stat dust
تلعب المُحاكاة دورًا رئيسيًا في توضيح الطريقة التي تقوم بها النيوترينوات بمساعدة النجوم لتتحول إلى «مُستعرات عظمى» (سوبر نوفا- supernova)
عندما تنتهي فترة حياة بعض النجوم ذات الكُتل الأكبر من الشمس بكثير، تنفجر بظاهرة تُعرف بالمُستعر الأعظم «supernova»، فتندمج الذرات الخفيفة مع الذرات الأثقل ويتشتت حاصلُ الاندماج في الفضاء – قد يُصبح بعضُها جُزءًا من أجسادنا. كما غنت فرقة «كروسبي، ستيلس، ناش ويونغ» يومًا: «نحنُ غبار نجوم، نحنُ ذهبيون، نحنُ مكونون من كربون عُمرهُ مليارات السنين» لمؤلفتها جوني ميتشل.

مع ذلك، معرفة هذا وفهمُ الفيزياء المعنية أمران مُختلفان. لا يُمكننا صُنع مُستعرٍ أعظم فعلي داخل المُختبر أو دراسة إحداها عن قُرب، حتى إن أردنا ذلك. لهذا السبب، تُعتبر المُحاكاة الحاسوبية أفضل أداة يمتلكُها العُلماء. برمج الباحثون مُعادلاتٍ تحكُم سلوك العناصر في باطن النجم لمعرفة سلوكها وما إذا ستُعيد النتائج خلق السلوك الذي نراهُ في المُستعرات العُظمى الحقيقية. وبسبب وجود عديد من المكونات، تصبح المحاكاة مُعقدة بشكلٍ كبير – ولكن يُمكن لنوعٍ واحدٍ من الجُسيمات أن يؤدي في النهاية إلى انفجار المُستعر الأعظم: ما يُعرف بالنيوترينو البسيط «humble neutrino».
يُعرف عن النيوترينوات أيضًا أنها صعبة الكشف بسبب نُدرة تفاعُلها مع الجُسيمات الأُخرى. مع ذلك، باطن نجمٍ مُحتضر هو بيئة كثيفة بشكلٍ ملحوظ، وتُنتج التفاعُلات النووية أعدادًا هائلة من النيوترينوات. مما يؤدي إلى زيادة احتمال ارتطامها مع الجُسيمات الأُخرى وانتقال الطاقة.
يقول هانس ثوماس جانكا «Hans-Thomas Janka»، باحثٌ في المُستعرات العُظمى بمعهد ماكس بلانك للفيزياء الفضائية في مدينة جارتشنج، ألمانيا: «يُمكننا أن نُخمن في بحثنا كمية الطاقة التي قد تنقلُها النيوترينوات بشكل تقريبي. لكن يبقى سؤالٌ وارد: هل يتوافق هذا مع الصورة التفصيلية؟ ما نحتاجهُ هو جمع كُل المكونات الفيزيائية التي تلعب دورًا في باطن النجم المُنهار».
عندما تتداعى الأشياء، لا يُمكن للمركز أن يتماسك
تحدُث، عادة، كُل الاندماجات النووية للنجوم في مركزها، لأن المركز هو¬¬ المكان الوحيد الساخن والكثيف بما فيه الكفاية. بالمقابل، يوفر الاندماج النووي طاقة كافية لحفظ المركز من الانهيار تحت تأثير جاذبيته. ولكن عندما يستنفذ نجمٌ ذو كُتلة أكبر من كُتلة شمسنا بثمانِ مرات وقودَه النووي ويتوقف انشطاره، ينهارُ المركز بشكلٍ كارثي. والنتيجة هي مُستعرٌ أعظم ذو نواة مُنهارة: تُمزِّقُ موجة اهتزاز ناتجة عن انهيار النجمَ، في حين يتحول المركز إلى نجمٍ نيوتروني أو ثُقبٍ أسود. يؤدي الانفجارُ إلى مزيدٍ من الاندماجات النووية وإلى انتشار النوى في الفضاء ما بين النجوم، حيث يُمكن في النهاية أن يُستخدم في خلق نجومٍ وكواكبَ جديدةٍ. (النوع الرئيسي الآخر للمستعر الأعظم يتضمن قزمًا أبيض مُتفجرًا، وهو مصدرٌ عديد من الذرات الشائعة الأُخرى).
إنَّ المُستعرات العُظمى ذات النوى المُنهارة ظواهر نادرة وعنيفة جدًا. أحيانًا تُنير المجرات أجمعها عندما تصل ذروتها. آخرُها، والذي كان قريبًا نسبيًا ظهر في السماء سنة 1987، في مجرة مجاورة تُعرف بسحابة ماجلان الكبرى «Large Magellanic Cloud». حتى ولو انفجر مُستعر أعظم على مسافة قريبة بما يكفي لمُلاحظة التفاصيل (بينما نكونُ بعيدين على مسافة آمنة)، لا يُمكننا الرؤية في العُمق حيثُ يحدُث الانهيار.
مع ذلك، أظهرت أجهزة الكشف عن الجُسيمات (التي بُنيت لدراسة اضمحلال البروتون) 24 جُزيئة نيوترينو صادرة من مُستعر عام 1987. من المُحتمل أنَّ هذه النيوترينوات قد ولدت في تفاعُلاتٍ نووية حدثت في عُمق النجم المُتفجر. أكدت هذه النيوترينوات التنبؤات النظرية التي طرحها عُلماء الفيزياء الفلكية في ستينيات القرن الماضي، عندما بدأوا دراسة النجوم المتفجرة لأول مرة.
انطلقت أبحاث المُستعرات العُظمى فعليًا في ثمانينيات القرن الماضي، مع تنامي قوة الحاسوب وإدراك أن الفهم الكامل لانهيار النوى سيحتاجُ إلى تضمين الكثير من الفيزياء المُعقدة.
يقول جوشوا دولنس «Joshua Dolence» من مُختبر لوس ألاموس التابع لقسم الطاقة في الولايات المُتحدة: «تتضمن المُستعرات العُظمى ذات النوى المُنهارة أنواعًا مُتعددة من التأثيرات بما في ذلك جميع القوى الأساسية الأربع. النتيجة المُتوقعة من الانهيار، وحتى أكثر سؤالٍ أولي مثل «هل ينفجر هذا النجم؟»، يمكن أن يعتمد على كيفية إدراج هذه التأثيرات في المحاكاة.»
بعبارةٍ أُخرى، إذا لم تقم بإجراء المحاكاة بشكلٍ صحيح، لن يحدُث مُستعرٌ أعظم، في حين أنَّ بعض النجوم قد تنهارُ مُباشرةً إلى ثقوبٍ سوداء بدلًا من الانفجار، كما يرى الفلكيون كلا من انفجار المستعر الأعظم وتداعياته (أشهر الأمثلة سديمُ السرطان). بعض طرق المحاكاة لا تُظهر أبدًا انفجارًا كبيرًا، وهذه مشكلة: الطاقة الصادرة من اندفاع النيوترينوات كافية لعرقلة المستعر الأعظم قبل انفجاره.
حتى لو سببت النيوترينوات المشكلة، لكنها قد تؤدي إلى الحل ايضًا. حيث تقوم بحمل الطاقة بعيدًا عن أحد أجزاء النجم المُحتضر، ولكن قد تنقلها ايضًا إلى موجة اهتزاز متوقفة، فتُحطم الجمود وتُسبب حدوث المستعر الأعظم. هذه ليست الفرضية الوحيدة، ولكنها تعدّ حاليًا أفضل تخمين عند علماء الفيزياء الفلكية، ويبدو أنَّ أغلب أعمال المحاكاة الحاسوبية الكبيرة تدعمُها حتى الآن. على أية حال، بعض المستعرات العظمى الأكثر نشاطًا – المعروفة باسم المُستعرات فوق العظمى «hypernovae» – لا تبدو أنها تسير بالقوانين نفسها ، لذا من الممكن أن يكون هناك مسبب آخر غير النيوترينوات، إلا أن لا أحد يعرفُ ما هو هذا الأمرُ الآخر.
الانفجارات في السماء
المستعرات العُظمى ذات النوى المنهارة عبارة عن مختبرات طبيعية للفيزياء المتطرفة، والتي تتضمن فيزياء الجسيمات، والجاذبية القوية كما وصفت في النظرية النسبية العامة والفيزياء النووية، كلها ممزوجة مع مجالاتٍ مغناطيسية قوية. يجب أن تُطبق كل هذه الجوانب في شفرات برامج الحاسوب، الذي يتضمن بالضرورة قراراتٍ صعبة حول ماهية التفاصيل التي تُدرج أو تُحذف.
يقول دولنس: «تدورُ الأسئلة المفتوحة الرئيسية حول فهم أي التأثيرات الفيزيائية ضرورية للفهم الكمي لانفجارات المستعر الأعظم». يتضمن عمله الخاص في مختبر لوس ألموس اختبار الافتراضات التي تدخُل في مُختلف النماذج الرياضية للانفجارات وتطوير شفرة برمجية سريعة لحفظ وقت الحاسوب الثمين. على النقيض من ذلك، يتضمن عمل جانكا في أوروبا نمذجة سلوك النيوترينو قدر الإمكان.

