أعلن الأطباء هذا الأسبوع عن إجراء أول عملية زرع قلب خنزير في جسد إنسان. مثلت هذه العملية الجراحية علامة فارقة في تطور عمليات زرع الأعضاء بين الأنواع. ما يزال من غير الواضح مدى جودة عمل القلب وأمده، لكن يأمل الباحثون أنه يمكن لهذه التقنية أن تحل يومًا ما مشكلة نقص الأعضاء البشرية للمرضى.
كانت هذه العملية، التي أجراها فريق في كلية الطب بجامعة ميريلاند، بمثابة اختبار أساسي للكثير من الابتكارات التجريبية الجديدة التي صممت خاصةً للحفاظ على عمل قلب الخنزير في صدر الإنسان؛ بما في ذلك عشرة تغييرات جينية في الخنازير ودواء جديد مضاد للمناعة ومحلول به الكوكايين يستخدم لاحتضان القلب.
سنتحدث في هذا المقال عن الدور الذي لعبه العلم والمشكلات الأخلاقية في إرشاد هذه العملية المعقدة.
لماذا حصل هذا المريض على قلب خنزير؟
هذا المريض هو ديفيد بينيت ويبلغ من العمر 57 عامًا. يعاني ديفيد قصورًا متقدمًا في القلب ومشكلة الرجفان البطيني (عدم انتظام ضربات القلب). ونظرًا إلى كونه لم يتخذ خطوات للسيطرة على ارتفاع ضغط دمه ومشكلاته الصحية الأخرى، فقد عده الأطباء في المركز الطبي بجامعة ميريلاند غير مؤهل لعملية زرع قلب بشري. وهذا ما أكده محمد محيي الدين، مدير برنامج زراعة القلب في كلية الطب بجامعة ميريلاند. إذ عبر قائلًا: «يُعد العضو البشري شيئًا ثمينًا للغاية وكنا خائفين من إعطاء قلب بشري لشخص قد لا يكون قادرًا على الاعتناء به».
وبدلاً من ذلك، وبعد موافقة المريض، سعى الأطباء إلى الحصول على إذن من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لمنحه قلب خنزير معدلًا جينيًا من قبل شركة متخصصة في التكنولوجيا الحيوية. عمل محيي الدين وزملاؤه على أعضاء الخنازير التي تنتجها هذه الشركة أعوامًا. في عام 2016، وجد الفريق أن قلب الخنزير يمكن أن يظل، نظريًا، في حالة جيدة أكثر من عامين عند زرعه في قردة البابون على مستوى البطن. ثم أجروا عدة عمليات زرع قلب في الصدر لهذه القردة. يقول محيي الدين إنه في التجارب الأخيرة، نجت قردة البابون التي حصلت على قلوب الخنازير مدة تسعة أشهر كاملة. (ماتت هذه القردة بعد أن أصيبت بعدوى في الرئة لا علاقة لها بعملية الزرع، كما يقول).
ما هي الجينات التي غُيرت في الخنزير المتبرع ولماذا؟
أكبر مشكلات عمليات زرع الأعضاء، وخاصة بين الحيوانات المختلفة، هي رفض الجسم المتلقي للعضو. إذ إن الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم البشري مثلًا تتعرف على سكريات معينة على سطح خلايا الخنازير على أنها غريبة ثم تقتل العضو. يقول جوزيف تكتور، جراح في جامعة ميامي لم يشارك في العملية: «أنت في حاجة إلى التخلص من أكبر قدر ممكن من الأجسام المضادة حتى يتمكن العضو المزروع من البقاء على قيد الحياة فترة أطول».
لذلك، أوقفت الشركة المطورة لأعضاء الخنازير عمل ثلاثة جينات لها علاقة بالأنزيمات المسؤولة عن تصنيع سكريات سطح الخلايا. ثم أضافت إليها ستة جينات بشرية أخرى مميزة: جينان مضادان للالتهابات، وجينان يعززان تخثر الدم الطبيعي ويمنعان تلف الأوعية الدموية، واثنان أخريان لبروتينات تساعد على تجنب رفض الجسم للعضو.
أما التعديل الأخير فهو يتمثل في إزالة جين مستقبل هرمون النمو لتجنب زيادة حجم قلب الخنزير في صدر المريض بعد زرعه. في سبتمبر 2021، صرح محيي الدين وزملاؤه أن هذا التعديل قلل من نمو قلوب الخنازير المزروعة في قردة البابون، وهو ما يتوقعون أنه سيساعد على تجنب حدوث قصور القلب عند إجراء العملية على الإنسان.
هل كانت جميع هذه التغييرات الجينية ضرورية؟
الأطباء ليسوا متيقنين من ذلك. درس خبراء جامعة ميريلاند التعديلات الجينية على قردة البابون ولحظوا زيادة في معدل النجاة عند إضافة التعديلات الجينية. لكن هذه التجارب مكلفة جدًا. وتزيد القيود القانونية المفروضة على عدد حيوانات الاختبار المسموح بها من صعوبة اختبار تأثيرات كل تعديل جيني على حدة. يقول محيي الدين: «لا نعرف مدى إسهام كل جين في تقبل جسم المريض للعضو».
