يستغرق تطوير دواء واحد ناجح من 10 إلى 15 عامًا ونحو مليار دولار أمريكي، ورغم هذه الاستثمارات الكبيرة بالوقت والمال، تفشل 90% من الأدوية المرشّحة في التجارب السريرية، ولا تتقدم أبدًا إلى مرحلة الموافقة، إما بسبب عدم تأديتها الفعالية المطلوبة لمعالجة الحالة المستهدفة بنحو كافٍ، أو لأن الآثار الجانبية الناجمة عنها قوية جدًا.
في هذا المقال، يحدثنا ديكسن صن، البروفيسور في جامعة ميتشجن، عن عملية تطوير الأدوية، والحلول المقترحة:
بصفتي عالمًا يعمل على تطوير الأدوية، شعرتُ بالإحباط بسبب معدل الفشل العالي. وخلال العشرين سنة الماضية، حقق مختبري في طرائق تحسين هذه العملية. نحن نعتقد أن البدء من مراحل التطوير المبكرة وكيفية اختيار الباحثين للدواء المرشّح، يمكن أن يؤدي إلى معدلات نجاح وأدوية أفضل في نهاية المطاف.
كيف يجري تطوير الأدوية؟
على مدى العقود القليلة الماضية، اتّبع تطوير الأدوية ما يسمى بالعملية التقليدية. يبدأ الباحثون بإيجاد هدف داخل خلوي يسبب المرض، مثلًا، إذا كان تثبيط بروتين مفرط الإنتاج يساعد على إيقاف تطور الخلايا السرطانية، ثم بإمكانهم تحديد مجموعة من المركبات الكيميائية للعثور على الدواء المرشّح المحتمل الذي يعمل على الهدف، وفورَ تحديد مركب واعد يقوم الباحثون بتطويره في المختبر.
يركّز تطوير الأدوية عمومًا على جانبين من الدواء المرشّح. أولًا، يجب أن يكون قادرًا على تثبيط الهدف الخلوي بقوة دون التأثير في الأهداف الأخرى. يركز الباحثون على العلاقة بين البنية والتأثير لتحسين الفعالية والنوعية، أو كيف يحدد التركيب الكيميائي للمركّب فعاليته ضمن الجسم. ثانيًا، يجب أن يكون قابلًا للامتصاص والنقل عبر الدم للعمل على هدفه المقصود في الأعضاء المصابة.
فور استيفاء الدواء المرشّح لمعايير التطوير الخاصة بالباحثين، يُنقل إلى اختبار الفعالية والسلامة، أولًا في التجارب على الحيوانات، ثم في التجارب السريرية على البشر.
لماذا تفشل 90% من عمليات تطوير الأدوية السريرية؟
فقط 1 من 10 أدوية مرشّحة يجتاز بنجاح اختبار التجارب السريرية. حدد تحليل أُجري عام 2016 أربعة أسباب محتملة لانخفاض معدل النجاح. وجد الباحثون أن ما بين 40% و50% من الإخفاقات كانت بسبب نقص الفعالية السريرية، ما يعني أن الدواء لم يكن قادرًا على إحداث تأثيره المطلوب في الأشخاص، ونحو 30% بسبب سميّة لا يمكن السيطرة عليها أو آثار جانبية، و10% – 15% بسبب ضعف الخصائص الدوائية، أو مدى توافر الدواء الحيوي وكيفيّة إطراحه من الجسم. أخيرًا، 20% من حالات الفشل كانت بسبب الافتقار إلى الاهتمام التجاري وسوء التخطيط الاستراتيجي.
يثير المعدل المرتفع للفشل العديد من التساؤلات: هل هنالك جوانب أخرى من تطوير الأدوية يُجرى تجاهلها أم لا؟. من ناحية، من الصعب تحديد إذا كان الهدف الخلوي المُختار هو أفضل علامة لتوجيه الدواء ضده. ومن ناحية أخرى، من الممكن أن أفضل الأدوية المرشحّة لم تُختر لإجراء المزيد من التجارب.
تحتاج الأدوية المرشّحة التي تصل التجارب السريرية إلى تحقيق توازن دقيق بين إعطاء ما يكفي من الدواء لمنح التأثير المطلوب وعدم التسبب بضرر للأنسجة، إذ إن تحسين قدرة الدواء على الوصول إلى أجزاء الجسم المصابة بمستويات كافية مع تجنب أجزاء الجسم السليمة لا يقل أهمية عن تحسين قدرة الدواء على تحديد الهدف المطلوب بدقة، وهو أمر حاسم في قدرتها على تحقيق هذا التوازن. ولكن نعتقد أنا وفريقي أن هذا الجانب من أداء الدواء أُكّد بنحو مبالغ فيه.
مثلًا، يمضي العلماء سنوات عديدة في محاولة تحسين فعالية ونوعية الأدوية المرشّحة بحيث تؤثر في الهدف بتراكيز منخفضة جدًا. ولكن يجب ضمان وصول ما يكفي من الأدوية إلى الجزء الصحيح، وعدم التسبب في ضرر للأنسجة السليمة. نعتقد -أنا وفريق البحث- أن عملية تحسين الأدوية غير المتوازنة هذه قد تغيّر اختيار الأدوية المرشحة وتؤثر في كيفية أدائها في التجارب السريرية.
