منذ أن اقترح ديموقريطس هذا النموذج لأول مرة في القرن الخامس قبل الميلاد،
مر النموذج الذري بالعديد من التحسينات منذ أن اقترحه (ديموقريطس)لأول مرة من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى أيامنا هذه, فبدأ النموذج بداية متواضعة كخامل صلب غير قابل للتجزئة, ثم تطورت الفكرة إلى أنه يتفاعل ميكانيكيا مع ذرات أخرى، ثم تطور النموذج بفعل الأبحاث المستمرة إلى استنتاج بأن الذرات تتكون في الواقع من جسيمات أصغر والتي تتفاعل كهرومغناطيسياً مع بعضها البعض.
كان هذا هو أساس النظرية الذرية التي وضعها عالم الفيزياء الإنجليزي طومسون J.J. Thompson في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرون, كجزء من الثورة العلمية الجارية في ذلك الوقت. اقترح فيها طومسون نموذج للذرة التي تتألف من أكثر من وحدة أساسي, وبناء على ظاهرها الذي يتألف من “بحر من الشحنة الموجبة المتحدة” مع إلكترونات موزعة خلالها، جاء نموذج طومسون الملقب بـ “نموذج فطيرة الخوخ”.

على الرغم أنه اليوم يتم اعتماد معاير علمية حديثة عن السابق, إلا أن نموذج (فطيرة الخوخ الذري) يمثل خطوة هامة في تطوير النظرية الذرية . ليس فقط لأنه تضمن اكتشافات جديدة، مثل وجود الإلكترون، بل لأنه قدم مفهوماً جديداً للذرة باعتبارها كتلة فعالة قابلة للانقسام, وأصبح العلماء قادرين على فهم أن الذرات نفسها تتكون من وحدات مادية أصغر، وأن جميع الذرات تتفاعل مع بعضها البعض من خلال العديد من القوى المتباينة.
النظرية الذرية حتى القرن التاسع عشر:

أقرب الأمثلة المعروفة للنظرية الذرية تأتي من اليونان القديمة والهند، حيث افترض فلاسفة مثل (ديموقريطس Democritus) أن المادة ككل تتألف من وحدات صغيرة غير قابلة للتجزئة وغير قابلة للتدمير. ولذلك نجد مصطلح “الذرة” قد صيغ في اليونان القديمة وأدى إلى المدرسة الفكرية المعروفة باسم (المذهب الذري). ومع ذلك، فإن هذه النظرية كانت عبارة عن مفهوم فلسفي أكثر من كونها مفهوم علمي.

إن نظرية الذرات لم تصبح مفصلة كمسألة علمية حتى القرن التاسع عشر، وذلك حين أُجريت التجارب الأولى القائمة على الأدلة. فعلى سبيل المثال، استخدم العالم الإنجليزي (جون دالتون John Dalton) مفهوم الذرة ليشرح سبب رد فعل العناصر الكيميائية بطرق أكيدة يمكن ملاحظتها ويمكن التنبؤ بها.
فبدأ دالتون بالسؤال :لماذا كان للعناصر رد فعل في نسب عددية بسيطة؟ .. وخلص إلى أن ردود الفعل هذه وقعت في مضاعفات عددية كاملة من وحدات منفصلة أي «الذرات». وخلال سلسلة من التجارب التي تنطوي على الغازات، عمل دالتون على تطوير ما يعرف باسم نظرية (دالتون الذرية). هذه النظرية تعتمد على قوانين بقاء الكتلة والنسب الثابتة – والتي صيغت بحلول نهاية القرن الثامن عشر – وتظل واحدة من الأركان الأساسية في الفيزياء الحديثة والكيمياء.
تنص نظرية دالتون الذرية على ما يلي :
– العناصر في أنقى حالاتها تتألف من جسيمات صغيرة تدعى الذرات.
– ذرات العنصر الواحد متشابهة في الشكل والحجم وصولا لآخر ذرة بنفس العنصر.
– تختلف ذرات العناصر بسبب اختلاف كتلتها الذرية.
– ذرات العناصر المختلفة تتحد لتشكيل المركبات الكيميائية؛ فالذرات لا يمكن أن تنشأ أو تُدمر في تفاعل كيميائي, فقط عندما تتحد الذرات لتكوين مركبات فإن الاتحاد يتم بين ذرات صحيحة العدد».
وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، بدأ العلماء أيضا في وضع النظريات التي تفيد بأن الذرة تتكون من أكثر من وحدة أساسية. ومع ذلك، غامر معظم العلماء بأن هذه الوحدة ستكون بحجم أصغر الذرات المعروفة – الهيدروجين. أما في نهاية القرن التاسع عشر، فقد حدث تغير جذري!

