سيطرت افكار نيوتن، على الوسط العلمي الفيزيائي، لفترات طوال، حتى منتصف القرن التاسع عشر، وظهور ثورة علمية اخرى، هي الكهرومغناطيسية.

دراسة الكهرباء والمغناطيسية، بدأت منذ عصر اليونانين، فكانوا يدرسونها لمجرد التسلية اثناء احتفالاتهم، لكن الأمر تحول لدراسة علمية تمامًا، منذ منتصف القرن السابع عشر، ففي عاصمة النور باريس، وخاصة عام 1730، بدأت اول شرارة لأنطلاق هذا البركان الخامد، عندما توصل “دوفيه” الى ان الأجسام المشحونة بشحنات مختلفة تتجاذب، بينما المتشابهة منهما تتنافر.

ما توصل اليه دوفيه كان عبارة عن ملاحظة مجردة، لكن اول قياس كمي لمقدار هذا التنافر والتجاذب، هو ما توصل اليه “كولون”، فاستطاع ان يستنبط من قانون نيوتن للجاذبية، قانون يعبر عن حالة الأجسام الممغنطة، او المشحونة كهربيًا، فتوصل الى ان قوة التنافر بين جسمين مشوحنين، تتناسب عكسيًا مع مربع المسافة بين الجسمين، وطرديًا مع كمية الشحنة الكهربية. ويعتبر قانون كولون هو اساس الكهربائية الساكنة او الأستاتيكية، لأنه يوضح ان الكهربائية الموجبة او السالبة، لا يجتمعان في آن واحد، بينما المغناطيس الواحد يحتوي على الشحنتين معًا، وهذا فارق جوهري بين الكهربية والمغناطيسية.

حتى ذلك الحين كان الأعتقاد السائد، بأن الكهرباء والمغناطيسية منفصلتان، و الكهربائية استاتيكية، اي لا يمكن توليد تيار كهربائ مستمر، حتى انتقل قطار العلم الى بلاد البيتزا ايطاليا ، حيث يتواجد دكتور “غالفاني”، فبينما يقوم بتشريح احد الضفادع، فلاحظ حركة عضلات الضفدع وهو مُخدر، وتكررت الحركة كلما لامس طرف مشرطه، الطرف المعدني الذي يثبت الضفدع، واعتقد ان هذا سبب بيولوجي، الا ان صديقه السيد “فولتا”، لم يوافقه الراي، الذي اعتقد ان عصب الضفدع، قام بدور الموصل الكهربي وليس المصدر، وافترض فولتا انه اذا تلامس طرفا جسمين من المعدن، وبينهما وسط جيد للتوصيل الكهربائي مثل حمض مثلًا، فسيتولد تيار كهربي بين الجسمين، ويظل هذا التيار مستمر، وتتوقف شدة التيار الكهربي هنا على نوع الحمض ونوع المعدن المستخدم، ومن هنا توصل فولتا لفكرة الدائرة الكهربائية.

مرت سنوات قليلة حتى تم اكتشاف العلاقة بين الكهربائية والمغناطيسية على يد “هانز اورستد”، فاكتشاف الكهرومغناطيسية ربما اتى بمحض الصدفة ايضًا، وكأن الكون يكافئ الجميع على اجتهادهم، فأورستد يقف على منصة قاعة المحاضرات، ويجري تجربة عن التيار الكهربي لتلاميذه، وبالقرب من الدائرة الكهربائية توجد بوصلة، وهذه البوصلة يتواجد مؤشرها اتجاه الشمال والجنوب، وعند مرور التيار الكهربي، انحرف مؤشر البوصلة 90 درجه جهة الشرق، ليتخذ وضع عامودي على اتجاه التيار الكهربي، وعند تغيير اتجاه التيار الكهربائي، انحرف مؤشر البوصلة ليتخذ وضع عامودي، فتوصل اورستد ان التيار الكهربائي ينتج عنه حقلًا مغناطيسيًا، ولك كامل الحرية عزيزي القارئ، ان تضع هذا الأكتشاف من ضمن افضل 10اكتشافات على مر التاريخ.

اعقب هذا الأكتشاف العظيم، بحثًا عظيمًا قام به “امبير”، الذي لاحظ ان السلكين يتجاذبان، اذا كان التيار فيهما يسير في اتجاه واحد، ولكنهما يتنافران اذا كان متضادين في الاتجاه، وظلت الأكتشافات تتوالى، حتى اتى العظيم “فارادي”، فأحدث ثورة في الفيزياء الكهربائية, نستكملها لكم في الحلقات القادمة من سلسلة تاريخ الفيزياء.


 

المصدر الأول

المصدر الثاني