نُشاهد القمر كل ليلة في السماء ونتأمل في جمال وبهاء منظره ومشهده، ومنذ قديم الأزل والقمر هو أحد محاور اهتمام الإنسان، فتارة يتخذه إله، وتارة يوجه إليه أشعاره.

ونحن سنتخذ نفس الدرب ولكن ليس لغرض الشعر أو غيره بل لمعرفة كيفية حركته حول الأرض وآلية حدوثها.

نصادف في حياتنا اليومية العديد من الأجسام المتحركة، وقد تناولنا منها مُسبقًا ما قد يتحرك في خط مُستقيم وما قد يتحرك في خط منحني، ولكننا الآن سنتناول ما قد يتحرك منها في شكل قِطع مكافئ، مثل قذيفة تخرج من مدفع فتسلك مسارًا نحو جهة اندفاعها ونحو الأرض بتأثير الجاذبية.

كلها حركات بسيطة في ظاهرها، ولكنها تحمل في مكنونها ميكانيكية معقدة للغاية.

دعنا نتخيل أن هنالك حجرًا مربوطًا بحبل، نمسك هذا الحبل ونقوم بتحريكه بسرعة في شكل دائري، وفجأة نترك هذا الحبل، فمن الطبيعي أن الحجر سيندفع بقوة شديدة لمسافة بعيدة جدًا.

لكن ما الذي حدث هنا بالتحديد؟ ما حدث هو أن الحجر أثناء دورانه، قام برسم دائرة مكتملة، ونستطيع أن نحدد سرعة الحجر خلال هذه الدائرة في أي نقطة وذلك عن طريق رسم شعاع من النقطة المُراد قياس السرعة عندها، ويكون هذا الشعاع مماس لمنحني الدائرة.

ولمعرفة مقدار التغير في سرعة الحجر عند كل نقطة نقوم بقياس المسافة بين شعاعين ممتدين ومماسين لنقطتين مختلفتين في تلك الدائرة، ومقدار التغير في السرعة عند كل نقطة من نقاط المنحني، هو دليل قطعي على وجود قوة مؤثرة على هذا الحجر، والقوة بالطبع مُستمدة من حركة اليد التي تمسك بالحبل المربوط بالحجر.

سأخبرك بمفاجأة صغيرة لكنها محور العملية من الأساس، إذا قمنا بتمثيل مقدار التغير في السرعة بين نقطتين على منحني الدائرة بشعاع، فدائمًا وأبدًا سنجد هذا الشعاع يتجه نحو مركز الدائرة، أي أنه من المستحيل أن تؤثر القوة الناتجة من حركة اليد على أي شيء آخر سوى الحجر فقط.

عزيزي القارئ، ما قمت بقراءته في السطور السابقة هو تفسير حركة القمر حول الأرض، والتي يمكن تمثيلها بحركة دائرية منتظمة مثل حركة الحجر المربوط بالحبل.

إن القوة تنتقل من اليد إلى الحجر بواسطة الحبل، لكن القوة تنتقل من القمر إلى الأرض ولكن بدون حبل. يمكن إيجاز ما قمت بذكره «القوة والتغير في السرعة يمكن تمثيلهما بشعاع واحد له نفس الأتجاه».

ربما يمكننا تقسيم العلم إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل غاليليو، ومرحلة ما بعد غاليليو، فلا ينتابك العجب بذكر غاليليلو، فهذا الرجل حقًا أعطى للعلم بُعدًا منهجيًا عظيمًا، ربما لم نلحظه سوى في علوم الفلك والفيزياء، ولكن أسلوبه كان مُعتَمدًا من قِبل من تلاه من العلماء لأنه الأسلوب الأكثر دقة والأكثر إقناعًا ومنطقية، وهذا ما يتطلبه العلم.

ولكن هنالك بعض الحالات الخاصة التي قد تتطلب منّا هجر الدقة، واللجوء إلى بعض النتائج التي لم نستطع أن نبرهن على كيفية الحصول عليها، وهذا ما قد واجهه العلماء على مر العصور في علم الفيزياء الذي كان يحتاج وبشدة لعلم الرياضيات إلى جانبه.

مع العلم أنه أيضًا هنالك بعض التجارب التي لم نستطع تفسيرها رياضيًا، فكان لزامًا على المجتمع العلمي أن يبتعد عن الرياضيات مؤقتًا مُقابل دفع عربة العلم للأمام من خلال النتائج المنطقية التي تم التوصل إليها.

لم نُذكر نيوتن في هذه المقالة بَعد، ولكن قد حان وقت ذكره الآن.

