وفقًا لدراسةٍ أُجريت حديثًا، فإن الجبال والأنهار الجليدية تتقلَص بتزايدٍ مُستمر خلال السنوات العشرين الأخيرة. وبالعودة إلى البيانات المستوردة من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، فإن هذه الكتل الضخمة من الجليد تتقلص تحت تأثير عدةِ عمليات، مثل ذوبان الجليد وتحوله إلى ماء، أو تحت تأثير عملية التصعُد، حيث يتحول الجليد مباشرة إلى بخار، إضافةً إلى عملية التفتت الجليدي، حيث ينقسم الجبل ويتفتت إلى قطع ضخمة نسبيًا.
يمكن العلماءَ توقعُ ارتفاع مستوى سطح البحر بمراقبة ذوبان الجبال الجليدية وتفتتها، خاصة مع وجود التغير المناخي محفزًا لهذه العملية.
أكدت دراسة نُشرت في الثامن والعشرين من نيسان أن تحديد نسبة تقلص الجبال الجليدية وذوبانها يُعد مهمةً صعبة، إذ سابِقًا اعتُمِدت الدراسات الميدانية إلى جانب بعض البيانات من الأقمار الصناعية لتحديد هذه النسبة عبر مراقبة مئات الجبال الجليدية من أصل مئتي ألف جبلٍ موجود.
وأظهرت بيانات الأقمار الصناعية التغير الحاصل في مستوى سطح البحر لبعض المناطق خلال فواصل زمنية مختلفة.
وعلى صعيدٍ آخر، أظهرت بعض البيانات تغيرًا في مجال الجاذبية الأرضي، إلا أن تأثير ذوبان الجبال الجليدية على هذا الحقل ما يزال غير مؤكد، بعكس تأثير ذوبان الصفائح الجليدية والمعادن الأساسية في الأرض، اللذَين يؤثّران مباشرة عليه.
وفي محاولةٍ من العلماء لتحديد نسبة التقلص على نحو أدق، راقبوا ما يقارب 217,175 جبلاً جليديًا باستخدام القمر الصناعي «Myraid» بتقنية التصوير الجوي.
ساعدت البيانات المأخوذة من الجهاز المطور لقياس الانبعاث الحراري والانعكاس الإشعاعي «ASTER» التابع لوكالة ناسا في تحديد نسبة تفتت الجبال الجليدية وكميته بدقةٍ عالية.
صرح منشئ الدراسة طالب الدكتوراه رومان هوجونيت بأن هذه البيانات أعطتهم أفضلية، فقد تمكن الفريق من الحصول على تغطية لكافة أسطح الجبال الجليدية خلال فواصل زمنية مختلفة.
وتبين تفتت وذوبان ما يقارب 293.7 مليار طن سنويًا من الجليد بين سنتي 2000 و2019، ما يفسر 21% من ارتفاع سطح البحر خلال هذه السنوات.
ولاحظ الفريق تزايد نسبة التفتت والذوبان بمعدلٍ يقارب 52.8 مليار طن من الجليد سنويًا ما قد يسبب تزايد نسبة ارتفاع سطح البحر. ويستطرد هوجونيت قائلًا إن هذه البيانات ساهمت بكشف الغطاء عن الغموض الذي كان حائمًا حول نسبة تفتت الجبال الجليدية في السنوات الأخيرة.
ويظهر ذلك عبر مقارنة نتائج الدراسة الجديدة بنتائج دراستين أُجريَتا عام 2019، إذ تصل نسبة الخطأ في الدراستين إلى ما يعادل مئات الجيجا طن مقارنة بالنسبة الأصح للدراسة الحديثة.
تمكن هوجونيت بمساندة فريقه من تقليص نسبة الخطأ والتأكد من النتائج بمساعدة بيانات «ASTER»، فلدى الجهاز التابع لناسا القدرة على التقاط الأشعة المرئية والأشعة ما تحت الحمراء، مما يساهم في إعطاء نتائج قريبة مما نراه بأعيننا كما صرح هوجونيت. ويسمح المدار المُنخفض نسبيًا للجهاز (750 كيلومتر فوق سطح الأرض) بالتقاط صورٍ من عدة زاويا لمنطقةٍ واحدة: صورة خلال عبوره الأساسي فوق المنطقة، وصورة عبر التفافه بعد عبوره.
