تُرى هل أنت مدمن على الحب؟ قد يقود هذا النوع من الإدمان إلى خوض نماذج غير صحيةٍ في العلاقات و هوسٌ بالتفكير به إلى حدّ الوسواس.
عند سماعنا بمصطلح «إدمان الحب»، يتراود إلى أذهاننا أحد شخصيات القصص الغرامية القصيرة التي تبتلع جرعة وردية من الحب تكون شرارتها لامعة وتُفتن بالطرف الآخر تلقائيًا.
في معظم الحالات، لا يدوم تأثير هذه الجرعة أو سحرها فترة طويلة، وتترك لنا هذه الحكايات الشعبية رسالةً تحذيرية: قد يصبح الإفراط في الحب مؤذيًا. فبدلًا من استنفاده، من الأفضل أن نسعى جاهدين من أجل علاقة صحية متوازنة يكون فيها الحب متبادلًا من الطرفين.
في حياتنا الواقعية، نقتاد إلى الحب ونبحر فيه بمسارات مختلفة إما عن طريق استخدام تطبيقات مواعدة وإما مواجهة أوهام فرصه واحتمالاته الخيالية، وإما الهروب من سهامه وقذائفه.
لكن هل يُحتمل أن يصبح الشغف بالشخص الآخر إدمانًا حقيقيًا؟
رغم عدم وجود بحث تام ونهائي حول هذه النقطة، إلا أن علماء النفس يشيرون إلى أن الحب والسعي وراءه وملاحقته أصلٌ لمشاكل أخرى تتجذّر منه كالقلق والاكتئاب وأنماط العلاقات السامة وغير الصحية.
بعبارة أخرى ، إذا كنت تشعر أنه بإمكان الحب أن يجعلك كالمهووس، فلست أنت الوحيد. كذلك، قد يكون مليئًا بالتعقيدات في الحياة الواقعية، وأنه ليس بتلك البساطة كمن ينتظر زوال تأثير جرعة الحب عنه.
تتحدث إلينا زميلة في علم النفس ما بعد الدكتوراه ودكتورة الفلسفة جينا جيراردو عن “إدمان الحب” وكيف يمكن تعزير علاقتنا مع الحب.
ماذا يعني إدمان الحب؟
لا يوجد تعريف دقيق له لأنه ليس حالة فعلية مثلما هو مفهوم مجرد. أخيرًا، لا يمكن إجراء اختبار للحب في المختبر ومراقبة ردة فعل شخص ما.
ولكن كما كشفت بعض الأبحاث، أنه بالإمكان تدوين كيفية تأثير العلاقات في حياتنا جسديًا ونفسيًا. في عام 2023 وصفته مراجعة بأنه ما يدعى احيانًا إدمان العلاقات أو اضطراب الحب الوسواسي، كما يُعرّف بالتوق الشديد الغامر والقهري للحب والاهتمام والعاطفة من الآخرين.
قد يبدو وكأنه نمو وتطور للمشاعر بطريقة مبالغ فيها أو غير صحية تجاه أشخاص مميزين بالنسبة لنا، أو كاستمرارنا بالبحث عن شركاء غراميين.
في حين أنه لم يُشخّص إدمان الحب رسميًا في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM)، إلا أن الدكتورة جيراردو تشير إلى هذا المصطلح إلى أنه قد يساعد في التعرّف على مسائل معينة في العلاقة أو ما قد نختبره من نقاط خلافٍ انفعالية فيها.
وتوضّح قائلة: «لو وجد أحدنا أن الحب أصبح مؤلمًا ومقلقًا أو مدمرًا على نحو بارز في حياته، فمن الجدير طرح المزيد من التساؤلات حوله وربما معالجته. هذا يعني أنه بإمكاننا معالجة السلوكيات المرتبطة بإدمان الحب حتى لو لم نحصل أبدًا على تشخيصٍ له».
حقيقةً، قد لا يُصادف دائمًا إدمان الحب مع السلوكيات المترافقة عادةً بالإدمان. بل بإمكانه أيضًا أن يأتي مصحوبًا باضطراب المزاج أو اضطراب الوسواس القهري بل وحتى اضطراب التحكم في الاندفاعات.
