طور العلماء تقنية جديدة حولت رئةً متبرَعًا بها إلى رئة يمكن زراعتها لأي متلقٍ بصرف النظر عن زمرة دمه. ومن المتوقع أن تصلح هذه التقنية للتطبيق على عدة أعضاء أخرى في الجسم. خطا العلماء هذه الخطوة في طريق إثباتٍ تجريبي لصحة النظرية التي تقول: «من الممكن إجراء عملية زرع رئة منقولة في صدر أي متلقٍ، بصرف النظر عن زمرة دمه، ما دامت هذه الرئة ذات حجم مناسب».
أجرى الباحثون في الدراسة الجديدة التي نُشرت يوم الأربعاء 16 شباط في مجلة Science Translational Medicine؛ تجاربَ على الرئتين مستخدمين آلية التروية الرئوية خارج الجسم الحي (EVLP) التي تبقي الرئتين على قيد الحياة خارج الجسم في أثناء عملية زرع الرئة.
ونقلًا عن الدكتور مارسيلو سيبل، المدير الجراحي لمركز أجميرا لزراعة الأعضاء وأستاذ الجراحة في جامعة تورنتو والمؤلف المشرف على الدراسة؛ فإن مؤلفي الدراسة يخططون في غضون العام ونصف العام المقبلين لاختبار مثل هذه الأعضاء في تجربة سريرية مع متلقين من البشر.
يقول د. ريتشارد بیرسون، أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة هارفارد، والمدير العلمي لمركز علوم زراعة الأعضاء في مستشفى ماساتشوستس العام، معلقًا دون مشاركته في الدراسة: «قد تساعد هذه التقنية على تقليل عدد الرئات المتبرَع بها والتي نضطر إلى التخلص منها نظرًا إلى غياب متلقٍ مستفيد مطابق للحجم ومتوافق مع زمرة الدم في مكان قريب».
وأضاف: «حتى يكون العضو المنقول من متبرع مطابقًا ومناسبًا لعملية زرع لدى المتلقي، نحتاج إلى عاملين أساسيين هما حجم العضو وزمرة الدم».
سيؤدي ذلك إلى معالجة النقص الحالي في نوع الرئة O، إذ يواجه المرضى أصحاب هذا النوع نقصًا حادًا يجبرهم على الانتظار وقتًا أطول.
وفقًا لتقرير صدر عام 2019 في مجلة Heart and Lung Transplantation، فإن المرضى ذوي زمرة الدم O يسجلون معدلًا أعلى للوفاة بنسبة 20% خلال انتظارهم عملية زرع رئة مطابقة، مقارنةً بالمرضى حاملي زمر الدم الأخرى، وذلك لاضطرارهم إلى الانتظار فترة أطول لكونهم عاجزين عن قبول أعضاء من متبرعين يحملون زمر دم أخرى.
يقول د.سيبل: «إذا استطعنا إزالة هذا الحاجز من نظام الاستبعاد، أعتقد أن وقت انتظار المرضى سيقل، وسيقل معه معدل وفيات مَن هم في قائمة الانتظار».
من الزمرة A إلى الزمرة O.
تشير زمرة دم الشخص إلى وجود جزيئات سكر معينة أو غيابها عن سطح خلايا الدم الحمراء والأوعية الدموية في الجسم، وتُسمى هذه الجزيئات (المستضدات).
تُعرف هذه المستضدات باسمي A وB. يملك الأشخاص من الزمرة A مستضدات A فقط، بينما يمتلك الأشخاص من الزمرة B مستضدات B فقط، أما الأفراد من الزمرة AB فيمتلكون كلا النوعين، في حين أن الأشخاص من زمرة الدم O لا يملكون أيًا منهما.
في حين تحمل خلايا الدم الحمراء والأوعية الدموية هذه المستضدات، تحتوي البلازما -وهي الجزء السائل الصافي من الدم- على أجسام مضادة تتفاعل مع مستضدات محددة في الدم، فمثلًا: يحمل الأشخاص من الزمرة A أجسامًا مضادة من نوع B في بلازما دمهم، لذلك إذا تلقى الفرد ذو الزمرة A عملية نقل دم من شخص ذي زمرة B، سيرى جهاز المناعة دم المتبرع جسمًا غريبًا ويشن هجومًا خاطفًا على جزيئاته.