ومن خلال هذه الصور يُبنى مجسم ثلاثي الأبعاد يبين تضاريس الأرض، وفي هذه الحالة، يبين المجسم هيكل الجبال الجليدية المنتشرة حول العالم. وفي محاولةٍ لحساب معدل الوزن المتناقص للجبال الجليدية، قام هوجونيت وفريقه بتحديد حجم التغير في الجبال وضرب هذه القيمة بكثافة الجليد،
وللتأكد من نتائج الدراسة، قارنها الفريق بنتائج القمر الصناعي التابع لناسا «ICESat» المختص بالأبحاث حول المساحات الجليدية في القطبين.
ساهمت هذه البيانات الإضافية بتأكيد صحة الصور التي يتم تلقيها من جهاز«ASTER» ما ساهم أيضًا بتصحيح بعض الأخطاء الإحصائية في البيانات.
يؤكد هوجونيت أن مقارنة بيانات الجهاز مع بيانات أقمارٍ أخرى ساهمت بإنتاج أرقامٍ عالية الدقة، إلا أن بعض الشكوك ما زالت تحوم حول هذه الجبال وتفتتها. ويستطرد قائلاً أن المشكلة تكمن في ذوبان الجبال الجليدية إلى جانب الحُبيبات الثلجية التي توجد غالبًا على سطح الجبل، ولم تستطع الدراسة الحديثة تمييز ذوبان الحبيبات الثلجية عن ذوبان الجبل الجليدي، ما يسبب أخطاءً حسابية تقف عائقًا أمام الوصول إلى رقمٍ أكثر دقة يصف هذه الحالة.
إضافةً إلى ذلك، اكتشف الفريق اختلافًا في سرعة ذوبان الجبال الجليدية حول العالم، وصرح هوجونيت قائلًا: «تفاجأنا بوجود مناطق تتسارع فيها عملية الذوبان، وأخرى تتباطأ». على سبيل المثال، تزايد ذوبان الجبال الجليدية في ألاسكا وغرب كندا خلال الفاصل الزمني الذي أُجريت فيه الدراسة، وبعكسها، تباطأ ذوبان الجبال في المناطق الآيسلندية والدول الاسكندنافية وجنوب شرق جرينلاند في نفس الفترة.
أكد المشرفون على الدراسة أن اختلاف سرعة التفتت في هذه المناطق يعود إلى الفرق في التغير المناخي بين هذه المناطق، والذي يؤثر تباعًا على معدل الحرارة وهطول الأمطار.
وبالعودة إلى تفاصيل هذا التغير، نرى أن آيسلندا وجرينلاند والبلدان الاسكندنافية باتت تُعد من المناطق الباردة في القرن الواحد والعشرين، ومن جهة أخرى، أصبحت أمريكا الشمالية تُعد من المناطق الدافئة، ما ساهم في تفتت وذوبان الجبال الجليدية فيها أكثر من تلك الموجودة في جرينلاند والدول الاسكندنافية. وبمعنى آخر، خسرت هذه الجبال وزنًا أكبر من الثلوج مما كانت عادةً تتلقاه سنويًا بسبب فترة الجفاف النسبية التي دخلت فيها.
يؤكد هوجونيت أن هذه التقلبات الحرارية قد تستمر سنوات في منطقةٍ واحدة. ويضيف قائلًا أن هذه التقلبات المناخية هي التي فرضت وجود أقمارٍ وأجهزة لمراقبة معظم الجبال حول العالم.
ويصرح محذرًا أن مراقبة تفتت الجبال الجليدية يساعد العلماء بتوقع نسبة ارتفاع سطح البحر عالميًا، إلا أن ذوبان هذه الجبال له أثر على البلدان المجاورة لها، فيهدد الأسطح المائية وقد يؤدي مستقبلًا إلى فيضانات وانهيارات ثلجية. لذا، فإن مراقبة تفتتها وذوبانها خطوة أساسية ومهمة.
اقرأ أيضًا:
كيف سيؤثر ذوبان صفيحة غرينلاند الجليدية على المناخ العالمي؟
انفصال جبل جليدي ضخم عن القارة القطبية الجنوبية في مكان غير متوقع
ترجمة: محمد علي مسلماني
تدقيق: عبد الرحمن داده