علامات إدمان الحب وأعراضه
إن كان أحدهم من محبّي الاغاني الغرامية والروايات الرومانسية، فغالبًا سيكون لديه فكرةً في ذهنه مسبقًا عن أعراض إدمان الحب: الشعور بالفراغ عند غياب الطرف الآخر والرغبة بالبقاء على تواصلٍ مستمر معه، إضافة إلى الاستجابة الجسدية الغامرة لوجود الشخص معه في نفس المكان.
ووفقًا للبحث الحالي، فإنه ليس بالأمر البعيد جدًا.
توضح الدكتورة جيراردو: «يُعد الحب حالةُ أحد أوجه التميز والاختلاف عن الأنواع الأخرى من الإدمان»، وعلى عكس الإدمان الذي يصيب الناس الذي تسببه مادة ما ويجدون أنفسهم يعتمدون عليها، هنا الأمر يختلف سيكون شيئًا سواء كان شخصًا أو شيءً آخر، ويبدأ ينتابهم الهوس به.
ومثال على ذلك، دارسة أجريت عام 2023 بحثت في دور إدمان الحب والتعلق غير الصحي بين البالغين في كيفية تسببه بخلق انفعالات سلبية شديدة ومشاعر تدني احترام الذات.
ووجدت دراسة أخرى أُجريت عام 2010 أوجه الشبه بين العاطفة الشديدة والاعتماد على جوهرها من مشاعر الشَمَق من نشاط ومرح وخفة عندما نكون بالقرب من الإنسان الذي نحب إلى الحالة المزاجية السلبية واضطرابات النوم عند الانفصال.
قد تشمل أعراض إدمان الحب:
- الأفكار الهوسية، الشعور الدائم بالانشغال بالافكار الغرامية والرومانسية أو بالحبيب. وهذا يتحوّل إلى هوس عندما يصعب التركيز بجوانب الحياة الأخرى.
- الخوف الشديد من الهجر والوحدة، مما يخلق سلوك التشبّث والحاجة المستمرة لاستعادة الطمأنينة، وقد تتطفل أفكار دخيلة عندما يكون الطرف الآخر غائبًا و الإصابة أيضًا بالانسحاب والانعزال.
- نماذج العلاقات غير الصحية، التكرار الدائم بالدخول بعلاقات قصيرة الأمد أو البقاء بعلاقات سامة مع أن الخطوط الحمراء واضحة.
- إهمال الرعاية الذاتية، وإهمال الأهداف الشخصية والاهتمامات والاحتياجات وتفضيل احتياجات الشريك ورغباته عليها وعلى عافيتنا.
- نعاني من تجربة الاضطراب العاطفي بما فيه من صعود وهبوط تبعًا لحالة العلاقة الحالية. تقول الدكتورة جيراردو: «قد يفوق شعور الفرح والخفة أي شعور أخر طبيعي في العلاقة الرومانسية».
كيف يؤثر إدمان الحب في سلامنا النفسي
قد يكون من الصعب إدراك متى يصبح الحب مؤذيًا في حياتنا أكثر من كونه لصالحنا حينما تتعلق الأمور بالقلب.
بينما قد تتداخل أعراض إدمان الحب مع اضطرابات الصحة النفسية الأخرى، إلا أنها قد تفاقم المشاكل الموجودة أيضًا، وهذه بعضها والتي قد تكون مرتبطة به:
- القلق
- الاكتئاب
- تدني تقدير الذات
- اضطرابات النوم
- الاعتماد المتبادل
- اضطرابات الأكل
- اضطراب الشخصية الحدية
كما تحذر الدكتورة من أن هذا الإدمان قد يؤثر في الحياة اليومية أيضًا.
فتخبرنا: « إن كان الأمر يؤذي علاقاتنا الشخصية الأخرى مع الأصدقاء والعائلة أو إن كان يمنع القيام بمسؤوليات أخرى مثل العمل أو رعاية الأطفال أو الالتزام بالفواتير والمواعيد الطبية، فهذا مؤشر على احتمال وجود مشكلة».
