شرارة الحياة تظهر في المختبر لأول مرة، التمثيل الغذائي لا يحتاج لخلايا. أظهرت دراسة إمكانية وجود الآليات الاستقلابية خارج الخلية، هذا الاكتشاف المفاجئ قد يعطينا لمحة عن بداية الحياة وبساطة تشكلها.
أظهرت نتائج دراسة ماركوس رالسير أن هذه التفاعلات ربما قد حدثت بشكل عفوي في محيطات الأرض قديماً، محفزة بالأيونات المعدنية، بديل الإنزيمات الموجودة في الخلايا اليوم.
يشكل ظهور الاستقلاب Metabolism (الاستقلاب = الأيض = التمثيل الغذائي) أحد أهم الفجوات في فهمنا لبداية ظهور الحياة على الأرض.
يعلّق رالسر: «إن نظرت إلى أنواع مختلفة من الكائنات في العالم ستجد أن تفاعلات الاستقلاب دوماً تبدو متشابهة، مما يدل إلى أنها قد تنظمت وحصلت في وقت باكر أثناء التطور، لكن لا أحد يعرف بصورة دقيقة كيف ومتى.»
حدث جميل
إحدى النظريات أن الرنا كان أساس البدء لتركيب الحياة، لأنه مهم لتصنيع الأنزيمات التي تقوم بتفاعلات الاستقلاب، احتمال آخر هو أن الاستقلاب جاء في البدء محفزاً المواد لتشكيل الرنا البدئي، ثم قامت الخلايا بإدراج آليات الاستقلاب فيها، لكن هذا التصور لا يملك كثيراً ما يدعمه.
«هذه هي التجربة الأولى التي تظهر إمكانية وجود الاستقلاب دون الاضطرار لوجود الرنا في البدء.»
حصلت هذه التجربة عن طريق حادث مفاجئ خلال مراقبة رالسر لجودة الوسائط التي يستخدمها لزرع الخلايا، فمرر أحد طلابه الوسط الغير المستخدم من قبل على جهاز مطياف الكتلة، الذي التقط إشارة للبيروفات، مركب نهائي لإحدى عمليات الاستقلاب المسماة بالتحلل السكري.
لمعرفة إن كانت تلك الآلية قد ساعدت في ظهور الحياة على الأرض، تواصل رالسر مع زملائه في قسم علوم الأرض الذين كانوا يعملون على الوصول لكيميائية المحيط القديم الذي غطى الأرض منذ أربعة مليار سنة، وكان وسطاً عديم الأكسجين، سابقاً للتركيب الضوئي وغنياً بالحديد والمعادن والفوسفات. وجود هذه المركبات قد يسهل التفاعلات الكيميائية كما نرى في الخلايا الحديثة.
أخذ فريق رالسر سوائل المحيط القديم وأضافوا مواداً معروفة كنقاط بدء في طرق الاستقلاب الحديث وتسخين العينات لدرجات حرارة بين 50 و70 سيليسوس، لخمس ساعات.
«في البداية كنا نتمنى الحصول على تفاعل أو اثنين، لكن النتائج كانت مبهرة، لقد استطعنا إعادة تشكيل طريقين من طرق الاستقلاب كاملة تقريباً.»
الطرق الاستقلابية كانت التحلل السكري وطريق بينتوز فوسفات، وهي طرف تعتبر العمود الفقري لأي خلية حية. هذان الطريقان معاً يشكلان مواد مهمة في الخلايا الحديثة، من ضمنها ال ATP، المركب الذي تستخدمه الخلايا لتشغيل وظائفها، و السكر الذي يستطيع تشكيل الدنا والرنا، المركبات المسؤولة عن تشكيل الدسم والبروتينات.
إن كانت هذه الطرق الاستقلابية قد حصلت فعلاً في المحيطات البدئية، فإن الخلايا القديمة ربما استطاعت ضمها إليها أثناء تشكل الغلاف الخلوي.
تمّ التعرف على 29 طريقاً استقلابياً وتفاعل كيميائي خلال التجربة، لم تكن جميعها مماثلة لما يحدث في الخلايا الحديثة، وربما يُعزى ذلك إلى تطور هذه الطرق الاستقلابية وتحسينها أثناء التطور في الخلايا وظهور الأنزيمات.
رد عكسي
إن الحصول على مركب “ريبوز-5- فوسفات” يعد مهماً للغاية، فهو المركب السابق للرنا الذي يرمزّ في الجينات الموجودة عليه إلى جميع التفاعلات الكيميائية وتفاعلات التضاعف.علق ماثيو باونر من جامعة كوليدج في لندن، إن هذه الورقة تحمل معلومات مثيرة للاهتمام فيما يتعلق ببدء الحياة، إنها تعطينا تلمحيات أن الأنزيمات المعقدة ربما تطورت لأن المواد التي قد قامت بالتفاعلات لم تكن بنفس فعالية الأنزيمات.
لكن هناك مشكلة كبيرة فيما يتعلق ببدء الحياة، ماهو مصدر تلك الجزيئات والمركبات؟ لا أحد يستطيع تأكيد ظهورها بشكل عفوي في المحيطات القديمة، كما يقول ماثيو.
فيما يتعلق بهذه التفاعلات، فإنها تتجه باتجاه واحد فقط من السكريات المعقدة إلى مواد بسيطة كالبيروفات، مما يعطي انطباعاً إن الكائنات في المحيط ربما كانت أقل تطورياً وتقوم بالتفكيك عوضاً عن الوصول لأساسيات الاستقلاب الحديث.
يقول جاك سزوستك، أحد دارسي “أصل الحياة” في هارفارد: « أستطيع أن أخلص إلى أن الاستقلاب كان لابد له أن يتطور داخل الخلايا، كل تفاعل وكل تحفيز على حدة، وليس في آن واحد.»
لكن رالسر يعارض ذلك، حسب رأيه فأن التفاعلات إن حفزت بواسطة مركب أو أنزيم في المحيط القديم، فإن النتيجة واحدة «كل تفاعل كيميائي في الأساس عكوس، سواء كان المحفزّ مركب بسيط أو أنزيماً معقدًا.»
اقرأ أيضًا:
- قواعد خفية في علم الوراثة عن كيفية بدء الحياة على الأرض: كيف تُرجمت الجينات لأوّل مرة إلى بروتينات؟
- الغبار النجمي يحمل بذور بدء الحياة
- الثقوب السوداء ضبطت الساعة لبدء الحياة على الأرض
- علماء يطرحون سيناريو جديد لبداية الحياة على الارض