تكون تلك الثقوب السوداء البدائية هي ما رصدها ليجو أثناء اصطدامها ببعضها. وما يثير الاهتمام هو أن الكتل التي تم قياسها تتناسب مع كتلة المادة المظلمة المتوقعة، مما يشكل دليلاً مبدئيًا على أن تلك الثقوب البدائية قد تكون المادة المظلمة نفسها.

تختلف الثقوب السوداء البدائية عن الثقوب السوداء النجمية ليس فقط بعمرها، ولكن بطريقة تكوينها. حيث تكوّنت بسبب انهيار دفعات كبيرة من الغاز أثناء ولادة الكون. وبالرغم من أنه لم يتم التأكد من وجودها فعلياً، لكن حسب ما نعلم، قد تفسر الثقوب السوداء تأثيرات ما نظن أنه المادة المظلمة.
اتخذ فريق جامعة جونز هوبكينز « Johns Hopkins» خطوات إضافية في هذا الاتجاه، حيث قام بالحساب، بناءً على الحجم والشكل، احتمال أن تكون الثقوب السوداء البدائية نظامًا ثنائيًا ينهار في النهاية. وجاءت النتائج لتوضح أنه على الأغلب ما قام ليجو بقياسه بالفعل هو اندماج لثقبين أسودين بدائيين.
ما زال الوقت مبكراً جداً للقول إن الثقوب السوداء البدائية هي المادة المظلمة، ولكن الأدلة تتراكم ببطء، ومزيداً من قياس موجات الجاذبية سيكون ضرورياً لاكتشاف المزيد.
يقول مارك كاميونكوسكي «Marc Kamionkowski» أحد الباحثين: « لا نفترض أن تلك هي المادة المظلمة. لن نراهن على ذلك، ولكنه مجرد نقاش حول احتمال ذلك»، لكنه أضاف بأن تلك الفكرة «تمتلك كثيراً من المقومات»
يضيف أحد الباحثين، إيلي كوفيتز «Ely D. Kovetz»: «أن يكون اكتشاف موجات الجاذبية مرتبطًا بالمادة المظلمة فكرة مثيرة لكل مجتمع الفيزياء الفلكية».
ولكننا يجب أن نبقى مشككين بهذه الفرضية، خاصة أن العلماء قد سبق لهم أن شهدوا هذا العام «إنذارًا كاذبًا» عن اكتشاف المادة المظلمة، والذي تم دحضه بسرعة. كما يبدو أنه من الأفضل لنا أن نستبعد المواد المرشحة لتكون المادة المظلمة من أن نثبت ماهيتها. ولكن بالتأكيد تلك الفرضية تستحق المتابعة للشهور المقبلة.
ترجمة :جورج فام
تدقيق: صفاء قرحيلي
المصدر