تحسنت عملية تطوير الأدوية خلال العقود القليلة الماضية، طوّر العلماء العديد من الأدوات الناجحة ونفذوا استراتيجيات لكل خطوة من خطوات عمليّة تطوير الأدوية. وتشمل: اختبارات الفحص عالي الإنتاجية الذي يستخدم الروبوتات لتسريع عملية تحديد المرشّحين المحتملين، تصميم الأدوية القائمة على الذكاء الاصطناعي الذي يمثل نهجًا جديدًا للتنبؤ، واختبار السميّة، واختيار المريض بنحو أكثر دقة في التجارب السريرية. ورغم هذه الاستراتيجيات، فإن معدل النجاح لم يتغيّر كثيرًا.
نعتقد أنا وفريقي أن استكشاف استراتيجيات جديدة تركّز على اختيار الباحثين للمركبات المحتملة من المراحل الأولى من تطوير الأدوية، قد يساعد على زيادة النجاح. يمكن القيام بذلك باستخدام تكنولوجيا جديدة، مثل أداة تعديل الجينات CRISPR، التي يمكن أن تؤكد بدقة الهدف الخلوي الذي يسبب المرض ومعرفة هل الدواء يستهدفه أم لا؟
ويمكن إتمام ذلك أيضًا من طريق نظام STAR الجديد الذي ابتكرناه أنا وفريقي، وهو نظام لمساعدة الباحثين على وضع استراتيجية أفضل لتحقيق التوازن بين العديد من العوامل التي تصنع دواءً مثاليًا. يمنح نظامنا STAR الجانب الانتقائي للدواء الذي يُهمل، أهمية متساوية لأهمية الفعالية والنوعيّة. وهذا يعني أن قدرة الدواء على الوصول إلى أعضاء الجسم المصابة ستكون بأهمية تأثير الدواء على الهدف ذاتها. للقيام بذلك قام النظام بتقسيم الأدوية إلي أربع فئات استنادًا على هذين الجانبين، وإضافة إلى الجرعة الموصى بها، تتطلب الأصناف المختلفة استراتيجيات تحسين أخرى قبل خضوع الدواء إلى المزيد من الاختبارات.
الدواء المرشح من الصنف الأول، مثلًا، سيملك فعالية ونوعية عالية، إضافةً إلى تأثيره الكبير على الأنسجة وانتقائيته المرتفعة، وهذا يعني أنه سيحتاج إلى جرعة منخفضة لتحقيق أكبر قدر من الفعاليّة والسلامة وسيكون المرشّح الأكثر رغبة للاستمرار به. من ناحية أخرى، الدواء المرشح من الصنف الرابع سيملك فعالية ونوعية منخفضة وتأثيرًا ضعيفًا على الأنسجة وانتقائية متدنيّة، وهذا يعني أنه من المرجح أن تكون فعاليته غير كافية وسميَّته عالية، لذلك يجب إنهاء الاختبارات المتعددة عليه.
الأدوية المرشحة من الصنف الثاني لديها فعالية ونوعية عالية وتأثير في الأنسجة وانتقائية منخفضة، الأمر الذي يتطلب جرعة عالية لتحقيق الفعالية، وقد تسبب سميّة لا يمكن السيطرة عليها. هذه الأدوية تحتاج إلى تقييم أكثر حذرًا قبل المضي قدمًا بها.
أخيرًا، الأدوية المرشحة من الصنف الثالث لديها فعالية ونوعية منخفضة نسبيًا، ولكن تأثيرها على الأنسجة وانتقائيتها عالية، ما يتطلّب جرعة منخفضة إلى متوسطة لتحقيق فعاليّة كافية مع سميّة يمكن التحكم بها. لدى هؤلاء المرشحين معدل نجاح سريري مرتفع ولكن غالبًا يجري تجاهلهم.
توقعات لتطوير الأدوية في المستقبل:
إن الحصول على دواء مرشح ووصوله إلى مرحلة التجارب السريرية صفقة كبيرة لشركات الأدوية المختلفة أو لمؤسسة أكاديمية تطوِّر أدوية جديدة. من المخيب للآمال أن الموارد والجهود التي بُذلت على مر السنين لدفع الأدوية المرشّحة للوصول إلى المرضى، كثيرًا ما فشلت.
إن تحسين عملية تطوير الأدوية واختيارها قد يزيد من نجاح دواء مرشّح معين. ومع أن طبيعة تطوير الأدوية قد لا تجعل الوصول إلى معدل نجاح 90% قابلًا للتحقيق، ولكننا نعتقد أن التحسينات يمكن أن تقلل إلى حد كبير من التكلفة والوقت الذي يستغرقه العثور على علاج جديد للعديد من الأمراض البشرية.
اقرأ أيضًا:
كيف طورنا لقاحات كوفيد-19 بهذه السرعة دون المساس بأمانها؟
لماذا تفشل الأدوية التي تعمل بشكل جيد على أدمغة الفئران عند تطبيقها على البشر؟
ترجمة: فاطمة الرقماني
تدقيق: هاجر التهامي
مراجعة: حسين جرود