أصغر سمكة في العالم هي سمكة بَدسيبريس، إذ يبلغ طولها 7 ملليمترات فقط، وهذا لا شيء مقارنةً مع طول سمكة قرش الحوت الذي يبلغ 9 أمتار. وتشترك السمكة الصغيرة بعدة نقاط مع جينات سمكة القرش وتشريحها، لكن الزعانف الظهرية والذيلية والخياشيم والمعدة والقلب أصغر آلاف المرات! كيف تتوقف أعضاء هذه السمكة المصغرة وأنسجتها عن النمو بسرعة كبيرة بعكس تلك الخاصة بابن عمها العملاق؟
استطاع فريق متعدد التخصصات بقيادة علماء من جامعة جنيف (UNIGE) في سويسرا ومعهد ماكس بلانك لفيزياء الأنظمة المعقدة (MPIPKS) في ألمانيا إجابة هذا السؤال الأساسي بدراسة الفيزياء واستخدام المعادلات الرياضية، وهذا ما وضحته أعمالهم المنشورة في مجلة نيتشر.
تتكاثر خلايا النسيج النامي وتنظّم نفسها تحت تأثير جزيئات الإشارة التي تسمى المورفوجينات، لكن كيف يعرفون الحجم المناسب للكائن الحي الذي ينتمي إليه؟
تمكنت المجموعات البحثية لماركوس غونزاليس-جيتان -الأستاذ في قسم الكيمياء الحيوية بكلية العلوم في جامعة جنيف- وفرانك جوليشر -مدير ماكس بلانك لفيزياء الأنظمة المعقدة في دريسدن- من حل هذا اللغز باتباع مورفوجين معين في خلايا الأنسجة ذات الأحجام المختلفة في مجموعة مختلفة الحجوم من ذبابة الفاكهة.
يوجد في ذبابة الفاكهة مورفوجين ديكابينتابليجيك (DPP)، وهو جزيء مطلوب لتشكيل زوائد (ديكا بينتا) الخمسة عشر، التي تتضمن الأجنحة وقرون الاستشعار والفك السفلي …، وينتشر من مصدر موضعي داخل الأنسجة النامية ثم يشكل تدرجات تركيز متناقصة (أو اختلافات تدريجية) عندما يبتعد عن المصدر.
في الدراسات السابقة أظهرت مجموعة ماركوس بالتعاون مع الفريق الألماني أن تدرجات التركيز لمورفوجين ديكابينتابليجيك هذه تمتد على مساحة أكبر أو أصغر اعتمادًا على حجم الأنسجة النامية. لذا، كلما كان النسيج أصغر قل انتشار تدرج مورفوجين ديكابينتابليجيك من مصدر انتشاره، ومن ناحية أخرى كلما زاد حجم النسيج زاد انتشار تدرج مورفوجين ديكابينتابليجيك، ومع ذلك بقي السؤال: كيف يتدرج مجال التركيز هذا مع الحجم المتزايد للأنسجة / العضو في المستقبل؟
نهج متعدد التخصصات لحل مسألة بيولوجية
يعلق ماركوس غونزاليس-جيتان قائلاً: «إن النهج الأصلي لفريقي المكون من علماء الأحياء والكيمياء الحيوية والرياضيات والفيزيائيين هو تحليل ما يحدث على مستوى كل خلية بدلًا من وضع ملاحظاتنا على نطاق الأنسجة». ويقول فرانك جوليشر: «النقطة المركزية هي التعامل مع المادة الحية كما لو كانت مجرد مادة، أي دراسة علم الأحياء بمبادئ الفيزياء».
طور الفريقان مجموعة من الأدوات المتطورة لمتابعة مصير جزيء مورفوجين ديكابينتابليجيك داخل خلايا الأنسجة وفيما بينها بدقة كبيرة، وذلك باستخدام تقنيات الفحص المجهري الكمي. وتقول ماريا رومانوفا الباحثة في قسم الكيمياء الحيوية والمؤلفة الأولى لهذه الدراسة: «سمحت لنا هذه الأدوات بتحديد كثير من المُعاملات المرتبطة بالعمليات الخلوية لهذا المورفوجين، فمثلًا، قسنا كفاءة تحللها وإعادة تدويرها عند ارتباطها بالخلايا واختراقها إياها قبل أن تنتشر مرة أخرى إلى الخلايا الأخرى، أي باختصار قسنا كل خطوات النقل المهم لمورفوجين ديكابينتابليجيك».
شرح آلية القياس بمعادلة رياضية
جمع العلماء كل هذه البيانات عن مورفوجين ديكابينتابليجيك في خلايا تنتمي إلى أنسجة مختلفة الأحجام في الذباب الطبيعي والذباب الذي لديه طفرات التي فشلت في المقياس، فوجدوا أن خطوات النقل الفردية المختلفة هذه هي التي تحدد مدى التدرج. وهكذا، ينتشر جزيء مورفوجين ديكابينتابليجيك في الأنسجة الصغيرة في الأساس بانتشاره بين الخلايا، وينخفض تركيزه بسرعة كبيرة حول مصدره بسبب التخرب، ما يؤدي إلى تدرج على مساحة قليلة.
أما في الأنسجة الأكبر من الناحية الأخرى، فتحصل إعادة تدوير كبيرة لجزيئات مورفوجين ديكابينتابليجيك التي دخلت داخل الخلايا، ما يجعل من الممكن تمديد التدرج على مساحة أكبر. تقول ماريا رومانوفا بحماس: «تمكنا أخيرًا من اقتراح نظرية محايدة وموحدة لنقل المورفوجين والانتقال إلى المعادلات الرئيسية للنظام وكشف آلية القياس!».
يمكن تعميم مزيج من الفيزياء النظرية المنهجيات التجريبية الذي أُنشئ من دراسة جزيء مورفوجين ديكابينتابليجيك في ذبابة الفاكهة على الجزيئات الأخرى المشاركة في تكوين الأنسجة النامية المختلفة.
يختم ماركوس غونزاليس-جايتان: «يتيح لنا نهجنا الفريد متعدد التخصصات تقديم إجابة عالمية لسؤال بيولوجي أساسي كان أرسطو يطرحه على نفسه منذ ما يقارب 2500 عام: كيف تعرف البيضة متى تتوقف عن النمو لتصنع دجاجة؟».
اقرأ أيضًا:
بفضل هذا الدواء، أصبحت الأعضاء التي لا يمكن زرعها قابلةً للزرع
كم عدد الأعضاء في جسم الإنسان؟
ترجمة: يمام نضال دالي
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: محمد حسان عجك