قد يذكر متابعو أخبار العائلة المالكة في بريطانيا، الجدل الذي أحدثه ظهور الأمير الصغير جورج –ذو الأربع سنوات- يلعب لعبة الشرطة واللصوص. فقد أعاد مشهد جورج -ابن الأمير ويليام، دوق كامبردج، وزوجته كيت ميدلتون- وهو يلعب بسلاح مزيف إلى الأذهان سؤالًا طالما سبب الحيرة، لا سيما في عصرنا الذي يشهد ازديادًا ملحوظًا في عمليات إطلاق النار الجماعي؛ هل من الآمن السماح للأطفال بحمل نسخ من الأسلحة المستخدمة في قتل الأطفال والبالغين على حد سواء؟
مفهوم العامة
وجه أحد قراء صحيفة إنديانابوليس ستار رسالة بعد حادثة إطلاق نار في مدرسة في ولاية إنديانا، كتب فيها: «من الخاطئ امتلاك الأطفال ألعاب المسدسات والأسلحة، لأنها تعلمهم القيم الخاطئة».
توقف متجر واحد على الأقل عن بيع ألعاب الأسلحة، بعد أن رفع متجر والمارت في شهر فبراير سن شراء الأسلحة النارية إلى 21 عامًا، وقالت الشركة إنها ستزيل من موقعها «كل ما يمثل بنادق مصممة للقتل»، ومن ضمن ذلك الألعاب. (توقف والمارت عن بيع «البنادق الرياضية الحديثة» الحقيقية ومن ضمنها AR-15 منذ عام 2015).
رغم كل موجات الغضب والقلق التي يثيرها هذا الموضوع، لم تُجرَ إلا أبحاث قليلة حول ارتباط ألعاب الأسلحة النارية بالعنف لدى الأطفال. تقترح بعض الدراسات ارتباط تلك الألعاب بالسلوك العنيف لدى الأطفال، لكن لم تقدم -أي منها- علاقة واضحة بين اللعب الطفولي بألعاب الأسلحة وبين سلوكيات البالغين ونزوعهم إلى العنف.
أجرى عالما نفس بحثًا حول الرابطة بين العنف لدى الأطفال وألعاب الأسلحة، ويعتقدان بدورهما بأن أساليب التربية هي العامل الأهم للسلوك العدواني.
فقد نشر تشارلز و. ترنر -عالم نفس ذو خبرة تزيد عن 40 عامًا في تقديم العلاج وأبحاث الوقاية على الأطفال والمراهقين واليافعين ذوي المشاكل السلوكية- مع زميلته ديان جولدسميث ورقة بحثية تعد من أوائل الأبحاث التي تناولت هذا الموضوع في منتصف سبعينيات القرن الماضي، إذ قارنوا بين مجموعات مختلفة من الأطفال، إحداها تلعب بألعاب الأسلحة والثانية بألعاب الطائرات والثالثة بألعاب مختلفة، بحثًا عن علامات للسلوك المعادي للمجتمع مثل العنف أو خرق القوانين.
يفسر ترنر البحث، قائلًا: «إن الهدف من تقديم ألعاب الطائرات هو التأكد من أننا نقدم لهم لعبة جديدة. هل حداثة اللعبة هي التي تؤدي إلى السلوك غير الحسن عند الأطفال، أم أنه شيء مميز موجود في ألعاب الأسلحة؟».
وجد ترنر وجولدسميث أن السلوك المعادي للمجتمع يقترن باللعب بالأسلحة بصورة أقوى من اقترانه باللعب بالطائرات والألعاب الأخرى، إضافةً إلى اقتران سوء التصرف باللعب بالطائرات إلى حد ما.
يحذر ترنر -الذي انتقل من الدراسات النظرية إلى دراسة السلوك الحي للصغار المشاكسين والمخالفين- من الغوص في تفسير وتحليل دراساته السابقة، يقول، من وجهة نظر عملية: «من الصعب إثبات تأثير اللعب بالأسلحة عند الأطفال في سلوكهم عند الرشد».
اعتمادًا على أبحاثه وأبحاث أخرى، يخمن ترنر بأن «اللعب بالأسلحة عند الأطفال لا يشكل سوى جزء من صورة أكبر تؤدي في النهاية إلى السلوك العنيف لدى البالغين. إنه جزء صغير، بل تقريبًا بلا قيمة». ويوجه الحمل الأكبر إلى عوامل أخرى، مثل الطريقة التي تتواصل بها العائلة مع الطفل ونمط التفاعلات.
في بحث نشر في صحيفة Early Education and Development في عام 1992 راقب الباحثان والكوم و. واتسون ويينغ بنغ سلوك 36 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 3 إلى 5 سنوات في وقت اللعب في مركز الرعاية النهارية، وسجلوا سلوك كل منهم عند التصرف بعنف حقيقي أو عند التظاهر بالعنف أو عند اللعب المشاغب والقاسي أو عند ألعاب التظاهر غير العنيفة.
