قد تكون سمعت عن النسب والأرقام الصادمة والمخيفة عن نسب التحرش في جمهورية مصر، فقد بلغت نسبة النساء اللاتي تعرّضن للتحرش في مصر 99.3%، 96.5% منهن تعرضن للتحرش بلمس أجسادهن.

ونسبة 49.2% من ضحايا التحرش يتم التحرش بهن يوميًا بشكل أو بآخر.

تبدو هذه النسب مخيفة فعلًا، وتدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي أدت لوصول الحال إلى ما هو عليه.

ومن بين ردود الأفعال والآراء التي ظهرت تجاه تلك الإحصائيات؛ فإن أحد الآراء المنتشرة بشكل لا يستهان به يعتمد على إلقاء اللوم على الضحية.

فمثلًا نجد بعض الأشخاص يقولون إنها غلطة الفتاة، أو هي من جنت على نفسها بارتدائها ذلك الثوب الضيق، وغيرها من العبارات التي تلقي باللوم على الفتاة فيما يخص ظاهرة التحرش الجنسي.

ومن المثير للاستغراب؛ أن البعض من أولئك الأشخاص يحاولون تفسير التحرش الجنسي وإلقاء اللوم على الفتاة اعتمادًا على كلمات مقتبسة من علوم البيولوجيا وعلم النفس.

وقد انتشرت مؤخرًا آراء تخطت مرحلة القاء اللوم على الفتاة فحسب؛ بل تعدتها لتصف الفتاة بأنها -تتحرش بالشاب- بسبب لباسها الضيق أو طريقة مشيتها أو مكياجها أو طريقة تحدثها.

ووصفوا هذا الشيء بأنه -تحرش جنسي بيولوجي- بالشباب في الطريق.

فمن المعروف أن الرجل يستثار جنسيًا عن طريق البصر بنسبة كبيرة، وتكاد هذه النسبة تكون معدومة لدى النساء.

ففي دراسة أجراها عالم النفس ديفيد بوس (David Buss) اشتملت على 10 آلاف امرأة من 37 حضارة مختلفة، وجد أن المرأة لا تهتم بمظهر الرجل قدر اهتمامها بما يمكن أن يقدمه لها من حماية وأمان وحسن صحبة.

كما وجد ديفيد بوس أن الرجل يجذبه في المرأة صفاتها الجسدية الأنثوية، وهذا ما يجعله ينجذب تجاه الأنثى.

وهذه حالة بيولوجية لا يمكن التحكم بها، وهذا ما يستخدمه بعض المدافعين عن الرأي القائل “هي من جنت على نفسها”.

ولنفسّر -نظرية التحرش البيولوجي- كما سنسميها بمثال بسيط: تخيل أن رجلًا جائعًا يمشي في الطريق، وفي أثناء مشيه صادف شخصًا آخر يخرج من مطعم فاخر ويحمل وجبة لذيذة وشهية.

الآن بيولوجيًا- فهذا الرجل الجائع سيندفع باتجاه الشخص الثاني ويسلبه وجبته.

في هذه الحالة، هل يكون الشخص السارق بريئًا؟

وهل نستطيع أن نضع اللوم على الشخص صاحب الوجبة بوصفه أنه قد تحرش بيولوجيًا بالرجل الجائع؟

أم أن الخطأ من الأساس هو المطعم الذي ينتج الوجبات الشهية ويتحرش بالناس؟

حسب نظرية التحرش البيولوجي؛ فإن الجواب على هذه الأسئلة يكون “نعم”.

ولكن لنتمهل قليلًا، ألا تبدو لك هذه الأجوبة غير منطقية؟

هل يمكننا بأي حال من الأحوال قبول هذه التفسيرات؟

والأسوأ من ذلك بكثير أن هذه المقارنة ظالمة نوعًا ما، فمن المعلوم بأن الأذى النفسي لدى الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش الجنسي يكون كبيرًا جدًا.

حتى أن نسبة الفتيات اللواتي حاولن الانتحار بعد تعرضهن للتحرش تبلغ 8% وهذه نسبة لا يستهان بها.

ولكن لماذا نتعاطف مع المذنب ونلقي باللوم على الضحية؟

هذه الظاهرة تسمى في علم النفس ظاهرة تقليل الاستياء (discomfort reduction)، وهي ظاهرة نفسية تدفع بالأشخاص إلى القاء اللوم على الضحية (المجني عليه) في محاولة يائسة لإسكات صوت الضمير والهروب من الشعور بالذنب.

وبالتالي فهذه مشكلة نفسية في المقام الأول.

في عام 1999 قامت ليندا كارلي (Linda Carli) بإجراء تجربة على مجموعتين من الطلاب، والتجربة تقوم على سرد قصة واحدة لكلا المجموعتين، وهذه القصة تدور حول فتاة تعرفت على شاب في حفلة موسيقية.

بعد أن انتهت الحفلة تحدث الشاب والفتاة قليلًا وطلب الشاب من صديقته الجديدة أن يوصلها إلى بيتها، وأوصلها إلى بيتها، وهنا انتهت القصة للمجموعة الأولى؛ أما المجموعة الثانية فقد أكملت القصة بأن الشاب تحرش بصديقته عند إيصالها إلى المنزل.

وسألت المجموعتين عن رأيهما في هذه القصة.

والمفاجأة كانت أنه عندما تحرش الشاب بصديقته كان الطلاب يلومون الفتاة أكثر من لومهم للشاب.

وهذا تأكيد آخر على أن تقليل الاستياء يدفع بالكثير من الناس إلى لوم الضحية في محاولة للهرب من الشعور بالذنب.

الحل؟

يكمن الحل الأمثل في محاربة هذه الظاهرة والوقوف ضدها عن طريق التشريعات والقوانين.

ويكمن أيضًا في التربية السليمة وإدراك أن الأنثى ليست فريسة تمشي في الشارع، ولا يهم ماذا يرتدي الشخص أو كيف يتصرف، يجب أن لا نلوم الضحية أبدًا وأن نساندها ونقف إلى جانبها.

علموا أبناءكم أن الأنثى هي الأم والأخت والصديقة والزوجة، وهي مماثلة للذكر ومتممة له.