إذا أدهشك ما رأيته في أحدث فيديو أبدعه الذكاء الاصطناعي، أو إذا أنقذ نظام كشف الاحتيال رصيدك المصرفي من براثن المجرمين، أو أضفى على يومك لمسة من السهولة بفضل قدرتك على إملاء رسالة نصية في أثناء العمل، فلا بد من توجيه الشكر لكوكبة من العلماء، لا سيما الرياضيين والمهندسين.
مع ذلك، يلوح في الأفق اسمان يترسخان بوصفهما علامتين فارقتين في عالم تقنية التعلم العميق التي تتيح هذه التجارب الرائعة: جون هوبفيلد عالم الفيزياء في جامعة برينستون، وجيفري هينتون عالم الحاسوب في جامعة تورنتو.
حصل الباحثان على جائزة نوبل في الفيزياء في 8 أكتوبر 2024، تقديرًا لعملهما الرائد في مجال الشبكات العصبية الاصطناعية.
مع أن الشبكات العصبية الاصطناعية مصممة على غرار الشبكات العصبية البيولوجية، استند عمل الباحثين على الفيزياء الإحصائية، وقد حصلوا على جائزة نوبل في الفيزياء.
كيفية حصر الخلايا العصبية:
تنبع الشبكات العصبية الاصطناعية من الدراسات التي أجريت على الخلايا العصبية في الأدمغة الحية. عام 1943، اقترح عالم الفيزيولوجيا العصبية وارن مكولوتش والمنطقي والتر بيتس نموذجًا بسيطًا يوضح كيفية عمل الخلية العصبية.
تتصل الخلايا العصبية بالخلایا المجاورة، ويمكنها تلقي إشارات منها. وفي نموذج «مكولوتش-بيتس»، للخلايا القدرة على جمع هذه الإشارات من ثم إرسالها إلى خلايا عصبية أخرى.
ثمّ لمسة فريدة وهي قدرة الخلايا العصبية على إدراك الإشارات القادمة من الخلايا العصبية المجاورة بطرق متفاوتة. تخيل أنك في موقف صعب وتحاول أن تقرر هل ستشتري هاتفًا جديدًا يتصدر قائمة المبيعات؟. فتبدأ بالتحدث مع أصدقائك، تسألهم عن آرائهم وتوصياتهم، وكل واحد يضفي لمسته الخاصة على قرارك.
تتمثل الإستراتيجية البسيطة في جمع توصيات جميع الأصدقاء، ثم اتخاذ قرار يتماشى مع رأي الأغلبية. مثلًا، تسأل ثلاثة أصدقاء: أليس وبوب وتشارلي، فيوافق أليس وبوب في حين يعترض تشارلي. بناءً على هذا التصويت، تقرر شراء الهاتف لأن الأغلبية كانت مع الشراء.
لكنك قد تميل إلى احتساب اعتراض تشارلي بثلاثة أصوات إذا كان على دراية واسعة، من ثم لن تشتري الهاتف لأن النتيجة ستكون صوتين مؤيدين مقابل ثلاثة أصوات معارضة.
أما في حالة أن لديك صديقًا لا تثق برأيه تمامًا في مسألة الأجهزة التقنية، فقد تقدر رأيه بالسلب، فتعد موافقته رفضًا ورفضه موافقة.
بالمقابل، قد يطلب منك الأصدقاء الآخرون توصيتك بشأن هل كان الهاتف الجديد خيارًا مناسبًا؟
بالمثل، في الشبكات العصبية الاصطناعية والبيولوجية، تجمع الخلايا العصبية الإشارات من الخلايا المجاورة وترسل إشاراتها إلى خلايا عصبية أخرى.
ينشأ عن هذه القدرة تمييز أساسي، وهو مسألة وجود دورة في الشبكة. مثلًا، أنت تسأل أليس وبوب وتشارلي اليوم، ثم تطلب أليس توصيتك غدًا، هنا تتشكل دورة: من أليس إليك، ثم منك إلى أليس.
حال عدم وجود دورة في اتصالات الخلايا العصبية، يسمي علماء الحاسوب هذا النوع من الشبكات «الشبكة العصبية التغذوية»، إذ تنظم الخلايا العصبية في طبقات.
تتكون الطبقة الأولى من المدخلات، وتستقبل الطبقة الثانية إشاراتها من الطبقة الأولى وهكذا، في حين تمثل الطبقة الأخيرة مخرجات الشبكة.
أما حال وجود دورة في الشبكة، يطلق علماء الحاسوب عليها اسم «الشبكة العصبية المتكررة»، وتصبح ترتيبات الخلايا العصبية أعقد مقارنةً بالشبكات التغذوية.
شبكة هوبفيلد:
استُوحي علم الشبكات العصبية الاصطناعية بدايةً من علم الأحياء، ولكن سرعان ما بدأت مجالات أخرى مثل المنطق والرياضيات والفيزياء تشكل مسار تطورها.
استعان الفيزيائي جون هوبفيلد بأفكار من الفيزياء لدراسة نوع معين من الشبكات العصبية المتكررة، التي تُسمى الآن شبكة هوبفيلد، وركز خصوصًا على ديناميكياتها، أي ما يحدث للشبكة بمرور الوقت.
تبرز أهمية هذه الديناميكيات أيضًا عندما تنتشر المعلومات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ نرى انتشار الصور الساخرة وتشكيل غرف الصدى على تلك الشبكات. في النهاية، تنشأ هذه الظواهر الجماعية من تبادل المعلومات البسيطة بين الأفراد.
كان هوبفيلد رائدًا في استخدام النماذج المستوحاة من الفيزياء، خصوصًا تلك التي طُورت لدراسة المغناطيسية، لفهم ديناميكيات الشبكات العصبية المتكررة. وأظهر أن هذه الديناميكيات قد تمنح الشبكات العصبية شكلًا من أشكال الذاكرة.
آلات بولتزمان والتكاثر العكسي:
خلال ثمانينيات القرن العشرين، وسع جيفري هينتون وعالم الأعصاب الحاسوبي تيرينس سينوفسكي وآخرون أفكار هوبفيلد لإنشاء فئة جديدة من النماذج تُسمى آلات بولتزمان، التي سُميت تيمنًا بالفيزيائي لودفيج بولتزمان.
كما يوحي الاسم، فإن تصميم هذه النماذج متأصل في الفيزياء الإحصائية التي ابتكرها بولتزمان.
على عكس شبكات هوبفيلد التي يمكنها تخزين الأنماط وتصحيح الأخطاء –كما يفعل المدقق الإملائي– فإن آلات بولتزمان تستطيع توليد أنماط جديدة، ما مهد الطريق لثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي الحديثة.
كان هينتون أيضًا جزءًا من إنجاز آخر ظهر في الثمانينيات وهو التكاثر العكسي. إذا كنت ترغب في أن تقوم الشبكات العصبية الاصطناعية بمهام معقدة، يجب عليك بطريقة ما اختيار الأوزان الصحيحة للاتصالات بين الخلايا العصبية.
التكاثر العكسي خوارزمية أساسية تتيح اختيار الأوزان بناءً على أداء الشبكة على مجموعة بيانات التدريب. مع ذلك، يظل تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية متعددة الطبقات مهمًا.
اقرأ أيضًا:
لماذا فازت كلاوديا غولدين بجائزة نوبل للاقتصاد
فيزياء الأتوثانية: سبب فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل
ترجمة: لور عماد خلیل
تدقيق: مؤمن محمد حلمي