يقترح بحث الجديد أنه من الممكن أن تكون المادة المظلمة متكونة من جسيمات تزن كل واحدة منها نفس وزن خلية الإنسان وذات كثافة كافية لتكون كل واحدة منها أشبه بثقب أسود مصغر.

بالرغم من أن المادة المظلمة تشكل خَمسة أسداس من مجمل كمية المادة في الكون إلا أن العلماء لا يزالون يجهلون مكونات هذه المادة الغريبة.
وكما نلاحظ من اسمها فإن المادة المظلمة غير مرئية، لا تشع ولا تنعكس ولا تحجب الضوء، وكناتج لذلك فإن المادة المظلمة يمكن دراستها فقط عن طريق التأثيرات الجذبية على المادة الاعتيادية، لذلك فإن طبيعة المادة المظلمة تعتبر من أكبر الألغاز المحيرة للعلم في وقتنا الحالي.

وفي دراسة جديدة لشرح المادة المظلمة تم اقتراح أنه لو تكوّنت المادة المظلمة من جسيمات بالغة الثقل فإن علماء الفلك قد يستطيعون حينها رصد دليل عليها بعد توهج الانفجار الكبير. هذا وقامت دراسة سابقة للمادة المظلمة باستبعاد جميع الظواهر المعروفة للمواد العادية لمعرفة ما يكوّن تلك المادة الغامضة.
التأثيرات الجذبية المنسوبة للمادة المظلمة والتي تتضمن الحركة المدارية للمجرات والتي تشمل مجمل كتلة المادة المرئية في المجرات مثل النجوم والسُحُب الغازية وغيرها، وإن هذه المواد لا يمكنها الاعتماد على حركة المجرة، بذلك نستدل على أن المادة المظلمة يجب أن تكون موجودة.
يتفق العلماء على أن تلك المادة المفقودة متكونة من نوع جديد من الجسيمات يتفاعل بشكل ضعيف مع المادة المعروفة. هذا النوع من الجسيمات الجديدة قد يكون موجودًا خارج نطاق فيزياء الجسيمات المعروفة أو القياسية، والذي يكون أقرب تشبيه حالي لعالم الجسيمات التحت الذرية.

يقول مكولين ساندورا McCullen Sandora عالم الفلك في جامعة جنوب الدنمارك أن بعض نماذج دراسات المادة المظلمة تقترح أن هذه المادة الكونية تتكون من جسيمات ضخمة الحجم ذات التفاعل الضعيف، ويطلق عليها “WIMPs” ويقدّر حجمها بمئة ضعف حجم البروتون، ويضيف ساندورا أيضًا أنه وبالرغم من أن الأبحاث والباحثين المختلفين لم يرصدوا أيًا من هذه الجسيمات حتى الآن إلا أننا نعطي احتمالية مفتوحة بأن جسيمات المادة المظلمة قد تكون مكونة من شيء مختلف للغاية.

والآن يقوم ساندورا وزملائه بالعمل على إيجاد أعلى معدل كتلة للمادة المظلمة لكي يكتشفوا إلى أي مدى يمكن أن تصل ضخامة تلك الجسيمات طبقًا لما يعرفه العلماء عنها.
وفي هذا النوع الجديد للمادة المظلمة والذي يعرف بالمادة المظلمة البلانكية التفاعلية Planckian interacting dark matter  تكون كل من الجسيمات ضعيفة التفاعل ذات كتلة تصل إلى 1019 مرة من كتلة البروتون، أو كما يقول ساندورا لصحيفة الفضاء Space: “مثل تلك الجسيمات يمكن أن تصل إلى ذلك الحجم قبل تحولها إلى ثقب أسود مصغر”.
الجسيم ذو كتلة تصل إلى عشرة مليارات مليار مرة من كتلة البروتون الذي يزن حوالي 1 ميكروغرام، كمقارنة لذلك تقترح دراسة أن خلية الانسان النموذجية تصل إلى 3.5 ميكروغرام.

