قبل خمسين عامًا تسبب انفجار خزان الأكسجين في سلسلة من الأحداث الدرامية أجبرت طاقم مهمة أبولو 13 على إلغاء رحلتهم بعد 56 ساعة من انطلاقها للهبوط على سطح القمر.
عرّض الانفجار المركبة الفضائية الأمريكية لعدة أضرار، لكن الطاقم كان قادرًا على إيجاد مأوى ضيق في مركبة الهبوط على سطح القمر قبل العودة إلى مركبة القيادة الرئيسية والرجوع إلى الأرض.
تُعد المهمة اليوم مثالًا على مخاطر السفر إلى الفضاء وما تمتلكه وكالة ناسا من عقول خلّاقة قادرة على تحدي أزمات الطيران وإنقاذ روادها في الفضاء. احتفلت مهمة أبولو 13 بعيدها الخمسين في 11 أبريل 2078ىلاة 20، فيما كُشف النقاب عن تمثال لإحياء ذكرى بقاء طاقم الرحلة على قيد الحياة في وقت سابق من هذا العام.
أبولو 13: طاقم شجاع من رواد الفضاء
شارك في رحلة أبولو 13 ثلاثة رواد فضاء: القائد جيمس لوفيل، وقائد المركبة القمرية فريد هايس، وطيار وحدة القيادة جون سويجيرت.
كان لوفيل في سنه الـ 42 رائد الفضاء الأكثر سفرًا في العالم عندما انضم إلى مهمة أبولو 13؛ شارك في ثلاث بعثات و572 ساعة طيران في الفضاء، وكان رائدًا في أول مهمة تدور حول القمر أبولو 8، وحلّق مرتين في ظل برنامج جيميني – بما في ذلك رحلة دامت مدة 14 يومًا.
قبل مهمة أبولو 13، خدم هايس البالغ من العمر 36 عامًا طيارًا احتياطيًا للوحدة القمرية لمهمتي أبولو 8 وأبولو 11، وكان طيارًا مقاتلًا في سلاح مشاة البحرية الأمريكية قبل الانضمام إلى وكالة ناسا طيار اختبار. اختير إلى جانب سويجيرت، لبرنامج الفضاء المأهول في عام 1966، وكانت أبولو 13 رحلة هايس الوحيدة إلى الفضاء.
أبولو 13 هي أول رحلة لسويجيرت إلى الفضاء في سن الـ 38. إذ كان جزءًا من طاقم الدعم لأبولو 7 وكان في البداية طيار وحدة القيادة الاحتياطية لأبولو 13. طُلب منه الانضمام إلى الطاقم قبل 48 ساعة من وقت الإطلاق بعد تعرض طيار وحدة القيادة الأصلي، كين ماتينجلي، لعدوى الحصبة الألمانية.
أبولو 13: «هيوستن، نواجه مشكلة هنا»
أُطلقت أبولو 13 في 11 أبريل (نيسان) 1970، وكانت مركبة الفضاء مكونة من مركبتين فضائيتين مستقلتين يربطهما نفق: مركبة وحدة القيادة المدارية المُلقبة بـ )أوديسي (Odyssey-وفيها يمكث طاقم الرحلة، ومركبة الهبوط على سطح القمر (أكواريوس-Aquarius).
في مساء يوم 13 أبريل، عندما اقترب الطاقم من القمر على بعد نحو 322 ألف كيلومتر من الأرض، لاحظ مراقب المهمة بوكالة ناسا، ليبرغوت، إشارة تحذير لانخفاض في ضغط خزان الهيدروجين على متن مركبة أوديسي.
مبدئيًا كانت تلك الإشارة توحي بوجود مشكلة ما، أو أن مستوى الهيدروجين بحاجة فقط إلى إعادة الاستقرار عبر تسخين الغاز وتهويته داخل الخزان، وهو إجراء من شأنه أن يمنع الغاز البارد للغاية من الاستقرار في طبقات.
ضغط سويجيرت على المفتاح بمثابة إجراء روتيني. لكن بعد لحظة اهتزت المركبة الفضائية بأكملها وانطلقت صفارات الإنذار في مركبة أوديسي وفي مركز لوحة المراقبة تزامنًا مع انخفاض ضغط الأكسجين والطاقة. نبّه الطاقم أعضاء لوحة التحكم، إذ قال سويجيرت جملته الشهيرة، «هيوستن، لدينا مشكلة!».
مر وقت كثير قبل أن تحدد لجنة التحقيق في الحوادث التابعة لوكالة ناسا أن الأسلاك قد أصبحت مكشوفة في خزان الأكسجين بسبب مزيج من أخطاء التصنيع والاختبار قبل الرحلة. في تلك الليلة المشؤومة، تسببت شرارة من سلك مكشوف في خزان الأكسجين في نشوب حريق، ما أدى إلى تمزيق خزان أكسجين وإلحاق الضرر بخزان آخر داخل المركبة الفضائية.
أدى الانفجار إلى حدوث انخفاض سريع في مستوى الطاقة على متن مركبة أوديسي بسبب تسرب الأكسجين الذي كان يغذي خلية الوقود، الأمر الذي دفع طاقم البعثة إلى محاولة التحكم بالمركبة عبر إطلاق وابل من الرشاشات الصغيرة، لكن هذا الإجراء لم ينجح نظرًا إلى أن العديد من الرشاشات سحقت جراء الانفجار.
