بسرعة، ما هي أفضل طريقة لتأمينِ مصدرٍ بديلٍ للطَّاقة من أجل الأرض؟

إذا كانَ جوابك هو “أحضِر ثقبًا أسودَ صغيرًا ليدورَ حول الأرض”، فأنتَ والفيزيائيّ ستيفن هوكينج إذن على قدرٍ كبيرٍ من التشابه في التفكير!

في محاضرةٍ له في الثّاني من شهر فبراير، قال العالم المشهور: “تستطيع الثقوب السوداء الصَّغيرة، والتي تُضاهي ضخامةَ جبلٍ متوسطٍ في الحجم، أن توفِّرَ احتياجات العالم كلّه من الطَّاقة.

الخِدعة؟

هي إثبات وجودهم –بفرضِ أنّهم موجودون- ثمَّ محاولة ابتكارِ وسيلةٍ لاستغلال كلِّ تلكَ الطَّاقة المُتوافرة، على أن تتمّ العمليَّة بسلامة.

“لا يوجد في الحقيقة أيّ عيبٍ في هذه الفكرة من الناحيةِ التقنيّة، ولكنَّها ليست بتلكَ الفكرة العمليَّة، على الأقلّ ليسَ بحدودِ العشر آلاف سنة القادمة”.

تقول الفيزيائيَّة في معهد نورديك للفيزياء النظريَّة، سابين هوسينفيلدر.

الثقوب السوداء المُسرِّبة:

في الأصل، اعتقدَ العلماء أنَّ الثقوبَ السوداء كانت عبارةً عن مناطقَ من مادّةٍ منهارةٍ وعالية الكثافة، بحيث لا يمكن لأيِّ شيءٍ ولا حتَّى الضَّوء أن يهرب من قوة جاذبيتهنَّ.

ثمّ في عام 1974، اقترحَ هوكينج الفكرة التي تنصّ على “أنَّ الثقوب السّوداء تقوم بتسريبِ جسيماتٍ كموميَّة عن طريقِ عمليةٍ أصبحت تُعرف الآن بإشعاعِ هوكينج.

“تسكن أكبرالثُّقوب السوداء والتي تعدّ أضخم ببلايين المرات من الشَّمس في مراكزِ المجرَّات، بينما تتوزّع الثقوب السوداء ذات الحجم المُعادل لعشرة أضعاف حجم الشمس عبر الكون، تقول هوسينفيلدر”.

“إنَّ هذه الثُّقوب السوداء الضَّخمة تعدّ ثقوبًا شديدة البرودة، وتشع إشعاع هوكينج.

ولكنَّ الباحثين اقترحوا أيضًا وجودَ ثقوبٍ سوداءَ صغيرةً نسبيًّا وأكثر حرارة، وتشعُّ جسيماتٍ أكثر من خلال إشعاع هوكينج.

“يُطلق ثقبٌ أسود بحجمِ جبل، أشعَّة إكس وأشعَّة غاما بمعدّل حواليّ 10 مليون ميغاواط؛ كافية لتوفير حاجة العالم من الكهرباء بأكمله”.

يقول هوكينج في المحاضرة.

“لكن على الرّغم من ذلك، لن يكونَ من السَّهل استغلال طاقة ثقبٍ أسودَ صغير.

إنَّك لا تستطيع حجزه في محطَّةٍ للطَّاقة، لأنَّه بإمكانه أن ينفذَ من الأرضيَّة منتهيًا في مركز الأرض”.

أجسامُ فضاءٍ مراوغة:

ولكن هناك مشكلة أخرى: إنَّ أحدًا لم يكتشف من قبلُ دليلًا على وجود مثل هذهِ الثقوب السوداء الصغيرة، وهنالك أسبابٌ جيِّدة للشَّكّ في وجودها من الأصل”.

تقول هوسنفيلدر.

“نظريًّا، هذه الثقوب السَّوداء تشكَّلت مبكرًّا في تاريخ الكون، عندما وُجِدت المادة في البلازما الحارَّة ذات القِوام الحسائيّ.