حاليًا، لكي يتمكن الباحثون من تحديد العمليات الفيزيائية التي تحدث في عمق النجم المحتضر فإنهم يحتاجون إلى كل من المنهجين المفصل والمبسط. وتستهلك الطريقتان عشرات ملايين الساعات من وقت الحاسوب. موزعة حول حواسيب متعددة تعمل بالتوازي. حتى مع بعض الافتراضاتٍ المبسطة، هذه المحاكاة هي أكبر ما هو موجود حاليًا، مما يعني أنها تحتاج إلى حواسيب خارقة في مراكز بحثية كبيرة هي: مركز ليبنيز للحوسبة في ألمانيا، ومركز برشلونة للحوسبة الفائقة في أسبانيا، ولوس ألموس، ومختبر أوك ريدج الوطني وجامعة برنستون في الولايات المتحدة، وعددٌ قليل من المختبرات الأخرى.
يقول جانكا: «لا نمتلك دليلًا حتى الآن، باستثناء حساباتنا، على أن النيوترينوات هي سبب الانفجار، نحتاج إلى مقارنة النماذج مع الملاحظات الفلكية في المستقبل»
تستعدُ تجارب النيوترينوات الحالية في العالم لمراقبة النيوترينوات في الحدث القادم، والتي ترتبط بنظام إنذار مُبكر لحدوث المستعر الأعظم. ولكن بغياب مستعر أعظم قريب، لا نمتلكُ إلا محاكاة ضخمة في حواسيب فائقة. في غضون ذلك، يمكننا التعلم من هذه المحاكاة عن الفيزياء المتطرفة للنجوم المحتضرة وعن الدور الذي تلعبهُ النيوترينوات عند موتها.

إعداد: أحمد السراي
تدقيق: صفاء قرحيلي

المصدر