رغم أن البشر متحفظون غالبًا حين يتعلق الأمر بالحديث مع الغرباء، فإنهم كائنات اجتماعية، إذ يؤثر التواصل مع الآخرين في صحتهم بالإيجاب عمومًا… فإذا كانت المحادثات العميقة أفضل لصحتنا؛ لماذا لا نلتزم هذا النهج دائمًا؟
تهدف دراسة منشورة حديثًا إلى فهم ذلك، بدراسة ميل البشر إلى المحادثات العابرة. وَفقًا للبحث، يرجع ميل البشر إلى التحفظ إلى المبالغة في الخوف من الإحراج، والتقليل من شأن التأثير الإيجابي للمحادثات الأعمق.
أثر الحديث مع الغرباء:
أجرى الباحثون 12 تجربة تضم 1800 شخص، وتنوعت الأحاديث بين العابرة والعميقة.
تضمنت الموضوعات العابرة أشياء، مثل: الحديث عن حالة الطقس، أو المسلسل التلفزيوني المفضل. في حين تضمنت الموضوعات الأعمق أشياء مثل: متى كانت آخر مرة بكيت فيها أمام شخص آخر؟
طُلب من كل مشارك تقييم مدى الإحراج أو المتعة التي شعر بها خلال الحديث، وتقدير مدى تأثير المحادثة في العلاقة مع الطرف الآخر.
أظهرت النتائج أن معظم الأشخاص بالغوا في تقدير الشعور بالحرج، سواءً في المحادثات العابرة أو العميقة. ساعد الحديث على زيادة التواصل عمومًا، وقد ارتبطت المحادثات العميقة بالمزيد من الآثار الإيجابية، والمزيد من المتعة أيضًا.
تشير النتائج إلى أن الآثار الإيجابية المرتبطة بالمحادثات العميقة تزيد من رفاهية الفرد، سواءً على المدى القريب أو البعيد، وذلك بتعزيز الأواصر الاجتماعية.
يقول الدكتور نيكولاس إيبلي، أستاذ علم النفس السلوكي بجامعة بوث للأعمال: «إن جودة العلاقات الاجتماعية في حياتنا من أهم العوامل المؤثرة في صحتنا. يؤدي إجراء محادثة ذات معنى إلى تقوية الترابط الاجتماعي وتقوية علاقاتنا».
الخوف من الانفتاح عاطفيًا:
يتطلب الحديث مع الغرباء في مواضيع شخصية انفتاحًا عاطفيًا أكثر مقارنةً بالمحادثات العابرة. يفترض معظم الناس أن الغرباء غير مهتمين بمعرفة هذه التفاصيل الشخصية.
توضح الدكتورة جيليان ساندستروم، أستاذ علم النفس في جامعة إسكس، إن الخوف من الانفتاح العاطفي يرتبط بالاحتياج إلى الإحساس بتقبل الآخر لنا، وأضافت: «يحاول المرء حين يتحدث مع الغرباء إيجاد نقاط ذات اهتمام مشترك، مثل التحدث عن حالة الطقس، إذ نخشى التعرض للانتقاد إذا تحدثنا في موضوع شخصي».
تفسر عوامل عدة التحفظ بشأن مشاركة أمور شخصية عند الحديث مع الغرباء، مثل: القلق من نظرة الآخر إلينا، والقلق من إحساس الطرف الآخر بالملل، أو الخوف من افتقارنا إلى مهارة متابعة الحديث. تقول ساندستورم: «ولكن بعد تجاوز الخوف من الانفتاح العاطفي، عادةً ما يبادلنا الطرف الآخر الحوار».
تأثير الجائحة في الحديث مع الغرباء:
أظهرت نتائج الاستطلاع رغبة الأشخاص أن تكون محادثاتهم أعمق مما هي عليه عند الحديث مع الغرباء، ما يعكس الرغبة في إجراء أحاديث ذات مغزى حين التحدث مع الآخر عمومًا.
يقول إيبلي: «عادةً، يتجنب الناس المواضيع الشخصية، إذ يظن أكثرنا أن الغرباء غير مهتمين بمعرفة تلك التفاصيل، ولا أظن هذا الوضع قد تغير كثيرًا بعد جائحة كورونا».
تقول ساندستروم إنها أصبحت أكثر استمتاعًا بالمحادثات، خاصةً بعد التخفيف من شدة إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي المرتبطة بالجائحة، وتضيف: «في ذروة الجائحة كان الناس يتوقون إلى التحدث، ولكن بسبب إجراءات الإغلاق والتباعد والاجتماعي، لم يكن هناك الكثير للحديث عنه. عمومًا، ما زال الناس يتوقون إلى التواصل والتعارف مع الآخرين، والأحاديث العابرة لا تكفي لتحقيق ذلك».
نصائح للخوض في حديث عميق:
إذا رغبت أن تكون أكثر انفتاحًا عاطفيًا، وتتجاوز الشعور بالإحراج، فإليك بعض النصائح التي قد تساعدك على إجراء محادثات أعمق:
- الفضول وطرح الأسئلة: يزيد طرح الأسئلة من إعجاب الطرف الآخر بك، إذ يشعره باهتمامك به. أيضًا فإن أكثر الناس يميلون إلى التحدث عن أنفسهم.
- الوعي بقيمة تبادل المعلومات: حين تشارك الطرف الآخر شيئًا شخصيًا، فعلى الأرجح سيفعل الأمر ذاته بالمقابل، ما سيختصر الكثير من الجهد المبذول لتحقيق التواصل، ولكن على أحد الطرفين أن يبادر.
- تقدير شعور الطرف الآخر تجاهك: غالبًا ما نقلل من تقدير إعجاب الطرف الآخر بنا عند التحدث مع شخص غريب، وإن كنا معجبين به. تصف ساندستورم هذا الشعور الزائف بمصطلح «فجوة الإعجاب»، وتعلق: «كن شجاعًا، الناس يحبونك أكثر مما تتخيل!».
اقرأ أيضًا:
متى تصبح الحياة الاجتماعية مضرة بالصحة النفسية؟ وهل من الأفضل البقاء وحيدًا؟
لماذا يخفي شريكك بعض الأسرار عنك؟
ترجمة: رغدة مكي
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: حسين جرود