جزيئات غامضة عالية الطاقة تعرف باسم الأشعة الكونية تنطلق في الفضاء بمجال كبير من الطاقات، أكبر بملايين المرات من تلك المنتجة في مسرعات الجسيمات الأقوى في العالم.

اعتقد العلماء لفترة طويلة أن الأشعة الكونية في داخل مجرتنا أتت من انفجارات السوبرنوفا, ولكن دراسة جديدة أشارت لمصدر ثانٍ: ثقب أسود هائل في قلب مجرة درب التبانة.

 

بهذه النتيجة الجديدة, البحث عن أصول الأشعة الكونية الذي أصاب العلماء بالإحباط لأكثر من 100 سنة, اتخذ تطوراً جديد غير متوقع.

يقول عالم الفيزياء الفلكية أندرو تايلور Andrew Taylor من معهد دبلن Dublin Institute للدراسات المتقدمة “هو أمرٌ مثير جداً, وعلى الأغلب أنه قد هزّ الساحة بشكل كبير.

سيحتاج الناس إلى إعادة تقييم نماذجهم”.

الأشعة الكونية تشكل لغزاً لعلماء الفلك لأنها لا تتبع طريقاً مستقيماً عبر الفضاء.

فهي تُسحب و تُدفع من قبل المجالات المغناطيسية, لذلك يكاد يكون من المستحيل معرفة من أين أتت جزيئات معينة.

بدلاً من ذلك, نظر الباحثون إلى أشعة غاما, وهي فوتونات ذات طاقة عالية يعتقد أنه يتم إنتاجها في أو بالقرب من مصدر الأشعة الكونية.

على الرغم من أن العديد من الأشعة الكونية من داخل مجرتنا تبدو وكأنها منطلقة من انفجارات السوبرنوفا بسرعات عالية, لكن مثل هذه الانفجارات لا يمكنها تفسير الأشعة الكونية ذات الطاقة الأعلى: التي تقاس بواحدة بيتا-إلكتروفولت (PeV أو 1015 eV).

(هنا على الأرض, 1 PeV هو الطاقة الكليّة التي يستطيع مصادم الهيدرونات الكبير تحقيقها عند صدم أيوني رصاص معاً).

“لا ندري حقّاً ما يجري” يقول فيرنر هوفمان Werner Hofmann من معهد ماكس بلانك للفيزياء النووية Max Planck Institute for Nuclear Physics في هايدلبرغ, ألمانيا.

الصعوبة في دراسة كلّ من الأشعة الكونية و أشعة غاما المصاحبة لها, هي أنها تُدمَّر عندما تتصادم مع الذرات في الأماكن العالية من الغلاف الجوي ولا تصل أبداً إلى سطح الأرض.

مع ذلك تُرسل هذه الاصطدامات وابلاً من الجزيئات الأخرى نحو السطح.

يمكن للفلكيين قياس انتشار هذه الجزيئات بالأجهزة الكاشفة على الأرض, أو التقاط ومضات من الضوء تدعى إشعاعات شيرينكوف Cherenkov تعطيها الجزيئات عندما تتباطأ في الغلاف الجوي.

 

في الدراسة الجديدة, استخدم هوفمان وزملاؤه نظام الطاقة العالية المجسامي High Energy Stereoscopic System) HES), وهو مجموعة من خمسة تلسكوبات في ناميبيا يمكنها الكشف عن هكذا إشعاع.

كما يقول هوفمان إنه ولمدة عشر سنوات كان HESS يدرس مركز المجرة لأنه ببساطة مصدر هام لأشعة غاما.

في السنوات الأخيرة أجرى فريقه مراقبات أكثر تفصيلاً.

وكما ذكر على الإنترنت في مجلة الطبيعة Nature , إن توزيع أشعة غاما القادمة من حول مركز المجرة هو بالضبط ما قد تتوقعون إذا كانت عملية ما بالقرب من الثقب الأسود تطلق بروتونات بطاقات من رتبة بيتا-إلكتروفولت PeV.

