الساعة الثانية مساءً في العراق تعادل الساعة الحادية عشر صباحًا في موريتانيا والواحدة مساءً في مصر. فمن يقرر ذلك، ولماذا؟ سواءً عند السفر بين مناطق زمنية مختلفة -أيّ دول تختلف اختلافًا كبيرًا في توقيتها المحلي- أو عند التواصل مع أشخاص يعيشون في مكان بعيد، قد تكون المناطق الزمنية التي من المفترض أن تحافظ على ساعاتنا متسقة مع التوقيت الشمسي أينما كنا على سطح الكوكب مزعجة للغاية.
فالحاجة إلى ضبط الساعة اليدوية وساعة الحاسوب عند كل رحلة وفق التوقيت المحلي لوجهة السفر ثم إعادتها إلى التوقيت الأصلي، أمر مزعج. وقد يُسبب نسيان الفرق الزمني بين الدول التغيّب عن مؤتمر هاتفي مهم مع شخص يعيش في دولة بعيدة، فقط لأنه نسي أن الساعة التاسعة صباحًا في مصر تساوي الساعة العاشرة صباحًا في لبنان.
من الغريب الاعتقاد بأنّ المناطق الزمنية اختُرعت لتقليل الالتباس بدلًا من خلقه، لأن التوقيت الشمسي يختلف حتى عند التحرك مسافة قصيرة من منطقة إلى أخرى على الأرض، وبالنسبة إلى معظم التاريخ البشري، كان التوقيت اليومي غالبًا مختلفًا من مكان إلى آخر.
«قِيس الوقت سابقًا بالاعتماد على وضع الشمس فقط، وكانت الساعة الشمسية تحدد الوقت»، يقول ستيف هانكي أستاذ الاقتصاد التطبيقي من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور.
مثلًا، يأتي الظهر في شرم الشيخ قبل مدينة القاهرة بعشر دقائق وتبلغ المسافة بين هاتين المدينتين 504 كم.
حتى بعد بدء الناس باستخدام الساعات الميكانيكية في أوروبا في القرن الثالث عشر، وبعد ذلك في جميع أنحاء العالم، استمرت التناقضات والالتباسات بخصوص الاختلاف الزمني.
كيف وحدت السكك الحديدية المناطق الزمنية؟
لم يكن الالتباس والارتباك لمعرفة الوقت الدقيق مشكلة كبيرة حتى القرن التاسع عشر، عندما أتاحت قطارات السكك الحديدية السفر السريع من مكان إلى آخر. إذ فجأة «بدأ الناس بالتأخر وتفويت مواعيد رحلاتهم، وبدت القطارات على وشك الاصطدام ببعضها، كما حدثت بالفعل بعض حوادث الاصطدام»، بحسب هانكي.
لم تكن أوروبا وحدها التي ابتُليت بمجموعة من المناطق الزمنية، «امتلكت كل مدينة في الولايات المتحدة الأمريكية معيارًا زمنيًا مختلفًا»، أضاف هانكي. «كان هناك 300 منطقة زمنية محلية في الولايات المتحدة، إلا أنّ خطوط السكك الحديدية قلصتها لاحقًا إلى 100 منطقة».
وأخيرًا، فوَّت المهندس الأسكتلندي السيد ساندفورد فليمنغ قطاره في ايرلندا في عام 1876، بسبب خطأ مطبعي في الجدول الزمني للرحلات، فقرر إصلاح الوضع.
ابتكر فليمنغ نظامًا يقسم العالم إلى 24 منطقة زمنية، متباعدة على فترات بمقدار 15 درجة تقريبًا عبر الكوكب. في نهاية المطاف، اتبع العالم نظام فليمنغ، إذ لم يكن الوقت يعتمد على اليوم الشمسي المحلي، بل على عدد المناطق الزمنية التي تفصل موقعًا معينًا عن مرصد رويال غرينتش في المملكة المتحدة، إذ حُدد توقيت غرينتش حسب معدل الوقت الذي تمر فيه الشمس فوق خط الطول الرئيسي في غرينتش في اليوم الواحد. استخدم معظم الأشخاص بالفعل المخططات البحرية التي حددت غرينتش على أنه خط الطول الرئيسي، أو الطول 0 درجة، هذا هو الخط الذي يفصل بين نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي.
في 18 نوفمبر عام 1883، الذي سُمي «يوم الظهيرتين»، تحولت خطوط السكك الحديدية في أمريكا الشمالية إلى نظام من أربع مناطق زمنية فقط، التوقيت الشرقي والتوقيت المركزي والتوقيت الجبلي وتوقيت المحيط الهادئ. أصدرت العديد من المدن قرارًا بتبني النظام، إضافة إلى أنه أصبح المعيار الرئيسي المتبع في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. أدى استخدام واعتماد توقيت غرينتش GMT نقطة انطلاق إلى منع أيّ منافسة بين المدن الأمريكية المختلفة للحصول على شرف كونها خط الطول الرئيسي.
