انفجر نيزك في القطب الجنوبي قبل نحو 430 ألف سنة. يرجع سبب معرفتنا الوحيد بهذا الحدث إلى إيجاد العلماء جزيئات صغيرة منصهرة لصخرة فضائية كامنة في الجليد منذ ذلك الحين.
وفقًا لنتائج التحليل، لم يكن الحدث قويًّا كفاية لإحداث فوهة صدمية، لكنه لم يكن بسيطًا كذلك. كان من الممكن أن يسبب تدفق المادة المنصهرة والمتبخرة التي انفجرت بسبب التصادم الجوي كارثةً أخطر من حادثة تانجوسكا التي دمرت غابةً سيبيرية سنة 1908.
إن حدوث فوهات صدمية ناجمة عن اصطدام نيزك بسطح الأرض هو حدث نادر، أما دخول الصخور إلى الغلاف الجوي للأرض وانفجارها فيه فهو حدث أكثر شيوعًا. تسمى هذه الصخور نيازك متفجرة، رصدت ناسا 861 جسمًا منها منذ 1988. تسقط النيازك المتفجرة العظيمة بضع مرات كل قرن، مثل حدث سقوط نيزك تشيلابينسك سنة 2013، ونيزك كامشاتكا سنة 2018.
حوادث الانفجار الجوي الأشد وطأة من انفجار تانجوسكا نادرة، وإن كانت أكثر شيوعًا من حوادث الفوهات الصدمية عبر التاريخ، وهذا «مثير للقلق» وفقًا لفريق متخصص في علم الفلك من جامعة كينت بالمملكة المتحدة بقيادة ماتياس فان جينكن.
«لا تؤثر حوادث الاصطدام في القطب الجنوبي في الأنشطة البشرية، لكن إذا حدثت في منطقة مرتفعة الكثافة السكانية فقد تسبب خسائر كارثية وأضرارًا جسيمة في نطاق مئات الكيلومترات».
تكمن مشكلة رصد هذه الحوادث في أنها لا تخلف فوهات صدمية، ما يصعب تحديد مدى شيوعها.
وُجِد 17 جسمًا صغيرًا على قمة «فالنومجيلات»، في جبال «سور روندان» في منطقة «كوين مولاند» شرق أنتاركتيكا. أكبر هذه الأجزاء لا يتجاوز حجمه نصف مليمتر.
قد تبدو هذه الأجسام مجرد حبيبات عادية من الأوساخ، لكن بيّن المسح الإلكتروني المجهري أنها نوع من النيازك يُطلَق عليه الكرية المكثفة.
كشف البحث أن هذه الكريات أغلبها مكونة من الحديد والزبرجد الزيتوني، مع نسبة عالية من النيكل، بنحو ملائم تمامًا لحجر نيزكي نادر يُسمى «بالاسيت»، ما يؤكد أنها قادمة من خارج كوكبنا.
وهي تحتوي نسبًا منخفضة من نظير الأكسجين 18، الذي يوجد بنسب ضئيلة في المناطق الباردة كالجليد والماء في القطبين. وجد العلماء تشابهًا عند مقارنة كثافة الكريات الموجودة في مناطق أخرى من أنتاركتيكا تعود إلى ما قبل 480 و430 ألف سنة.
يطرح هذا التماثل الكيميائي التركيبي احتمال أن الكريات جاءت من نفس الحدث النيزكي منذ 430 ألف عام، ويمثل دليلًا على الانفجار ذاته.
أوضح الباحثون أن تكثف الكريات بسبب انفجار جوي بسيط نادر الحدوث، فهي تقترن غالبًا بحدوث انفجارات صدمية. لكن الفريق لم يجد دليلًا على وجود فوهة بركانية مرتبطة بهذه البقايا. إضافةً إلى أن المساحة الشاسعة التي تناثرت فيها الجزيئات ترجح أن الحدث الذي أنتج الكريات هو انفجار جوي، لكنه أقوى مما اعتدنا رصده.
لا نعرف يقينًا سبب انفجار النيازك في الهواء، يرجح العلماء أن ضغط الهواء المرتفع حول النيزك الساقط يُسبب تصدعات به، ومع زيادة الضغط الداخلي تتهشم الصخور.
قد تسبب الحرارة المقترنة بهذه العملية تبخر مادة النيزك، ويدفعها الانفجار تجاه الأرض، حيث تتكثف المادة المتبخرة وتختلط بالجليد، فيتشكل نظير الأكسجين 18 في الكريات.
ربما كان هذه الحدث أقوى من انفجار تانجوسكا، أي قوة انفجارية أكبر من 3 ميجا طن. تشير النتائج إلى أن مثل هذه الأحداث الوسيطة قد تكون مدمرة وإن لم تخلف فوهة صدمية. فكارثة تانجوسكا قضت على ألفي كيلومتر مربع من الغابات وأدت إلى فقدان نحو 80 مليون شجرة.
يقول العلماء إن علينا أن نحاول سد الثغرات في سجل النيازك الفائقة.
صرح فان جينكين: «نقترح أن تركز الدراسات المستقبلية على رصد الأحداث المماثلة في أهداف مختلفة، بهدف إتمام سجل اصطدام الكويكبات بالأرض، مثل الكهوف الصخرية والمناطق الضحلة من المحيطات، علمًا بأن الغطاء الجليدي في أنتاركتيكا لا يغطي سوى 9% من سطح الأرض».
«قد يكون بحثنا مفيدًا في تحديد هذه الأحداث في الرواسب المركزية في أعماق البحار، وفي السجل الرسوبي، حال امتداد الآثار إلى الكتلة الأرضية».
اقرأ أيضًا:
غبار من النيزك الذي أنهى عهد الديناصورات يحسم الجدل حول سبب انقراضها
سقوط نيزك على ولاية ميتشغن قد يكشف لنا أسرار الحياة على كوكب الأرض
ترجمة: فاطمة البجاوي
تدقيق: نايا بطّاح
مراجعة: أكرم محيي الدين