على مدى الأربع سنوات الماضية،  تتصارع دراسات الفيزيائيين للأسس الرياضية للثقوب السوداء مع فكرة غريبة مفادها: أن الثقوب السوداء تحتوي على منطقة معروفة باسم “جدار الحماية”، هذا الجدار  يقضي تماماً على من يجرؤ على عبور حدوده.

ومع ذلك، فإن ورقة بحثية جديدة بعنوان( جدران الحماية العارية بالثقب الأسود ) والتي شارك في تأليفها الأستاذ الفزيائى بجامعة ألبيرتا “دون ن. بايج”  تهدف إلى مهاجمة المبادئ الأساسية التي تؤدي إلى هذه الفكرة الغريبة بشيء أكثر غرابة.

يقول بايج “جدار الحماية المفترض بالثقب الأسود هو واحد من أهم المشاكل في الفيزياء اليوم، ونأمل أن تساهم ورقتنا البحثية بشدة في هذا المجال”… “كوني جزء من مجتمع جامعة ألبرتا، لقد كان لي شرف أن أكون قادر على التفاعل مع العديد من الآخرين في هذا المجال في جميع أنحاء العالم.”
ويتضمن المساهمين في هذه الورقة البحثية كل من : بيسين تشين من جامعة تايوان الوطنية وجامعة ستانفورد، وألين تشين أونج معهد الشمال للفيزياء النظرية  (Nordita)، وميزاو ساساكي من جامعة كيوتو, ودونغ هان ييوم من جامعة تايوان الوطنية.

الصورة الكلاسيكية للثقب أسود تأتي مباشرة من نظرية النسبية العامة لأينشتاين. فهو كائن ضخم يطوي نسيج (الزمكان), مع مادة محددة كافية ، هذه المنطقة من الزمكان تصبح شديدة الانحدار  فحتى الضوء بسرعته لا يستطيع الهروب منها.  ولأنه لا يمكن للضوء أن يهرب،  أصبحت هذه الكائنات المعروفة باسم الثقوب السوداء، داخلة إلى وعينا الثقافي كأكبر مكب قمامة فضائي مرعب في الكون.  ووفقا لهذا النموذج من الوصف فإن مسافر الفضاء تعيس الحظ إذا دخل أفق الحدث للثقب الأسود ، سيتم تدميره بالكامل.

وعلى الرغم من البساطة الواضحة للفرضية السابقة ، فقد كانت الثقوب السوداء صعبة الوصف بطريقة شيطانية مرعبة، ففي سبعينيات القرن الماضي اقترح عالم الفيزياء ستيفن هوكينج أن بعض الجسيمات يمكنها الهروب من الثقب الأسود من خلال عملية تنطوي على خلق الجسيمات المتشابكة، وذلك في نظرية معاصرة معروفة باسم (إشعاع هوكينج).  ومنذ ذلك الحين فإن مجال (فيزياء الثقب الأسود) منبع للظواهر المثيرة للاهتمام, ويتطلب وصفها وصفاً كاملاً الاعتماد على رياضيات نظرية الكم, والنسبية العامة فى آنٍ.

طوال العقود الأربعة الفاصلة ظلت مشكلة تضارب المعلومات عن الثقب الأسود تحبط الفيزيائيين كنتيجة مباشرة لإدخال تعريف رياضيات نظرية الكم في هذا المزيج. ”

في البداية اعتقد معظم العلماء الذين يعملون على نظرية أينشتاين للجاذبية أن اقتراح هوكينج الأصلي كان صحيحاً، يتم فقدان هذه المعلومات عندما تتشكل الثقوب السوداء وتتبخر”.

وها هو بايج -الذي كتب الصفحة البحثية الأولى -معارضا اقتراح هوكينغ بقوله: “الآن يعتقد معظم فيزيائيين الجاذبية وليس كلهم  , بما فيهم هوكنغ نفسه، أن المعلومات لا تضيع. ومع ذلك، فإنه لا يزال غامضا كيف تكون المعلومات محفوظة بالتفصيل.”