وضع الباحثان أيضًا مجموعة من الأسئلة للآباء لاستقصاء معلومات عن لعب الأطفال بلعب الأسلحة في المنزل -٥٦% من الأطفال يلعبون بمثل هذه الألعاب ومعظمهم صبيان- إضافةً إلى مشاهدة الأطفال برامج عنيفة ومقدار العقوبة الجسدية التي يستخدمها الآباء لتهذيب أطفالهم.
وجد الباحثان ارتباط اللعب بالأسلحة والعقوبة الجسدية بمستويات أعلى من العنف الحقيقي، ولكن ليس مع التظاهر بالعنف.
اجتماع العوامل
كتب واتسون، وهو بروفيسور جورج وفرانسيس ليفين في علم النفس في جامعة برانديز، عبر البريد الإلكتروني محذرًا: «تتداخل العديد من العوامل التي تؤدي لاحقًا إلى العنف والنزوع إلى العنف على المدى البعيد، ولم تستطع هذه الدراسة الأخذ بالعوامل جميعها».
يقول واتسون إن الدراسة أجرِيت لهدم نظرية التطهير من العنف التي تشير إلى أنه بإمكان اللعب التخيلي العنيف تخفيف الغضب والعنف داخل النفس، ونظرية التلقين التي تقول إن ألعاب الأسلحة واللعب العنيف مؤشرات وتدريبات على العنف الحقيقي.
وكتب: «ترافق ازدياد اللعب بألعاب الأسلحة وتمثيل الألعاب العنيفة مع ازدياد مستوى العنف الحقيقي لدى الأطفال قبل مرحلة المدرسة. يلعب الفتيان بألعاب الأسلحة أكثر من الفتيات، لهذا لا توجد علاقة بين العنف الحقيقي واللعب ألعاب الأسلحة لدى الفتيات. وجدنا أيضًا أنه كلما ازداد لعب الأطفال بلعب الأسلحة قل لديهم اللعب التظاهري غير العنيف، وحتى التظاهري العنيف. يعد اللعب التظاهري غير العنيف أمرًا حسنًا عند الأطفال».
مضيفًا: «لذا بالمحصلة لم نجد دليلًا على أثر نظرية التطهير، ولكن هناك دليل محتمل على نظرية التلقين. قد يزداد اللعب بالأسلحة عندما يتّسم الأطفال بالفعل بصفات أكثر العدوانية. وبصورة معاكسة، قد يُستدَل على العنف ويزداد عندما يزداد اللعب بألعاب الأسلحة. وفي كلتا الحالتين، لم يكن للعب بالأسلحة أية فائدة».
العقوبة الجسدية هي العامل الأهم
أشار واتسون إلى العامل الأهم الذي يتنبأ بالعنف لدى الأطفال في مرحلة قبل المدرسة -وهو بذلك أهم من عامل اللعب بالأسلحة أو مشاهدة البرامج العنيفة- وهو كمية ومدى تكرار الضرب التأديبي أو العقوبة الجسدية المتخذة بحق الطفل.
قال واتسون: «أجرينا دراسات متلاحقة أظهرت بأن السلوك العنيف لدى بعض الأطفال كان محرضًا لآبائهم على ضربهم مع مرور الوقت، لكن زيادة استخدام العقوبة الجسدية أدى إلى ازدياد العنف. إذ شكل استخدام الآباء العقوبة الجسدية حلقة مفرغة سلبية».
وقال واتسون بخصوص اللعب بألعاب الأسلحة: «إنها ليست ذات منفعة، وقد تنطوي على بعض السلبيات عند الذكور على الأقل، لكنها ليست بجدية العوامل الأخرى التي تتمحور حول علاقة الطفل بالآباء».
«أعتقد أن اللعب التظاهري ذو أثر عظيم على تطور الطفل وتفكيره، ولهذا أقلق من أن يكون للعب بالأسلحة تأثيرات طويلة الأمد، لكنني أظن أن سلوك الآباء حول الأسلحة ونمط العنف لديهم له تأثير أقوى».
وقال واتسون أنه لا يمنع أطفاله الأربعة من اللعب التظاهري بلعب الأسلحة رغم شكوكه حول الموضوع، متابعًا: «لم نستعمل قط العقوبة الجسدية، رغم النظام الصارم الذي يسود المنزل. هذا هو الجانب الأهم الذي أؤمن به».
اقرأ أيضًا:
هل تسبب ألعاب الفيديو حوادث القتل الجماعي؟ وما رأي العلم في ذلك؟
ترامب: ألعاب الفيديو تشجع العنف. لكن ما رأي العلم؟
ترجمة: ربا كيال
تدقيق: حسين جرود
مراجعة: نغم رابي