في 20 يوليو 1969، كانت قدم نيل آرمسترونغ أول قدم إنسان تطأ سطح القمر، ما جعل الملايين من الناس ينصتوا إلى الحدث بإمعان، ونزل عقب ذلك باز ألدرن ليشارك آرمسترونغ وقضيا معًا ساعتين ونصف الساعة في تجميع صخور القمر لتعود معهما إلى الأرض بغية الفحص. كان هذا الحدث نصرًا ليس للولايات المتحدة فحسب، بل للبشرية أجمع وحتى للخيال ولأفق الاستكشاف. لكن ما لا يعرفه به الكثيرون هو حجم التضحيات الاستثنائية المبذولة لتيسير صعود رواد الفضاء إلى الفضاء، إذ اتضح أن الجنود المجهولين الذين خاضوا معركة استكشاف الفضاء هم الحيوانات.
فقبل أن تهم برامج الفضاء بإرسال البشر إلى الفضاء، لم يتفق العلماء على ماذا يمكن أن يحدث للكائنات الحية إن غادرت الغلاف الجوي؟ وما آثار انعدام الوزن على الثدييات؟ وكيف ستستجيب أجسام الكائنات الحية إلى إشعاع الشمس؟
فبدلًا من إرسال الناس إلى الفضاء المحفوف بالمخاطر، أرسلت الولايات المتحدة وروسيا القردة والشمبانزي والكلاب وما على غرارها من الحيوانات إلى الفضاء بغية فحص الآثار الممكنة للسفر إلى الفضاء.
لسوء الحظ، ولأن سباق الفضاء كان في بواكره، كانت عملية التصميم الهندسي للمركبات مليئة بالتجربة والخطأ أو بالتجارب التي باءت بالفشل، إذ ستكون فرصة نجاة الحيوان ضئيلة في حال كانت المركبات الفضائية بها أعطال تحول دون انطلاقها أو عودتها للأرض. في بعض الحالات، لم تعد مركبات الفضاء المأهولة بالحيوانات أبدًا، ما دفع الكثيرين للاشتباه في أنه ما تزال العديد من المراكب الفضائية المهجورة التي بها حمولة من الحيوانات تطفو في المدارات مع المخلفات الفضائية.
الحيوانات الأولى في الفضاء
كان أول كائن حي ينجح في وصوله إلى الفضاء أصغر بكثير من الكلاب والقردة، ففي عام 1947، حلقت حاوية مليئة بذباب الفاكهة على ارتفاع 170 كيلومترًا فوق الأرض بنجاح وهبطت بلا أي ضرر يذكر.
فور بدء برامج الفضاء بإرسال حيوانات أكبر حجمًا في العام التالي، هبّ المختبر الطبي الفضائي Aero Medical Laboratory في إجراء تجارب على الحيوانات في وايت ساندز الوطني في ولاية نيو مكسيكو، وفي 11 يونيو 1948، انطلق صاروخ من نوع V-2 إلى الفضاء على متنه قرد ريسوسي يسمى ألبرت الأول لكنه مات جراء الاختناق بسبب اقترابه من الغلاف الجوي، ما دفع العلماء إلى البدء في سلسلة كاملة تعرف بمشروع ألبرت، التي للأسف باءت أغلب تجاربها بالفشل، إذ عانت أغلب الانطلاقات من أعطال تقنية مات جراءها العديد من الحيوانات، لكن أنجح تجربة كانت مع ألبرت الثاني الذي اجتاز الرحلة برمتها ليموت عند دخوله الغلاف الجوي.
أدت زيادة المهمات إبان الخمسينيات إلى تحسينات ملحوظة ومتزايدة، وتعد لايكا أشهر حيوانات الفضاء وأكثرهم أسرًا للقلوب، بعدما مر شهر من إدهاش الاتحاد السوفييتي للعالم بإطلاق سبوتنيك 1، أول قمر صناعي يدخل المدار، كشف الروس عن خطة أكثر إثارة، ففي 3 نوفمبر 1957، أُطلق سبوتنيك 2، ولكن كانت على متنه هذه المرة كلبة حية تسمى لايكا (وتعني النباحة بالروسية). كانت لايكا -التي أطلق عليها المدربون في الأصل اسم كودريافكا (أي المجعدة الصغيرة)- تزن 5.8 كيلو جرام وهي كلبة هجينة من سلالة ساموييد من شوارع روسيا – إذ فُضلت الحيوانات الضالة في رحلات الفضاء بسبب قوتها وقدرتها على البقاء في درجات الحرارة الباردة.
لسوء الحظ، دفعت الهبة الإعلامية التي حظيت بها سبوتنيك 1 نيكيتا خروتشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك، ليعجّل من إطلاق سبوتنيك 2 فقط عقب شهر من ذكرى سبوتنيك 1، فكانت تصميمات سبوتنيك 2 غاية في الرداءة، واعترف السوفييتيون عقب الإطلاق بأن لايكا لن تعود إلى ديارها، وأن القمر الصناعي سيحترق فور دخوله الغلاف الجوي. جعل المسؤولون الناس يصدقون بأن لايكا نجت في المدار على مدى أربعة أيام قبل أن تموت من فرط الحرارة، وهو ما فندته الأدلة في 2002 إذ كُشف أن لايكا ماتت بعد الانطلاق ببضع ساعات جراء مزيج من الهلع والحرارة.
حثت وفاة لايكا الأمريكيين على التحدث بأريحية أكبر عن معاملة الحيوانات، ونظر الروسيون إلى سبوتنيك 2 بعين الازدراء لكونها محاولة فاشلة للبروباغندا.
اقرأ أيضًا:
ما الذي حصل للكلبة لايكا في أول رحلة مأهولة إلى الفضاء؟
ترجمة: مي مالك
تدقيق: نغم رابي