قد تصل العديد من تلك البروتونات بعد ذلك بكثير إلى الأرض كأشعة كونية PeV , ولكن البعض يصطدم مع جزيئات غاز على مقربة من مصدرهم وتنتج بذلك أشعة غاما.

وهذه هي أشعة غاما التي يمكن لـ HESS التقاطها, بذلك يكشف عن أصل هذه البروتونات الفائقة السرعة, يقول هوفمان “يظهر حقاً أن هناك مصدر مركزي للبروتونات”.

” هذه نتيجة عظيمة.

 

إنها رائعة جداً “, كما يقول عالم الفيزياء الفلكية باسكوال بلازي Pasquale Blasi العامل بمرصد الفيزياء الفلكية Arcetri في فلورنسا, إيطاليا.

“للمرة الأولى لدينا تقريباّ أدلة مباشرة على عملية تسريع البروتونات إلى هذه الطاقات.”

لكنه ينبّه إلى أنه لم يثبت حتى الآن أن هذه البروتونات نفسها تصل إلى الأرض كأشعة كونية.

عبر هكذا مسافة, هناك احتمال كبير أن تتبدد وتهرب من المجرة.

هناك طرق للكشف عن الأشعة الكونية الموجودة في الطريق بين مركز المجرة وهنا, ولكن كما يقول ” قد نحتاج للتفكير خارج الصندوق “.

وفقا لهوفمان, ” يوجد عدد قليل جدّاً من الأدلة حول ماهية المسرّع الفعلي”, تشير الورقة إلى أحد الاحتمالات وهو أنّه قريباً جداً من الثقب الأسود , حيث يتم امتصاص الغاز والغبار بفعل جاذبيته, تشابك الحقول الكهربائية والمغناطيسية في هذه المواد المسخّنة بشكل كبير يرفع بطريقة أو بأخرى طاقة البروتونات إلى مستوى عالٍ جداً.

سيواصل الفريق رصد أشعة غاما من مركز المجرة من أجل إيجاد التوضيحات.

 

أي تغييرات في السطوع خلال الأيام أو الشهور أو السنوات ستوفر بعض الأدلة, كما هو حال توزيع أشعة غاما حول الثقب الأسود وطيف الطاقة الأكثر تفصيلاً.

يقول هوفمان “هذا يمكن أن يعطي مؤشراً على الآلية “.

في نهاية المطاف , قد يتوجب على الجواب أن ينتظر بناء جهاز كاشف جديد, عبارة عن مصفوفة تلسكوبات شيرينكوف CTA, حيث سيكون لها أكثر من 100 مرآة تنتشر بين المواقع في نصفي الكرة الشمالي و الجنوبي وبهذا ستنتج صوراً بدقّة أفضل من تلك المتاحة اليوم.

يقول هوفمان ” يمكن أن يحدّد CTA حجم المصدر : هل هو حقا [ مصدر ] نقطي أم أنه أكثر امتداداً؟ “.

 

يشير تايلور إلى أن هذه النتيجة تعزّز أيضاً النظرية الحالية لمصدر أندرِ الأشعة الكونية و حتى أعلاها طاقةً التي سافرت من أقاصي الفضاء الواسع عبر المجرات البعيدة.

يعتقد واضعوا النظريات أنها تأتي من النوى المجرية النشطة AGNs, وهي ثقوب سوداء هائلة تستهلك المادة بسرعة فتُسخّن نتيجة لذلك الغاز الهابط والغبار لدرجات حرارة هائلة, مما يجعلها تتألق بشكل كافي لرؤيتها عبر أنحاء الكون.

إذا كان ثقبنا الأسود المركزي الوديع نسبياً يستطيع أن ينتج الأشعة الكونية, يقول: “إن هذا يقوي قضيّة أنّ النوى المجرية النشطة هي مصدر الأشعة الكونية فوق المجرية. “.