ومع سحقِ هذا الحساء البدائيّ وانفصاله عن بعضه بعضًا مسبِّبًا تقلُّباتٍ في الكثافة – تقول النظرية – بعض المناطق مِن حينٍ لآخر أصبحت كثيفة جدًّا، بحيث قادت المادَّة إلى الانهيار على نفسها مشكِّلة ثقوبًا سوداءَ صغيرة”.

كما تقول هوسنفيلدر.

ولكن لتشكيلِ هذهِ الثُّقوب السَّوداء البدائيَّة، فإنَّ معظم النَّماذج تفترض وجود مستوًى عالٍ من تقلُّباتٍ في الكثافةِ، والتي تميل أيضًا لإنتاج ثقوبٍ سوداءَ عديدة، أكثر ممَّا هو موجودٌ حاليًّا في الكون.

“لا نريد أن ينتهي كل شيء في الثُّقوب السوداء”، تقول هوسنفيلدر.

مشكلة الجرِّ الأساسيَّة:

“إذن، بفرضِ أنّ هذه الثقوب السوداء الصّغيرة حقيقيَّة، والنَّاسُ يمكنهم كشف وجودها، تبقى المشكلة في الكيفيَّة التي من خلالها سنمتلك القدرة على بلوغ منازل الطاقة العملاقة هذه.

يمكن أن تأخذَ هذه العمليّة زُهاء عشرات الآلاف من السِّنين، بل وحتّى 100,000 سنة”.

تُنوِّه هوسينفيلدر.

يأتي في التَّالي المهمَّة الضَّخمة في استغلالِ قوَّة الثقوب السَّوداء من أجلِ الطَّاقة.

“لا تستطيع الهبوط عليه لتضع دافعة وتحرِّكه؛ لأنَّه لا يمتلك سطحًا”، تقول هوسينفيلدر.

“باستخدامِ جاذبيَّة جسمٍ أكبر بكثير، يستطيع النَّاس نظريًّا جرَّ ثقبٍ أسودَ صغيرٍ ودفعه لينتظم مع مدار الأرض في النِّهاية”.

“سيكون على العلماء أيضًا استغلال طاقة الثَّقب الأسود، بينما في الوقت ذاته حماية البشر من إشعاع الثَّقب الأسود الضَّار (مسألة بسيطة نسبيًّا مقارنة بكلِّ المَهام الأخرى المُضمنة في عملية الإعداد)”.

ثقوب سوداء ذاتيَّة التَّصميم:

“بالطَّبع، إذا كانت المُغامرة عميقًا في دهاليز وأعماق الفضاء الخارجيّ غير واقعيَّة، يوجد طرق أخرى لاستغلال الثُّقوب السَّوداء الصغيرة”، يقول هوكينج في المحاضرة.

“بإمكاننا إنشاء ثقوب سوداء بالغة الصّغر في الأبعاد الإضافية من الزمكان”.

“ولكن هذه الأبعاد الإضافيَّة قد توجد وقد لا توجد: مصادم الهادرونات الكبير لم يلحظ حتَّى الآن وجود أيّ أثرٍ لهم”، تقول هوسينفيلدر.

“وإذا كان هنالك أبعادٌ إضافيةٌ حقًّا، هذا لا يعني أنَّ الثقوب السَّوداء ‘مخبريَّة الصُّنع’ من الممكن أن تزوِّدنا بأيِّ مقدارٍ من الطَّاقة.

في حال تمكَّنت مصادمات الجسيمات مثل مصادم الهادرونات الكبير من إنتاج هذه الثقوب السوداء الصغيرة، سوف تتواجد الأجسام في محيطها لفترة مقدارها 10 مرفوعة للأس ‘ناقص 23 ثانية فقط’”.

“هذه الثُّقوب السَّوداء الصَّغيرة سوف تتحلَّلُ فورًا.

لا يوجد أيّ طريقة تستطيع من خلالها استغلال طاقتهم”، تقول هوسينفيلدر.