كتب هذا المقال ماثيو ديفيدسون (Matthew Davidson) من جامعة موناش (Monash) حيث تم نشره سابقًا في مجلة “المحادثة”.
هل تعتقد أن لهذا الجهاز الذي تستخدمه أنت لقراءة هذه المقالة شعور بنفسه وبالحالة التي هو فيها؟
ماذا عن كلبٍ أليف؟
هل لديه أي فكرة وأي إدراك لحالته وماهيته؟
ما الذي يفصل بين حالة الكلب وحالة الآلة؟
إن كل تلك الأسئلة هي بعيدة كل البعد عن البساطة، ويبقى السؤال “كيف ولماذا يمكن لتواجد ظروف معينة التسبب بظهور تجربتنا كبشر للوعي؟”
أحد أكثر الأسئلة غموضًا في زماننا هذا.
الأطفال حديثي الولادة والمرضى المصابين بتلف دماغي والآلات المعقدة والحيوانات قد يُظهِرون علامات الوعي.
ومع ذلك فمدى وطبيعة تجربتهم الواعية لا تزال محط جدل ونقاش فكري حاد.
إن القدرة على تكميم الوعي من شأنه أن يقطع بنا شوطاً طويلاً نحو الإجابة على بعض هذه المسائل.
من منظور سريري طبي فإن أيّة فرضية قد تخدم غرض الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج أيضاً لتكون قادرة على الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن بعض المناطق في الدماغ تبدو بأنها حاسمة للوعي، وأيضًا حقيقة أن إزالة واستئصال بعض المناطق الأخرى في الدماغ لا يتسبب بتأثّر كبير للوعي.
إن أحد الفرضيات التي كانت آخذة بالحصول على تأييد متزايد في الأوساط العلمية والمجتمع العلمي يطلق عليها نظرية المعلومات المتكاملة (IIT)، حيث كان قد تم اقتراحها في عام 2008 من قِبَل جوليو تونوني (Giulio Tononi) عالم الأعصاب في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه النظرية (IIT) لديها دلالة مفاجئة وهي: في المبدأ، يمكن إيجاد الوعي في أي مكان يجري فيه النمط الصحيح من معالجة المعلومات، إن كان دماغًا أو مجرّد حاسوب.
المعلومات والوعي:
تقول الفرضية بأنه بإمكان نظام مادي فيزيائي أن يسبب ظهور للوعي إذا تم استيفاء اثنين من المسلّمات الفيزيائية: الأول هو أنه على هذا النظام أن يكون غنيًا جدًا بالمعلومات.
فإذا كان نظام ما واعيًا على عدد هائل من المعلومات مثل كل إطار صُوَري في فيلم وكل إطار مميّز عن البقيّة بشكل واضح، فنستطيع حينها أن نقول أن التجربة الواعية متباينة للغاية.
بإمكان كل من دماغك والقرص الصلب خاصتك احتواء معلومات متباينة للغاية كهذه، لكن ومع ذلك فإن أحدهم (دماغك) هو في حالة وعي بينما الآخر (الحاسوب) ليس كذلك.
إذًا فما الفرق بين القرص الصلب ودماغك؟
إن الدماغ البشري هو أيضًا متكامل للغاية، وفيه مليارات الواصلات والروابط المتشابكة بين المُدخَلات تتجاوز تلك التي في أي جهاز حاسوب، وهذا يأخذنا إلى المسلّمة الثانية، وهي أنه من أجل ظهور الوعي فعلى النظام الفيزيائي أن يكون متكامل ومتداخل ومتشابك بشكل شديد.
فمهما كانت المعلومات المدرِك لها أنت في حالة الوعي خاصتك فهي يتم عرضها كافة على عقلك، حيث أنك غير قادر على الفصل بين الإطارات من الفيلم (الفيلم هنا هو الحياة أو حالة الوعي خاصتك) وتحويلها إلى صور منفردة جامدة، بالإضافة إلى عجزك أيضًا عن عزل المعلومات التي تتلقاها من كل حاسة من حواسك عن بعضها.
المعلومات المتكاملة والدماغ:
بالاستعارة من لغة الرياضيات، تحاول (IIT) توليد رقم واحد كمقياس لهذه المعلومات المتكاملة والمتداخلة، هذا الرقم يُعرَف بـاسم “فاي Ѻ))”.
إن أي شيء ذو “فاي” منخفض مثل القرص الصلب لن يكون واعي، بينما أي شيء آخر ذو “فاي” كبير بشكل كافي سيكون واعيًا، مثل أدمغة الثديات.
الأمر الذي يجعل فاي مثيرًا للاهتمام هو إمكانية اختبار عدد من توقعاته تجريبيًا:
إذا توافق الوعي مع كمية المعلومات المتداخلة والمتكاملة في نظام ما فإنه يجب على قيم تلك “الفاي” التقريبية أن تختلف خلال حالات الوعي المتغيرة.
وفي الآونة الأخيرة قام فريق من الباحثين بتطوير أداة قادرة على قياس كمية مرتبطة بالمعلومات المتكاملة في الدماغ البشري، وقامت هذه الأداة باختبار الفكرة التي ذكرناها آنفًا.
استخدموا نبضات كهرطيسية لتحفيز الدماغ، وكانوا قادرين على التمييز بين العقول اليقظة والمخدرة من خلال درجة تعقيد النشاط العصبي الناتج.
وكانت هذه الإجرائية نفسها قادرة على التمييز بين أدمغة معطوبة لمرضى في حالة ثُبات وبين حالات الوعي الدنيا.
كما ازدادت قيمة القياس عندما انتقل المرضى من حالة النوم دون أحلام إلى حالة النوم المليئة بـالأحلام.
تتنبأ (IIT) أيضًا بسبب أن المخيخ يبدو وكأنه يسهم في حالات الوعي الدنيا، على الرغم من أنه يحتوي على عدد أكبر بأربعة أضعاف من الخلايا العصبية مقارنةً ببقية القشرة المخية والتي تبدو بأنها مُستَقَر الوعي في الدماغ.
لدى المخيخ ترتيب بلوري بسيط نسبيًا من الخلايا العصبية.
لذلك فقد اقترحت (IIT) أنه غني بالمعلومات العالية التباين، إلا أنه يفشل في الشرط الثاني للتكامل.
وعلى الرغم من أنه هنالك الكثير من العمل الذي يجب القيام به، لكن لا تزال هنالك بعض الدلالات المدهشة لهذه الفرضية الخاصة بالوعي.
وإذا كان الوعي هو عبارة عن سمة ناشئة من شبكة معلومات متكاملة للغاية كما تقترح (IIT)، إذًا فإن جميع الأنظمة المعقدة (بالتأكيد جميع المخلوقات التي لها دماغ) لديها شكل للوعي بالحد الأدنى على الأقل.
وبالتالي إن قمنا بتعريف الوعي من خلال كمية المعلومات المتكاملة في نظام ما، فإننا قد نحتاج أيضاً إلى الابتعاد عن أي شكل من أشكال تمييز الإنسان عن غيره من الكائنات كأن نقول أن الوعي محصور بالبشر فحسب.
تحرير : كنان مرعي.
المصدر