لقد نجح فريق من الفيزيائيين من جامعة ألتو (Aalto) بقيادة الدكتور سورين باراوانو (Dr. Sorin Paraoanu) في ترويض الحالة الفيزيائية التي تُعرَف بـ”الحالة المظلمة” والتي تتولد ضمن ما يعرف بالبِت الكمومي Qubit فائق التوصيل، هذا ويعتبر البِت الكمومي وحدة من وحدات نظام المعلومات الكمومي المستخدم في الحواسيب الكمومية. يشابه البِت العادي المستخدم من قبل أنظمة حواسيبنا العادية في قدرته على تمثيل القيم بأخذه أحد الحالتين 1 أو 0 ولكنه يختلف في قدرته أيضًا على أخذه نفس الحاليتين (0،1) في نفس الوقت مستغلًا خواص ميكانيكا الكم. أما البِت الكمومي فائق التوصيل فهو عبارة عن ذرة اصطناعية موضوعة على رقاقة من السيليكون لتعمل بمثابة دارة كهربائية مصنوعة من مكثفات وممرات نفقية (نوع من التوصيلات يستخدم في ميكانيكا الكم لتأدية وظائف توصيلية مختلفة).

 

تعد هذه التقنية واحدة من أكثر التقنيات وعودًا في مجال تحقيق الحواسيب الكمومية.

 

في التجربة، تم تشغيل الدارة وفقًا لنظام محدد يضمن عدم امتصاصها أو بثها لموجات كهرومغناطيسية ذات تردد محدد، وكأن الدارة تستتر تحت عباءة للتخفي، ومن هنا يأتي اسمها “الحالة المظلمة”. ثم، وباستخدام سلسلة من النبضات الموجية المايكروية المُعَدّة بحذر، وظّفَ العلماء الحالة المظلمة من أجل تحقيق انتقال لكمية الطاقة من مستوى الطاقة الأرضي إلى مستوى الطاقة الثاني، وذلك دون المرور بمستوى الطاقة الأول. تتوافق كمية الطاقة المنقولة في هذه العملية مع فوتون موجي واحد متطابق في تردده تقريبًا مع ترددات الفوتونات المستخدمة في الهواتف النقالة وأفران المايكرويف. وقد تم التحقق من هذه العملية من خلال الرسم السطحي الكمومي (quantum tomography) — تقنية لإعادة بناء تابع الموجة (عمومًا تسمى بمصفوفة الكثافة) من خلال تطبيق التفافات ضمن فضاء مجرد خاص بالبِت الكمومي ومن ثم القيام بالقياسات.

 

ويقول أنتي فيبسيليينن (Antti Vepsäläinen) الذي استخدم هذه التقنية وأجرى عملية المحاكاة الرقمية: “يعد مستوى التطابق الذي حصل بين بيانات التجربة والنموذج النظري مميزًا إلى حد كبير بشكل يعطينا الثقة بأننا فهمنا ما يحصل وبأننا قادرين على التحكم بهذا النظام الكمومي، كما أن ذلك يُظهر بأن نظام الثلاث مراحل (يدعى أيضًا بـ qutrits، وهو نظام ترميز كالنظام الثنائي في البتات العادية) من الممكن أن يُستَخدَم في المعالجات الكمومية بدلًا من نظام المرحلتين المعتمد (qubits)”.

 

وهنالك أيضًا حقيقة مذهلة أُخرى حول هذه التجربة: من أجل إجراء ذلك الانتقال، استخدم الباحثون ما يسمى بالسلسلة غير الحدسية، مطبِّقين في البداية نبضة تقوم بمزاوجة المستوى الأول بالمستوى الثاني، وبعد ذلك ببعض من الوقت يتم تطبيق نبضة أخرى تقوم بمزاوجة المستوى الأرضي بالمستوى الأول.

 

ويفسر الدكتور باراوانو فيقول: “افترض بأنك تريد أن تسافر من هيلسنكي إلى نيويورك ويجب عليك أن تغير طائرتك في لندن، عادة سوف يكون عليك السفر بالطائرة من هيلسنكي إلى لندن ثم الانتظار لبعض من الوقت في مطار لندن حتى تصل الطائرة المتوجهة إلى نيويورك وتصعد عليها. ولكن في العالم الكمومي، سيكون من الأفضل لك أن تصعد في طائرة متوجهة مباشرة من هيلسنكي إلى لندن وذلك في وقت ما بعد إقلاع طائرة (لندن – نيويورك). في هذه الحالة لن تمضي أيًا من الوقت في لندن وستصل إلى نيويورك في الوقت الذي ستكون فيه طائرة (هيلسنكي – لندن) قد هبطت في لندن” لم تقرأ خطًأ، شيء مربك للعقل صحيح؟ ولكن التجربة تظهر بأن ذلك هو تمامًا ما يحصل.

 

وإلى جانب ارتباط هذه التجربة بالحوسبة الكمومية، فإن للتجربة أيضًا بعض الدلالات المفاهيمية العميقة. حيث يعتمد معظم فهمنا للواقع حولنا على ما يسمى بقانون الاستمرارية: الفكرة وراء هذا القانون أن التأثيرات تنتشر من نقطة ما إلى أخرى من خلال المرور في كل الأماكن الواقعة بين هاتين النقطتين. الأجسام الحقيقية لا تظهر  في مكان ما من العدم. ولكن من الواضح أن التجربة هذه تبطل هذا المفهوم كما وكأننا في عرض للسحر، فتسمح الفيزياء الكمومية بتشكيل مادة هنا أو هناك ببساطة من العدم.

 

هذا ويرغب فريق العمل أن يُقر ويشيد بالبيئة العلمية الممتازة المنشأة في مخبر درجة الحرارة المنخفضة والذي يعد جزء من (OtaNano) من فرع الفيزياء التطبيقية بجامعة ألتو.


 

المصدر