تقول ميغان سايكس، مختصة المناعة في جامعة كولومبيا: «إن انعدام اليقين هذا هو أحد تحفظاتي على العملية إذ نحتاج إلى المزيد من البحث لتحديد التعديلات الجينية الأساسية والمفيدة». قد تكون بعض التغييرات مفيدة في بعض عمليات الزرع وضارة في أنواع أخرى: يؤدي إدخال الجين البشري المضاد للالتهابات CD47 إلى تحسين نتائج عمليات زرع نخاع العظام من الخنازير إلى القردة، ولكن يبدو أنه عند تعديل جميع خلايا الكلى في الخنازير تصبح هذه الأعضاء عرضة للالتهابات، حسب قولها.
مع انتشار عمليات زراعة أعضاء الحيوانات لعلاج الأشخاص، قد تؤدي الحاجة إلى الحد من عدد الجينات البشرية المضافة إلى الحيوانات.
هل كُبح جهاز المناعة لدى المريض؟
حتى مع التعديلات الجينية على قلب الخنزير، أعطى الأطباء المريض مثبطًا قويًا للمناعة: عقار تجريبي للأجسام المضادة يسمى KPL-404، من صنع شركة Kiniksa Pharmaceuticals Ltd.
لا تكون مثبطات المناعة فعالة إذا كان الجهاز المناعي يحفز الكثير من الأجسام المضادة ضد العضو، وهذا ما قد يكون عليه الحال مع قلب الخنزير. يوقف KPL-404 إنتاج هذه الأجسام المضادة من طريق الارتباط بمستقبل خلوي يسمى CD40، ما يثبط نشاط الخلايا البائية المنتجة للأجسام المضادة، ويثبط اتصالها المتبادل مع الخلايا التائية التي تنسق استجابة الجهاز المناعي للعضو. يقول محيي الدين: «الجينات العشرة المعدلة مهمة في هذه العملية، لكن الجسم المضاد لـ CD40، الذي كان محور تركيزي الرئيسي طوال مسيرتي المهنية، أظن أنه سيغير قواعد اللعبة».
عملت الشركة المصنعة ل KPL-404 عليه كعلاج لالتهاب المفاصل وأعلنت عن نتائج إيجابية من تجارب على متطوعين أصحاء في مايو 2021.
كيف حُضِر القلب للزراعة؟
بعيدًا عن المناعة، يبدو أن قلوب الخنازير المزروعة في قرود البابون تبدأ بالموت التدريجي في غضون أيام إن لم توضع في محلول مغذي قبل الزرع. الأسباب وراء فشل القلب غير واضحة، مع أنه يعتقد أن الحرمان من تدفق الدم والأكسجين عند إزالته من صدر الخنزير يستنفد بطريقة ما الميتوكوندريا المنتجة للطاقة في خلايا العضو.
اعتمد الأطباء على طريقة طورها الجراح ستيغ ستين من جامعة لوند بتمويل من شركة سويدية. إذ يُغسل القلب في مرق يدور فيه الماء، والهرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول -والكوكايين المذاب.
لم يتضح كيف يساعد الكوكايين على الحفاظ على صحة القلب السليم بعد. ويقول محيي الدين إن كل شحنة منه تحتاج إلى تصريح من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية.
هل سيحصل المزيد من المرضى على قلوب الخنازير الآن؟
يشمل التصريح القانوني الذي تحصّل عليه أطباء ميريلاند مريضًا واحدًا فقط. يقول محيي الدين: «إذا وردنا مريض آخر مثل هذا، سنقدم طلبًا آخر». لكن الهدف الرئيسي لفريقه هو تطوير هذه العملية إلى مشروع بحث علمي كامل. وسيضطر الفريق إلى إجراء المزيد من الاختبارات التي تبيّن نجاة قردة البابون على المدى الطويل للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على التجربة.
يقول ديفيد أياريس، الرئيس التنفيذي للشركة المشاركة في العملية: «لن تكون هذه آخر عملية مماثلة نجريها. سنواصل هذا الطريق بالتجارب السريرية البشرية، ونأمل أن يصبح لدينا يومًا ما إمداد غير محدود من الأعضاء».
من الجدير بالذكر أن الشركة تبني منشأة جديدة لتربية الخنازير لتلبية معايير إدارة الغذاء والدواء لمثل هذه العمليات، ويتوقع إطلاقها في نهاية عام 2023.
اقرأ أيضًا:
لأول مرة.. زرع كلية خنزير في جسم بشري
إعادة إحياء رئتين متضررتين لزرعهما لاحقًا بعد وصلهما بخنزير
ترجمة: محمد سامي القطوفي
تدقيق: محمد الشعراني
مراجعة: عون حدّاد