بعد أن تعرّفنا على كيفية دوران القمر حول الأرض، والقوة المؤثرة بينهما، ننتقل إلى جُرمين سماويين أُخريين وهما الأرض والشمس، فمن المُتعارف عليه أن الأرض تدور حول الشمس في مدار أهليجي أو بيضوي، ومما سبق فسوف نستنتج أيضًا أن الأرض تؤثر بقوة على الشمس، ولكن كل هذا لا يهم.

ما يهم هو محاولتنا للتنبؤ بحركة الأرض حول الشمس لكي نعرف بعض الظواهر الفلكية التي قد تحدث مُستقبلًا مثل كسوف الشمس مثلًا، ولكن معرفتنا باتجاه خط القوة وحده لن يكفي كما كان في حالة القمر والأرض، بل نحن بحاجة لمعرفة اتجاه خط القوى بالإضافة لشدته ومقداره.

نعود إلى السيد نيوتن الذي أعطى تخمينًا قد يساعدنا في هذا الأمر، فبواسطة قانون التثاقل، أو ما يُعرف بقانون الجذب العام الذي ينص على « قوة التجاذب بين أي جسمين، تتناسب طردًا مع كتلتيهما، وعكسًا مع مربع المسافة بين مركزيهما»، أي أنه لو أن هنالك جسمين وقمنا بزيادة المسافة بينهما إلى الضعف فإن قوة التجاذب بينهما ستقل أربع مرات، وبالفعل نجح نيوتن في هذا القانون بتوضيح العلاقة بين القوة والمسافة بين أي جسمين.

لكن هذا لن يكفي للتنبؤ بحركات الأجرام السماوية أو الأجسام بشكل عام، فلقد عرفنا منذ قليل بأن التغير في السرعة والقوة يمكن تمثيلهما بشعاع واحد في نفس الاتجاه.

إذًا فنحن هنا بحاجه إلى قانونين، إحداهما عام: وهو يتناول العلاقة بين القوة وبين مقدار التغير في سرعة الكوكب، والآخر خاص: وهو يتناول العلاقة بين القوة وبين المسافة بين الجسمين السماويين، وهذا ما قد تواجد بالفعل، فالقانون العام الأول يمكن التعبير عنه بواسطة قانون نيوتن العام للحركة، والآخر يمكن التعبير عنه بواسطة قانون الجذب العام أو التثاقل.

نستطيع من خلال قوانين نيوتن تلك وبمعرفة مكان الكوكب وقوته أن نحدد مقدار التغير في سرعته، ومن ثَم نستطيع تحديد مكانه في أي وقت في المستقبل.

وهذا يوفر علينا الكثير من الوقت الذي قد يُستغرق في عمليات الرصد التي لا تخلو من الأخطاء، ومع تحديد مكان الكوكب باستمرار نستطيع أن نرسم مدار الكوكب حول الشمس، لكن كل هذا لن يُعطينا نتائج دقيقة بالإضافة إلى أنها طريقة مُتعبة للغاية.

وهنا أتى علم الرياضيات ليجعل الأمر يسيرًا للغاية عن طريق بعض المعادلات الرياضية التي سوف نتناولها مُستقبلًا، وكل معادلة من هذه المعادلات لا تستنفذ مقدار من الحبر أكثر من جملة واحدة في سطر واحد، وهنا تتجلى أهمية علم الميكانيكا في توصيف حركة الكواكب حول الشمس، بالرغم من تواجد بعض القوانين الأخرى الأكثر فاعلية، ولكن يبقى الأساس العلمي واحد.

قاربنا من الانتهاء من مفاهيم الحركة، ولكن يتبقى لنا أمر هام للغاية وهو مفهوم الكتلة.

لنأخذ سيارة تسير على طريق ممهد ونقوم بالتأثير عليها بقوة ما في نفس اتجاه حركتها، فما سنلاحظه هو زيادة سرعة السيارة، وكلما أثرنا بنفس القوة كلما زادت السرعة بنفس المقدار، لكن إن قمنا بزيادة كتلة السيارة، سواء بإضافة حِمل عليها أو بأي طريقة أخرى، فإن معدل الزيادة في السرعة بعد الدفع، سيكون أقل من ذي قبل.

ونخرج من هذا المثال باستنتاج هام وهو أن العلاقة بين السرعة والكتلة علاقة عكسية، فكلما زاد أحدهما نقص الأخر.

انتهينا بالفعل من الحركة التي قد استنفذت منّا ثلاث مقالات كاملة، وعرفنا من خلالهم كيفية تفسير الحركة على خط مستقيم أو خط منحني أو قطع مكافئ، وعرفنا أيضًا كيف أن تفسير مثل تلك الظواهر قد تطلب جهود عظيمة من علماء أمثال غاليليو ونيوتن، وكيف أن هنالك تداخل بين الكثير من العلوم لتفسير الحركة.

وبالمرة القادمة سندخل جُحرًا آخر، وهو درجة الحرارة.


مصدر 1
مصدر 2
مصدر 3