كما يقول ساندورا: “بدأت بالاستسلام إلى فكرة أن الجهود الجارية لإنتاج أو رصد هذه الجسيمات لا تُظهِر بأنها تعود بأي دلائل مبشّرة”. ويتابع ساندورا أيضًا : “لا يمكننا رسم سيناريو جسيمات WIMP ولكن مع مرور كل سنة تتوسع دائرة الشك بأننا لن نستطيع رصد المادة المظلمة، في الحقيقة لم يكن هنالك أي دلالات حاسمة حتى الآن بأنه هنالك فيزياء جديدة ما وراء الفيزياء التي نعرفها وعلى جميع مقاييس الطاقة التي يمكن تخيّلها، لذلك فقد كنا مجبورين بالتفكير بالحد الأقصى لهذا السيناريو”.

عرض ساندورا وزملائه الفكرة في بادئ الأمر على أنه أمر أكثر من مجرّد فضول عندما اقترح أن ذلك الجسيم الافتراضي ذو الطبيعة الهائلة تعني أنه ليس هنالك أي مصادم جزيئات على وجه الأرض يمكنه إنتاجه أو إثبات وجوده.
ولكن يقترح الباحثون الآن أن هذه الجسيمات لو كانت موجودة فإنه حقًا يجب أن يكون هنالك علامات على وجودها يمكن رصدها في الإشعاعات الكونية الموجية الميكروية للتوهج الحاصل ما بعد الانفجار الكبير الذي شكل هذا الكون قبل 13.8 مليار سنة.

في الوقت الراهن فإن الفكرة السائدة في علم الفلك أن الكون توسع بشكل عظيم بعد لحظات من الإنفجار الكبير.
إن هذا التدفق الهائل والذي يطلق عليه “التوسع Inflation” قد بسط الكون ليبين لنا سبب رؤيتنا الكون بشكل متشابه في جميع الاتجاهات.
تقترح الدراسة أن الطاقة المتبقية من الإنفجار الكبير قامت بتسخين الكون الحديث الولادة خلال الفترة الزمنية التي يطلق عليها “عملية إعادة التسخين reheating”.
وافترض ساندورا وزملائه أن خلال تلك الفترة تم إنتاج كميات كبيرة من هذه الجسيمات البالغة الثقل، كافية لتفسير تأثيرات جاذبية المادة المظلمة على الكون.

على كل حال في هذا النموذج تكون الحرارة خلال عملية إعادة التسخين عالية بشكل كبير وأعلى مما أمكننا افتراضه في النماذج الكونية الاخرى.
ومن ناحية أخرى فعملية إعادة تسخين أعلى قد تترك بالمقابل أثر في الإشعاع الكوني الموجي الميكروي لدرجة أن الأجيال التالية من الموجات قد تتأثر بها.  ويقول ساندورا: “نحن متأملون أن كل ذلك سوف يحدث في السنوات القليلة القادمة وربما في عشر سنوات أخرى كحد أقصى”.

كما يقول الباحثون أنه لو كانت المادة المظلمة متكونة من تلك الجسيمات الفائقة الضخامة سوف لن تسلّط الضوء على طبيعة أغلب المادة الموجودة في الكون فحسب، بل ستعطينا رؤية على طبيعة توسع الكون Inflation وكيف حدثت وكيف تنتهي، وكل هذه الأمور التي لا تزال غير مؤكدة.

على سبيل المثال فلو كانت المادة المظلمة متكونة من هذه الجسيمات فإن ذلك سيكشف لنا كما يقول ساندورا: “أن توسع الكون Inflation حدث بطاقات عالية جدًا والذي بالمقابل يعني أن المادة المظلمة لم تكن قادرة على إنتاج تقلبات في درجة الحرارة فحسب، بل في الزمكان نفسه أيضًا على هيئة موجات جاذبية، وثانيًا تخبرنا أن الطاقة الناتجة عن عملية توسع الكون كانت قد اضمحلت على شكل مادة وبسرعة فائقة لأنها لو أخذت وقتًا كبيرًا فكان سيبرد الكون إلى درجة حيث لن يستطيع الكون حينها إنتاج أي من الجسيمات المادة المظلمة البلانكية التفاعل”.

وقدّم ساندورا وزملائه هذه الدراسات على الإنترنت في العاشر من مارس على مجلة Physical Review Letters .


 

المصدر