منذ حوالي 2 مليون عام، تقريبًا في الوقت الذي كان يتعلم فيه أسلافنا (هومو إريكتس) أن يمشوا منتصبين، كان يظهر ضوء في السماء الليليّة، ينافس ضوء القمر في التألق والحجم. هذا التوهّج كان مصدره ثقب أسود فائق الضخامة (أو عظيم الكتلة – Supermassive blackhole) الموجود في قلب مجرتنا والذي كان ينفجر فجأة إلى الحياة، طبقًا لبحث تم الإعلان عنه في مؤتمرٍ في سيدني بأستراليا.
قد يكون غريبًا القولُ بأنّ ثقب أسود فائق الضخامة هو مصدر أكثر الأضواء توهّجًا في الكون، ولكن هذا هو السبب الذي يجعل مراكز بعض المجرات – المعروفة بنواة المجرة النشطة AGN – تضئ بقوة. الفكرة هي أن الثقب الأسود يجذب المادة بداخله، هذه المادة تُلحم في قرص محيط، ثم تسخن وتضئ. حين تُجذَب كميات مهولة من المادة إلى القرص، يتم إطلاق طاقة في هيئة فيض متوهج من الجسيمات العموديّة على دوران هذا الثقب الأسود.
الثقب الأسود الموجود في مركز مجرة درب التبانة، التي تُدعى القوس أ*، هي حاليًا وديعة، ولكن لم يعلم أحد بالضبط ما يجعل الثقب الأسود يتحوّل لنواة مجرة نشطة. أول دليل على أن مجرتنا لم تكن هادئة كما هي الآن جاء في 2010 حين استخدم الفلكيون قمر ناسا الصناعي فيرمي ولاحظوا فقاعتين غامضتين (سميا لاحقًا بفقاعات فيرمي). في أبريل الماضي، وفي اجتماع لجامعة ستانفورد بكاليفورنا، اقترج علماء بأن هذه فقاعات فيرمي سببها انفجار من القوس أ*، كما أظهرت نماذج المحاكاة الحاسوبية. وحسبوا أنها حدثت من 1 إلى 3 مليون عام.
سمع العالِم بلاند هاوثورن من جامعة سيدني (وقائد البحث الجديد) الذي كان حاضرًا في هذا الاجتماع، وأدرك على الفور أن هذا قد يساعد في حل لغز آخر قديم. ففي عام 1996، وجد الفلكيون بأن منطقة معروفة، تتكون غالبًا من تدفق لغاز الهيدروجين وتبعد 240 ألف سنة ضوئية من درب التبانة، تضئ من 10 إلى 50 ضعف باقي التكوينات المشابهة. هل من الممكن أن يكون انفجار شبيه بذلك في القوس أ* مسؤولا؟ بالفعل، هذا هو ما وجده بلاند هاوثورن بعد الاستعانة بعلماء آخرين متخصصين و بدمج بيانات المجرات الأخرى مع بيانات الثوقب السوداء فائقة الضخامة.
بما أن مركز المجرة مرئيّ فقط من السماء الجنوبية، فالكائنات التي عاشت 20 درجة فوق خط الإستواء فقط هي التي قد تكون شاهدت هذا. معظم أسلافنا الذين مشوا على القدمين كانوا يتجولون في هذه المناطق.