وعلى غرار ما سبق، يحمل الأفراد من الزمرة O أجسامًا مضادة للزمرتين A و B في بلازما دمهم، ما يعني أن أجهزتهم المناعية تهاجم خلايا الدم الحمراء والأعضاء التي تحمل مستضدات A أو B أو كليهما.
لهذا السبب، لا يمكن لمتلقي الأعضاء من النوع O أن يتطابق إلا مع المتبرعين من النوع O نفسه الذي لا يحوي مستضدات A ولا مستضدات B.
تكمن المفارقة في أن غياب المستضدات لدى الفرد من الزمرة O يحوله إلى مُعطٍ عام، أي إن أعضاءه قابلة لإجراء عملية زرع في جسد أي متلقٍ من أي زمرة دم.
يرفع ذلك الطلب على هذه الأعضاء، وينتهي الأمر بحاملي زمرة الدم O إلى قضاء أطول وقت على قوائم انتظار عملية زرع تناسبهم.
في محاولة لمعالجة هذه المشكلة، تواصل د.سيبل مع البروفسور ستیفن ویذرز أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة كولومبيا البريطانية، الذي يعمل مختبره على طريقة لتجريد خلايا الدم الحمراء A وB وAB من مستضداتها، بهدف تحويلها إلى الزمرة O.
في عام 2018، اكتشف الفريق مجموعة من الإنزيمات في الأمعاء البشرية يمكنها تحقيق هذا العمل الباهر بكفاءة عالية.
يقول د.سيبل: «لقد تواصلنا معهم وعبرنا عن رغبتنا في دراسة هذه الطريقة لمحاولة تحويل العضو بأكمله إلى عضو (عام) يقبل الزراعة في جسد يحمل أي زمرة دموية».
تعاونت المجموعتان أيضًا مع جامعة ألبيرتا لإجراء الدراسة الجديدة، وفي هذه الدراسة طبق الفريق إنزيمين يُطلق عليهما (FpGalNAc دیسیتیلاز، وFp جالاكتوزامینیداز)؛ على رئتي متبرعين من الأشخاص ذوي الزمرة A.
(استُخدمت في الدراسة رئتان غير صالحتين لعملية زرع لدى المرضى).
تلقت الرئتان هذا العلاج الإنزيمي في أثناء دعمهما بجهاز التروية الرئوية خارج الجسم الحي EVLP، الذي حافظ على الرئتين في درجة حرارة الجسم الطبيعية وضخ محلولًا من المغذيات والبروتينات والأكسجين عبرهما.
لاحظ الفريق أن تطبيق الإنزيمات مدة أربع ساعات مكّنهم من التخلص من نحو 97% من المستضدات A في الرئتين.
وبناءً على أقوال د. سيبل، فإن العضو يُترك في جهاز EVLP مدة أربع إلى خمس ساعات عادةً عند نية نقله وزراعته، ومن شأن ذلك أن يجعل هذه النتيجة قابلة للتطبيق السريري.
أجرى الفريق تقييمًا للسلامة باستخدام ثلاثة أزواج من الرئات ذات الزمرة A، ثم عالجوا الرئات على الجانب الأيمن بالإنزيمات وتركوا الرئات على الجانب الأيسر دون معالجة، بعد مضي أربع ساعات من وضع الرئات في جهاز EVLP، قام الفريق بتروية الأعضاء بالبلازما من النوع O، التي تحمل أجسامًا مضادة لكل من A وB، وقيموا أداء الرئات المختلفة.
بحثوا على وجه الخصوص عن علامات (الرفض المفرط الحاد)، إذ تلتصق الأجسام المضادة مباشرةً بالعضو وتسبب أضرارًا واسعة النطاق فتحد من قدرته على العمل.
قال سيبل: «من الواضح أن الرئتين اللتين عولجتا بالإنزيم تعملان على نحو جيد، في حين أن الرئتين اللتين لم تُعالجا؛ ظهرت عليهما علامات الرفض الحاد بسرعة كبيرة».
اقرأ أيضًا:
إذا أُجريت لك عملية زرع رأسٍ بشرية، هل ستبقى أنت نفسك؟
طبيب الأسنان الروبوت ينجح في أول عملية زرع بدون مساعدة بشرية
ترجمة: ميس ابراهيم الابراهيم
تدقيق: عبد الرحمن داده
مراجعة: تسنيم الطيبي