كيف أتلقّى المساعدة
قد نفكر عند التعامل مع هذا الإدمان بالتوقف عن الحب فجأة وبشكل تام والتخلي عنه والهرب منه بعيدًا بمفردنا، ولكن كما هو الحال مع الأنواع الأخرى من الإدمان يجب التعامل مع هوس احتياجه بعناية.
إضافة إلى ذلك، من الممكن العمل على إيجاد توازن صحي بدلًا من محاولة الابتعاد عن الحب تمامًا، فالحب شيء مهم جدًا لنشعر بالإنجاز في حياتنا.
تتضمن بعض الاستراتيجيات التي توجهنا لها الدكتورة جيراردو ما يلي:
التواصل المفتوح
بما أن أعراض الحب لا تقتصر عادةً على شخص واحد، فإن التواصل هو المفتاح لحل أي مشكلة قد تواجهنا تتعلق بذلك. ربما ندرك أنه بسبب الخوف والقلق اعتدنا تجنب التواصل، لكن يمكن لحوار مفتوح نجريه حيال عواطفنا ومشاعرنا أن يوضح العلاقة أمامنا.
تفسّر الدكتورة جيراردو: «يشمل التواصل بأن يكون مع الشريك ومع أنفسنا وحتى مع الأصدقاء والعائلة قبل خوض أية علاقة».
خاصةً مع الشريك، من الجيد الصدق حيال بعض المشاعر المعقدة لدينا، ربما بإمكان هذا الشعور مساعدتنا في الشعور بانفتاح أكبر بشأن ما نشعره وقد يدلّهم إلى ما قد نود القيام به ولماذا.
مثلاً، ربما من أجل ذلك نقرر قضاء المزيد من الوقت بمفردنا، لكن إيصال هذا التغيير في السلوك إلى الشريك مع شرح الدوافع له قد يصون العلاقة معه، وفي حال إيجاد مشكلة بالإفصاح عن تلك المشاعر بالكلمات فإن استشارات الأزواج تعد خيارًا جيدًا أيضًا.
البحث عن وجهات نظر أخرى
إحدى أكثر التحذيرات المعروفة في أية علاقة سواء غرامية أو غيرها عدم غض النظر عن بقية العالم، لأنه حينها سيكون من الصعب ملاحظة المشاكل أو السلوكيات السامة، لذا تحث الدكتورة جيراردو على إزالة فقاعة الحب هذه عن طريق البحث في حياتنا عن أشخاص نحصل منهم على وجهات نظر جديدة.
كما تقول: «إذا لاحظ المحيطين بنا استمرار هذه المشكلات فترة طويلة من الزمن وتؤثر في جميع السلوكيات والمسؤوليات المعتادة فإن ذلك بمثابة إشارة لوضع حدٍ لها وإخبار الشريك باحتياجاتنا».
العلاج والاستشارة
قد يساعد العلاج الفردي أو الجماعي في معالجة المشكلات الأساسية والتعرّف على أنماط صحية من العلاقات.
إذا كنا نشعر أن إدمان الحب يؤثر في صحتنا الشخصية وصحة علاقتنا، فإن النقاش والحوار مع المعالج قد يساعدنا في التعامل مع مخاوفنا وقلقنا. قد تكون أيضًا الجلسة مع مستشار الأزواج أو أي شكل آخر من العلاج الجماعي مساعدة في الوصول مع شريكنا إلى مكان أكثر صحة وتوازنًا.
الخط الأدنى
لا ريب أنه بإمكان الإدمان على الحب أن يكون ذو تأثير في عافيتنا، لذا عندما نجد أنفسنا منشغلين كليًا بإنسان ما أو شيء ما لدرجة أنه يؤثر في كيفية تناول الطعام أو النوم أو ردود فعلنا اتجاه المواقف المجهدة، فإنه قد يكون حان الوقت لتقييم العلاقة بالحب، عن طريق التركيز ووجهات النظر الخارجية والاستشارة، هناك الكثير من الطرق لإيجاد السلام مع مشاعر الحب وتحويلها إلى مزيد من القوة الإيجابية في حياتنا.
اقرأ أيضًا:
هل يمكن أن يقع السيكوباتيون في الحب؟
ترجمة: رغد شاهين
تدقيق: لين الشيخ عبيد
مراجعة: باسل حميدي