غالبًا نتحدث عن أوجه التشابه القوي بين الأرض والمريخ، ولكن الاختلافات البسيطة بين الكواكب الشبيهة بالأرض ربما تكون السبب في وجود الحياة في كوكب ما دون الاَخر، ورغم ذلك لم نعثر على حياة في أي مكان اَخر غير كوكب الأرض حتى الآن. بالنسبة لكوكب المريخ، أشار بحث جديد إلى أنه قد يرجع ذلك إلى اختلاف الحجم بين كوكب المريخ والأرض. إذ يبلغ قطر كوكب المريخ نحو 53% فقط من قطر الأرض (ما يزيد قليلًا عن نصف حجمها)، هذا ما يسبب عدم قدرة كوكب المريخ على الاحتفاظ بالمواد السائلة فيه التي نعرف أنها حيوية للحياة مثل الماء.
يقول عالم الكواكب كون وانغ من جامعة واشنطن في سانت لويس: «لقد تقرر مصير المريخ منذ البداية. من المحتمل أن يكون هناك حد أدنى لمتطلبات حجم الكواكب الصخرية للاحتفاظ بكمية كافية من المياه لتمكين الحياة وتكوين الصفائح التكتونية، مع كتلة تتجاوز كتلة المريخ».
ومع وجود العديد من الاختلافات بين الأرض والكواكب الأرضية الأخرى في النظام الشمسي، فإنه قد يكون من الصعب تحديد العوامل التي تؤدي إلى نشوء الحياة والعوامل التي تعيقها.
لكن يمكننا أن نبحث في بعض الأشياء التي تمكن الحياة هنا على الأرض. إذ أن الشيء الوحيد الذي تتطلبه الحياة على الأرض هو الماء السائل، لذا فإن الظروف التي تتيح وجود الماء السائل هي أحد العناصر الرئيسية في قائمة التحقق من قابلية الحياة على الكواكب. نحن نعلم أن المريخ كان يحوي مياهًا سطحية، لقد وجدنا دليلًا على ذلك في النيازك المريخية التي شقت طريقها إلى الأرض، والتي نتجت من الكوكب الأحمر عندما كان النظام الشمسي لا يزال شابًا. ومع ذلك، يبدو كوكب المريخ اليوم مغبرًا وجافًا ومقفرًا، وأي ماء على سطحه متجمد.
يُعزى سبب تحول المريخ من كوكب رطب نسبيًا إلى كوكب مليء بالغبار والجفاف أحيانًا إلى فقدان المجال المغناطيسي للمريخ. لكن قد تؤدي عوامل أخرى دورًا في الاحتفاظ بالمواد السائلة، على سبيل المثال الجاذبية السطحية للكواكب أو أي جسم كوني، تبلغ جاذبية الأرض نحو 2.66 ضعفًا من جاذبية المريخ. لذلك شرع وانغ وفريقه في التحقق من ذلك.
بدأوا في البحث باعتدال في وفرة عنصر البوتاسيوم سريع التبخر في العديد من مكونات النظام الشمسي، وذلك باستخدامه متتبعًا للعناصر والمركبات سريعة التبخر الأخرى.
وذلك لأن نسب نظائر البوتاسيوم هي مؤشر قوي لانخفاض معدل التبخر في الأجزاء الداخلية للكواكب، لأنها غير حساسة للظروف الحرارية والتبخر الناجم عن تعرضها لتلك الظروف.
يقول وانغ: «النيازك المريخية هي العينات الوحيدة المتاحة لنا لدراسة التركيب الكيميائي لكوكب المريخ، هذه النيازك المريخية لها أعمار تتراوح من عدة مئات من الملايين إلى 4 مليارات سنة وسجلت تاريخًا طويلًا من تطورات كوكب المريخ. عبر قياس نظائر العناصر سريعة التبخر باعتدال، مثل البوتاسيوم، يمكننا استنتاج مستوى انخفاض التبخر للكواكب الضخمة وإجراء مقارنات بين ظروف مختلفة في النظام الشمسي».
درس وانغ وفريقه التركيبات النظيرية للبوتاسيوم في 20 نيزكًا من المريخ، واختيرت لأنها تبدو وكأنها تمثل تركيبة السيليكات السائبة في المريخ. قورنت هذه التركيبات بعد ذلك بتركيبات السيليكات السائبة المعروفة لثلاثة أجسام أخرى من النظام الشمسي الداخلي بكتل متفاوتة هي الأرض والقمر والكويكب فيستا.
أظهرت النتائج أن المريخ فقد موادًا سريعة التبخر أكثر مما فقدته الأرض في أثناء نشأتها، ولكنه احتفظ بنسبة أكبر من القمر وفيستا، وكلاهما أصغر بكثير وأكثر جفافًا من المريخ.
تقول عالمة الكواكب كاثارينا لودرز من جامعة واشنطن: «كان سبب وجود كميات أقل بكثير من العناصر سريعة التبخر ومركباتها في الكواكب المتباينة عنها في النيازك البدائية غير المتمايزة سؤالًا طويل الأمد. إن اكتشاف الارتباط بين تركيبات نظائر البوتاسيوم وجاذبية الكوكب هو اكتشاف جديد له آثار مهمة بخصوص متى وكيف استقبلت الكواكب المتباينة وفقدت موادها سريعة التبخر».
قال الباحثون إن هذا له آثار على فهمنا لتاريخ الكوكب. وجدت الأبحاث السابقة بأن المريخ كان في يوم من الأيام رطبًا جدًا بالفعل. قد يساعد هذا الارتباط الجديد بين الجاذبية والاحتفاظ بالمواد سريعة التبخر على وضع حدود لكمية المياه التي كان المريخ يمتلكها في السابق. إضافة إلى ذلك، فإن هذا الاكتشاف له آثار على بحثنا عن عوالم صالحة للسكن خارج النظام الشمسي. أحد العوامل التي تؤثر في وجود الماء السائل على سطح الكواكب هو درجة حرارتها المرتبطة بقربها من النجم المضيف. فإذا كانت قريبة جدًا منه يتبخر الماء. وإذا كانت بعيدة جدًا يتجمد.
يمكننا أيضًا قياس أحجام الكواكب الخارجية وكتلها، بناءً على مقدار ضوء النجوم الذي تحجبه عندما تتحرك بيننا وبين النجم المضيف لها مباشرةً، ومقدار تحرك النجم في مداره المشترك مع الكوكب الخارجي. لذلك قد يساعدنا عمل الفريق على استبعاد الكواكب الخارجية التي تكون صغيرة جدًا نظرًا لتأكدنا من عدم وجود المياه السائلة فيها.
يقول وانغ: «حجم الكواكب خارج المجموعة الشمسية هو أحد المعايير التي يسهل تحديدها. واستنادًا إلى الحجم والكتلة، نعرف الآن إذا كان هذا الكوكب الخارجي مرشحًا للحياة أم لا، لأن الحجم هو العامل المحدد من الدرجة الأولى للاحتفاظ بالمواد سريعة التبخر».
اقرأ أيضًا:
مسبار إنسايت التابع لناسا يحدد البنية الداخلية لكوكب المريخ
ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: مازن النفوري