تجارب طومسون:

( السيد جون جوزيف طومسون فيزيائي إنجليزي وأستاذ لـ (كافنديش) في الفيزياء في جامعة كامبريدج من عام 1884 )
في نهايات القرن التاسع عشر تمحورت جهود (طومسون) حول تطوير نماذج رياضية للعمليات الكيميائية، وتحول الطاقة من حيث المفاهيم الرياضية والنظرية والكهرومغناطيسية.
بدأ (طومسون) إجراء تجارب باستخدام أنبوب أشعة الكاثود والمعروف باسم أنبوب كروكس. وهو عبارة عن أنبوب زجاجي مغلق بقطبين مفرغ من الهواء. عندما يتم تطبيق الجهد عبر الأقطاب، يتم إنشاء أشعة الكاثود (والتي تأخذ شكل بقعة متوهجة من الغاز ممتدة إلى نهاية الأنبوب.(
من خلال التجربة، لاحظ طومسون أن هذه الأشعة يمكن أن تحيد بواسطة الحقول الكهربائية والمغناطيسية. وخلص من تجربته إلى أنها لا تتكون من الضوء، بل هى مكونة من جسيمات سالبة الشحنة – لاحظ وصفها بالـ (جسيمات)- ومن خلال قياس نسبة الكتلة للشحنة لهذه الجسيمات, اكتشف أنها أصغر حجما بألف مرة وأخف وزنا بـألف وثمانمائة مرة من الهيدروجين.
وهذا أثبت بشكل فعال عدم صحة مفهوم أن ذرة الهيدروجين هي أصغر وحدة للمادة، وذهب طومسون إلى أبعد من ذلك مشيرا إلى أن الذرات يمكنها الانقسام. لشرح الشحنة الكلية للذرة، والتي تتألف من الشحنات الموجبة والسالبة على حد سواء، اقترح طومسون نموذج حيث تم توزيع جسيمات سالبة الشحنة في بحر موحد للشحنة الموجبة.
هذه الجسيمات سُميت لاحقا “الإلكترونات”، استنادا إلى الجسيمات النظرية التي تنبأ بها الفيزيائي الأيرلندي (جورج ستوني George Johnstone Stoney) في عام 1874 ومن هنا، وُلد نموذج (فطيرة الخوخ) الذري، وسُمي بهذا الاسم لأنه يُشبه كثيرا الحلوى الإنجليزية التي تتكون من فطيرة الخوخ والزبيب. تم إدخال هذا المفهوم للعالم في طبعة مارس 1904 من المجلة الفلسفية في المملكة المتحدة، لتحصل على شهرة واسعة.
المشاكل مع نموذج (فطيرة الخوخ):

للأسف، كشفت التجارب اللاحقة عن عدد من المشاكل العلمية في نموذج فطيرة الخوخ، فهناك مشكلة أن الذرات ككل متعادلة الشحنة فأين الشحنة الإيجابية التي تعادل شحنة الإلكترون ؟!، وهذه المشكلة عرفت باسم “مشكلة طومسون”. بعدها بخمس سنوات، أُثبت هذا النموذج عدم صحته من قبل هانز جيجر Hans Geiger وإرنست مارسدنErnest Marsden، حيث أجريا سلسلة من التجارب باستخدام جسيمات ألفا والرقائق الذهبية.
فيما أصبح يعرف باسم “تجربة الرقائق الذهبية”، حيث تم قياس نمط تشتت جسيمات ألفا بواسطة شاشة الفلوريسنت. إذا كان نموذج طومسون صحيح، فإن جسيمات ألفا تمر من خلال التركيب الذري للرقائق دون عوائق. ولكن هذا لم يحدث، فما حدث هو أن معظم جسيمات ألفا مرت بالفعل من الرقائق الذهبية وبعض منها انحرفت في اتجاهات مختلفة, وبعضها ارتدت مرة أخرى إلى حيث جاءت.
خلص جيجر ومارسدن أن الجسيمات قد واجهت قوة كهرباء أكبر بكثير من الحد المسموح به وفقا لنموذج طومسون . بما أن جسيمات ألفا هي مجرد نواة الهليوم (التي هي موجبة الشحنة) هذا يعني أن الشحنة الموجبة في الذرة لم تتفرق على نطاق واسع، ولكن تمركزت في حجم صغير. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الجسيمات التي لم تنحرف مرت دون عوائق يعني أن هذه المساحات الموجبة فُصلت بواسطة فجوات واسعة من الفضاء الخالي.

بحلول عام 1911، فسر الفيزيائي (إرنست رذرفورد) تجارب جيجر مارسدن ورفض نموذج طومسون للذرة .بدلا من ذلك، اقترح نموذجا حيث تتكون الذرة في معظمها من فراغ، مع كل شحنتها الموجبة متمركزة في مركزها في حجم صغير جدا، التي كانت محاطة بسحابة من الإلكترونات. أصبح يعرف ذلك باسم (نموذج رذرفورد للذرة)
تجارب لاحقة أجريت من قبل (أنطونيوس فان دن بروك Antonius Van den Broek ونيلز بور Neils Bohr) أخذت النموذج لأبعد من ذلك. فاقترح فان دن بروك أن العدد الذري للعنصر مشابه جدا لشحنته النووية، واقترح ونيلز بور نموذجا للذرة مشابها للنظام الشمسي، حيث تحتوي النواة على العدد الذري للشحنة موجبة وتحيط بعدد مساو من الإلكترونات في هياكل مدارية, و(يعرف بنموذج بور).

على الرغم من أن (نموذج طومسون) فقد لمصداقيته, وبعد خمس سنوات فقط ، لكن ذلك لا يجعلنا ننكر كونه خطوة حاسمة في تطوير النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات, حيث أكد أن الذرة قابلة للانقسام، وأكد وجود القوى الكهرومغناطيسية داخل الذرة، بل من شأنه أيضا أن يثبت تأثيره الكبير على مجال فيزياء الكم.

إعداد: مريم خالد
تدقيق: شريف منصور

المصدر