مضى نصف قرن على عودة مهمات أبولو من القمر، لكن العينات القمرية التي أحضروها ما زالت تستمر في إدهاشنا. عمر بعض هذه الصخور أكثر من ثلاثة مليارات سنة، ويظهر أنها تشكلت بوجود حقل جيومغناطيسي قوي، مثل الموجود على الأرض، لكن القمر اليوم لا يملك مجالًا مغناطيسيًا، فهو صغير وكثيف جدًا ومتجمد حتى النواة.
وعلى عكس الأرض، فالطبقات الباطنية للقمر لا تتحرك باستمرار مع مواد ناقلة للكهرباء ما يولد المجال المغناطيسي في الأساس.
إذن، لماذا تخبرنا الصخور القمرية بعكس ذلك؟
من الممكن أن القمر لم يتجمد بالسرعة التي ظنناها، فقد تكون نواته ما تزال منصهرة قبل مليارات قليلة من السنين.
لكن حتى لو احتُفظ بالحقل لمدة طويلة على نحو غير متوقع، فإن قوة هذا المجال المغناطيسي -مع الأخذ بعين الاعتبار حجم القمر- من غير المتوقع أن تضاهي ما تخبرنا به الصخور السطحية.
اقترح بعض العلماء أن القمر كان يتمايل أكثر في الماضي، ما أبقى نواته سائلةً لوقت أطول قليلًا. وقد تكون النيازك المستمرة قد أعطت القمر دفعة من الطاقة أيضًا.
سبق أن وافق الباحثون على وجهة نظر جديدة، تقترح أن رقعًا من سطح القمر كانت معرضة لدفقات قصيرة من النشاط المغناطيسي القوي.
في هذه الدراسة الأخيرة، قدم ثنائي من جامعتي ستانفورد وبراون في الولايات المتحدة نموذجًا يصف بالضبط كيفية تشكل هذه الحقول القوية قصيرة الأمد.
يفسر ذلك عالم الكواكب ألكسندر إيفانز: «بدلًا من التفكير في كيفية إمداد المجال المغناطيسي القوي بالطاقة باستمرار على مدى مليارات السنين، ربما توجد طريقة للحصول على حقل متقطع عالي الطاقة، ونموذجنا يظهر كيفية حدوث ذلك، وهو يتوافق مع ما نعرفه حول طبقات القمر الباطنية».
في أول مليار سنة أو نحوها من عمر القمر، لم تكن نواته أسخن كثيرًا من طبقة الوشاح فوقها، هذا يعني أن الحرارة من باطن القمر ليس لها أي مكان لتتبدد فيه، وهو ما يسبب عادةً حركة المادة المنصهرة، فتميل الأجزاء الأخف والأسخن للارتفاع حتى تبرد، بينما تغرق الأجزاء الأكثر كثافة والأبرد حتى تسخن وهكذا دواليك.
لا بد من وجود سبب آخر لتوليد المجال المغناطيسي.
في بداياته، تغطى سطح القمر بصخور منصهرة، ثم بردت وتصلبت هذه الصخور بنسبٍ متفاوتةٍ.
من المرجح أن مادتي الأوليڤين والپيروكسين بردتا أولًا وبالتالي استقرتا بالأسفل، كونهما الأكثر كثافة. أما العناصر الأخف كالتيتانيوم، فربما بردت لاحقًا واستقرت على السطح.
لكن الصخور الغنية بالتيتانيوم، كانت تزن أكثر من المواد الصلبة تحتها مسببةً سقوط الكتل القريبة من قشرة القمر عبر الوشاح مباشرةً باتجاه النواة، ويعتقد الباحثون أن تأثير الغرق هذا استمر حتى ثلاثة مليارات ونصف مليار سنة مضت مع ركود حوالي مئة فقاعة من الصخور الغنية بالتيتانيوم في القعر كل مليار سنة.
في كل مرة تصطدم فيها إحدى هذه الكتل -التي يبلغ نصف قطرها ستين كيلومترًا- بالنواة، يعيد التباين في درجات الحرارة إطلاق تيار مفاجئ من الانتقال الحراري، تيار قوي بما يكفي لتوليد نبضة مغناطيسية قوية.
يقول إيفانز: «يمكنك التفكير فيها كقطرة صغيرة من الماء تصطدم بمقلاة ساخنة. عندما يلمس النواة شيء بارد، يمكن للكثير من الحرارة أن تنبثق، ما يسبب زيادة ارتجاج السوائل في النواة، مشكّلًا هذه الحقول المغناطيسية القوية المتقطعة».
يمكن للنماذج الجديدة أن تساعد في تفسير سبب إظهار الصخور القمرية المختلفة، بصمات مغناطيسية مختلفة، وقد لا يكون المجال المغناطيسي للقمر ظاهرة ثابتة أو مستمرة.
يختبر الباحثون الآن تفسيرهم بإعادة النظر إلى الصخور القمرية ليروا إمكانية رصد خلفية مغناطيسية ضعيفة تخترقها قوة أكبر من حين لآخر، فوجود نبضات لخلفية مغناطيسية ضعيفة تُرجّح أن المجال المغناطيسي القوي هو الاستثناء لا القاعدة.
نشرت هذه الدراسة في مجلة Nature astronomy
اقرأ أيضًا:
يريد العلماء إرسال أسراب من الروبوتات ذاتية التحكم للتنقيب على سطح القمر
سطح القمر يحتوي على كمية كافية من الأكسجين لاستضافة مليارات البشر!
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق: دوري شديد