 

في ميكانيكا الكم يوجد مبدءان هما(حتمية الكم والعودة إلى الوراء) وهما يشيران  إلى أنه يجب دائماً أن تكون المعلومات محفوظة. ولكن منذ وقوع المواد داخل الثقب الأسود، جنبا إلى جنب مع المعلومات التي تصف تلك المواد، فعلى ما يبدو أنها أبيدت في وقت ما بعد عبورهم أفق الحدث، فقد تُرك علماء الفيزياء في حيرة من أمرهم حول هذا التناقض الظاهر.

تنشأ المفارقة نفسها بسبب نظرية إشعاع هوكينج ، مما يدل على أنه يمكن لجسم أن ينبعث من الثقب الأسود ، ولكن في البداية قد بدا أنه لا معلومة عن هذا الجسم الذي سقط مرة واحدة في الثقب الأسود قد اختفت.

في عام 2012، وجدت مجموعة من الفيزيائيين الذين يدرسون هذه المفارقة أن ثلاثة افتراضات أساسية تشارك في هذه المفارقة ولا يمكن أن تكون تلك الافتراضات كلها ثابتة .

أي أن مبادئ الوحدة ونظرية الحقل الكمومي المحلية تتناقض مع افتراض “عدم الدراما”_ بمعنى أنه لا يجب أن يحدث أي شئ غير عادي عندما يقع كائن من خلال أفق الحدث. بدلا من ذلك، اقترحوا أن الحل الأكثر تحفظا لهذا التناقض هو أنه لن يكون هناك بالفعل “دراما” على سطح الثقب الأسود في شكل “جدار الحماية” الذي من شأنه أن يدمر الجسم الساقط. هذا يبدو مثيراً للدهشة، لأن الانحناء صغير لا يكاد يذكر بالنسبة لأفق الحدث فى الثقب الأسود الكبير بما فيه الكفاية، حيث أن ركيزة النسبية العامة وأى امرؤ لن يتوقعا أي شيء خاص من شأنه أن يحدث عند عبور الأفق.

يوضح المتعاون بيسين تشن من جامعة تايوان الوطنية:” إن ما يسمى بجدران الحماية أو (المناطق ذات كثافة الطاقة العالية) التي كنا نظن أنها تمثل سطح الثقب الأسود من الممكن أن تدمر أي شيء من شأنه الوقوع فيها “.

الموقف المفترض من جدار الحماية هو الشيء الذي لم يرق أبداً لواضعي الورقة البحثية ، الذين بدءوا العمل في هذا المشروع في ورشة عمل في معهد يوكاوا للفيزياء النظرية في كيوتو اليابان. فمنذ أن كان مقترح أن جدارن الحماية من المفترض أن تكون مخفية وراء أفق الحدث، كان من شأن المراقب المسافر عبر الأفق المنحني بنسبة طفيفة بالثقب الأسود الكبير أن يلمح باطنها، بدلا من حرقه لحظة المرور بجانب الحجاب.

وهجوماً على المبادئ الأساسية المستخدمة في إنشاء جدار الحماية، أوضح المؤلفون أن هذه المنطقة من دمار ميكانيكا الكم يمكنها أن تهاجر بشكل غريب إلى منطقة خارج الثقب الأسود بسبب التقلبات الكمومية لإشعاع هوكينغ، مما يسمح للمراقب برؤية  واضحة لجدران الحماية “العارية” بالثقب الأسود.

ويقول المساهم من جامعة كيوتو (ميزاو ساساكي):” في حالة وجود جدار الحماية، فذلك ليس فقط من شأنه أن يدمر الجسم الساقط داخله، ولكن الدمار يمكن أن يكون واضح حتى من الخارج”.

بايج يؤكد: أن مثل هذا “جدار الحماية العاري” خارج الأفق يشكل معضلة. إذا كان جدار الحماية موجود بالفعل.

أى أنه لن يقتصر ببساطة على منطقة داخل الثقب الأسود، ولكن قوته التدميرية يمكن أن تصل إلى ما وراء حدود أفق الحدث، وصولا إلى منطقة من الفضاء يمكن ملاحظتها, وهذا يجعل فكرة جدران الحماية  أقل تحفظا مما كان يعتقد سابقا ، ويقترح بأن علينا بذل المزيد من الجهد لإيجاد حل أفضل لمفارقة جدار الحماية.


 

المصدر