هل يجب أن نكون جميعًا في منطقة زمنية واحدة؟
لكن حتى مع تغيرات زمنية أقل، ظهر الالتباس الزمني مرة أخرى في القرن العشرين. فقد أدى ظهور السفر الجوي إلى تقليص المسافات أكثر، ثم ظهور الإنترنت والأجهزة المحمولة، الذي مكننا من التواصل الفوري مع الناس من مختلف بقاع الأرض وأعطانا صورة واضحة عن ثقافة وأحداث الشعوب اليومية، إذ ارتبطنا ارتباطًا وثيقًا بالأحداث التي تحصل في أماكن بعيدة عنا.
لهذا السبب قبل بضع سنوات، اقترح هانكي وزميله ريتشارد كون هنري أستاذ الفيزياء وعلم الفلك في جامعة جونز هوبكنز، حلاً أبسط. فقد أرادوا التخلص من المناطق الزمنية تمامًا، ووضع العالم بأسره على التوقيت العالمي (UTC). في ظل نظامهم، عندما تكون الساعة 9:00 في مكان ما، فإنها الساعة 9:00 في كل مكان آخر على هذا الكوكب، بغض النظر عما إذا كان صباحًا أم مساءً.
إضافة إلى فائدة التوقيت العالمي في تسهيل التكيف مع السفر، فإن توحيد التوقيت الزمني في كل مكان على الأرض، يسهل الحياة للأشخاص الذين يحتاجون، مثلًا، إلى إجراء مكالمات هاتفية مهمة مع مجموعة من الأشخاص المنتشرين من مونتانا إلى ألمانيا، مثل حالة هانكي وهو رئيس مجلس الإدارة في شركة هولندية.
يوافق هنري -في رسالة بالبريد الالكتروني- على ذلك: «الالتباس اللانهائي بالوقت سينتهي قريبًا وإلى الأبد، والحياة ستكون أبسط».
قد يؤدي إلغاء المناطق الزمنية أيضًا إلى القضاء على الآثار السلبية للصحة كالحرمان من النوم التي تؤثر على الأشخاص الذين يعيشون في الحدود الغربية للمناطق الزمنية، كما وضحت مقالة نُشرت في شهر مايو من عام 2019 في مجلة إكونوميكس هيلث-HealthEconomics.
منذ أن اقترح هانكي وهنري إلغاء المناطق الزمنية عام 2012، أيّد الفكرة آخرون، مثل جيمس جليك مؤلف الكتب الأكثر مبيعًا وكاتب المقالات في نيويورك تايمز. وإلى حد ما، تم بالفعل التحول إلى التوقيت العالمي. يعتمد الطيارون ومراقبو الحركة الجوية في الولايات المتحدة، مثلًا، على التوقيت العالمي أو ما يُعرف بتوقيت زولو. يختم المتداولون الماليون، الذين يتعاملون أحيانًا خارج الحدود والمناطق الزمنية، المعاملات وفق التوقيت العالمي أيضًا، للتأكد من صحة التسعير، ويعمل الإنترنت أساسًا وفق التوقيت العالمي.
قد يتساءل بعضهم: «هل التحول إلى التوقيت العالمي سيغيّر روتين حياة الناس وجداولهم اليومية؟»، لكن هانكي لا يعتقد ذلك.
«يقول الناس، إذا طُبّق التوقيت العالمي، فهذا يعني إننا سنفتح أعمالنا ويبدأ دوامنا عندما يحل الظلام في الخارج». كلا، العمل سيسير ويبقى في التوقيت نفسه، أيّ صباحًا. في نيويورك، أو بالتيمور، إذا كان العمل الطبيعي يبدأ في الساعة التاسعة صباحًا، سيكون ذلك في الساعة 14:00 (2 مساءً) في التوقيت العالمي مُفترضًا أنها الساعة التاسعة صباحًا بتوقيت غرينتش. قد يستغرق الأمر وقتًا للاعتياد عليه، ولكن يعتقد هانكي بأنه بعد جيل واحد فقط، لن يربط الأطفال الذين نشأوا على التوقيت العالمي الجديد الساعة السابعة صباحًا مع الإفطار أو الساعة التاسعة مع بدء العمل، أما التغيُّر الزمني فيصبح شيئًا غير معروف ولم يُسمع به من قبل.
«تعاني الصين حاليًا من هذه المشكلة، إذ لديها منطقة زمنية واحدة لشريحة ضخمة من العقارات بين الشرق والغرب»، يضيف هنري: «لكن هذه المشكلة يمكن حلها تمامًا باتخاذ قرارات محلية تتعلق بمواعيد فتح وإغلاق الأعمال وما شابه. من الواضح أنّ ذلك سيكون ضروريًا لإنشاء نظام عالمي».
كان اقتراح هانكي وهنري التبديل إلى التوقيت العالمي ثمرة لمشروع آخر من مشاريعهما، وهو تقويم هانكي-هنري الدائم HHPC)) الذي من شأنه أن يخلق عامًا من 364 يومًا يحوي أول شهرين من كل ربع على 30 يومًا، والثالث له 31 يومًا. يمتلك كل ربع سنة 91 يومًا بالضبط، بهدف تبسيط الحسابات المالية.
اقرأ أيضًا:
التبديل إلى التوقيت الصيفي يتسبب بموتنا
ترجمة: رفيف داود
تدقيق: حسين جرود
مراجعة: مازن النفوري