لحسن الحظ كانت مركبة أكواريوس تصلح لتكون بديلًا مؤقتًا لمركبة أوديسي. للتذكير كان من المفترض أن تكون أكواريوس هي المركبة التي ستحط برواد الفضاء على سطح القمر لكنها تحولت بسبب الانفجار على متن أوديسي إلى قارب نجاة. لم يكن لأكواريوس درع حراري يُبقي رواد الفضاء على قيد الحياة إبان الاحتكاك بالغلاف الجوي للأرض، وهو ما دفع هايس ولوفيل للتخلي عنها والعودة لمركبة أوديسي التي كانت تحت قيادة سويجيرت الذي نجح في الحفاظ على طاقتها المتبقية واستعادة توازنها.
العودة إلى الأرض:
واجه الطاقم تحديين: العودة إلى الأرض والحفاظ على طاقة مركبة أكواريوس. المهمة الأولى كانت حرق طاقة كافية لتوجيه مركبة أكواريوس نحو الأرض، في حين تمثلت المهمة الثانية في إيقاف كل نظام غير أساسي على مركبة أوديسي.
دون وجود مصدر للحرارة، تنخفض درجات حرارة مقصورة مركبة الفضاء بسرعة، وهذا ما جعل بعض الطعام غير صالح للأكل. قام الطاقم أيضًا بالتقشف في استعمال المياه للتأكد من أن أكواريوس ستحتوي على سائل كافٍ لتبريد كل الأجهزة. المشكلة أن تصميم مركبة أكواريوس ضيق جدًا إذ يمكنه استيعاب شخصين فقط، لا ثلاثة.
على الأرض، ركز مدير الرحلة جين كرانز على اهتمام طاقمه في إدارة المواد الاستهلاكية على المركبة مثل الماء والطاقة، في حين ساعدت فرق مراقبة المهام الأخرى الطاقم في أنشطته اليومية. هذا وعمل مصنعّو المركبات الفضائية على مدار الساعة لدعم وكالة ناسا وطاقمها.
كانت رحلة العودة إلى الأرض شاقة للغاية؛ شهد رواد الفضاء خلالها انخفاضًا حادًا في وزنهم، وأصيب هايس بعدوى في الكلى. لكن السفينة الصغيرة -أكواريوس- كانت بالفعل ملاذًا آمنًا وحملت الطاقم فترة كافية للوصول إلى الغلاف الجوي للأرض.
قبل دخول الغلاف الجوي للأرض بساعات، اندفع الطاقم المنهك للعودة إلى مركبة أوديسي التي حطّت على المياه الباردة للمحيط الهادئ، بالقرب من جزر ساموا في السابع عشر من أبريل. لبث لوفيل وهايس وسويجيرت عدة أيام على متن المركبة التي أنقذت حياتهم بفضل الضمانات التي صُممت لتفادي وتصحيح الأخطاء بعد كارثة أبولو 1.
أبولو 13: إرث باق
- لتفادي نفس الأخطاء وتحسين مهمات الرحلات الفضائية أُجريت العديد من التغييرات في تصميم وحدات مهمات برنامج أبولو. شملت هذه التغييرات، حسب مراقب مهمة أبولو 13 سي ليبرغوت ما يلي:
- خزان أكسجين آخر يمكن عزله لتزويد الطاقم فقط
- إزالة جميع مراوح خزان التبريد والأسلاك
- إزالة الثرموستات من خزانات التبريد وتغيير نوع أنبوب التسخين
- إضافة بطارية خاصة بمرحلة النزول إلى سطح القمر سعتها 400 أمبير في الساعة
- إضافة أكياس تخزين المياه إلى وحدة القيادة
عُيّن هايس لقيادة مهمة أبولو 19 إلى القمر، لكن البعثة أُلغيت بعد خفض ميزانية ناسا. لكن انتهى به الأمر في وقت لاحق إلى قيادة مكوك الفضاء إنتربرايز في أثناء رحلاته التجريبية.
في عام 1982، انتُخب سويجيرت عضوًا في الكونغرس في ولايته كولورادو، لكن حملته أُلغيت بعد إصابته بسرطان العظام، وتوفي قبل أن يؤدي اليمين الدستورية.
في عام 1994، شارك لوفيل والصحفي جيفري كلوغر في تأليف كتاب عن مسيرة لوفيل في رحلات الفضاء، إذ ركز فيه على أحداث مهمة أبولو 13. حقق كتاب «القمر المفقود: الرحلة المحفوفة بالمخاطر لأبولو 13» رواجًا كبيرًا وتمخّض عنه فيلم أبولو 13 عام 1995، بطولة الممثل توم هانكس. حصل الفيلم على جائزتي أوسكار وصُوّر بالتعاون مع وكالة ناسا.
اقرأ أيضًا:
كذبة القمر: لماذا لا نستخدم التلسكوبات لرصد من يهبط على القمر؟
رحلات أبولو للقمر -برنامج أبولو- نظرة عامة عن رحلة أبولو 11
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: طارق طويل
مراجعة: نغم رابي